• 29 مارس 2024

ثقافة الزهور في تركيا.. موروث عثماني حافظ عليه الأحفاد

عند سيرك في شوارع تركيا، تكاد ترى بائع أو بائعة ورود تصر على العشاق شراء وردة منها. لكن الأمر ليس اقتصادياً بقدر ما هو ثقافي راسخ في قلوب المواطنين الأتراك الذين يهتمون كثيراً بهذه الثقافة.

 وسعياً منها لتسليط الضوء أكثر على هذه الثقافة، سطرت الصحفية، نور علوان، بقلمها السيّال، تقريراً صحفياً بعنوان “ثقافة الزهور في تركيا.. موروث عثماني يزدهر على أيدي الباعة الغجر”، نون بوست، مبينةً أن تركيا تشتهر بجمال طبيعتها وهذا ما يجعلها غزيرة بأنواعٍ عديدةٍ للورود.

وفيما استهلت علوان تقريرها بالاستشهاد برأي الحقوقي والدبلوماسي الفرنسي فيسنيه كاني عن تعلق الأتراك بالورود والنباتات العطرة، بعد زيارته لإسطنبول عام 1573، حيث قال “يحب الأتراك الزهور كثيرًا، لدرجة تصل إلى أن تنفق سيدة كل أموالها من أجل شراء وردة لتزيين شعرها، كالنساء في جنوة الإيطالية، لهذا السبب تجد العديد من المحلات التجارية لبيع الزهور مفتوحة طيلة فصل الصيف، روعة جمال الزهور الصفراء والزرقاء والحمراء في حديقة، السلطان إبراهيم باشا على ضفاف البوسفور أمر عجيب، الأتراك يحبون الزهور، دائمًا ما يحملون الزهور بين أيديهم أو على عمائم”، أوضحت أن اهتمام تركيا بشكل كبير في الزهور وزراعتها يلاحظ من خلال تعدد المهرجانات السنوية التي تُنظمها الحكومة في فصل الربيع احتفالاً بملايين الورود التي تزرعها في الحدائق.

وقد أكملت علوان تقريرها بعناوين ركّزت على رصد بعض المميزات الخاصة بثقافة الورود في تركيا.

الدولة العثمانية: الزهور بديلة للسيوف

حظيت الزهور باهتمام واسع في الإمبراطورية العثمانية بدءًا من عهد السلطان محمد الفاتح عندما دخل القسطنطينية عام 1453، وعرضت لوحة له حاملًا فيها زهرة بديلة للسيف، الأمر الذي جذب اهتمام وأنظار الناس، حتى امتلأت البلاد بعد ذلك بالحدائق، وأصبحت النساء تزين شعورهن بالزهور، ويحمل أعضاء المحكمة وردة بأيديهم، كما تذكر المصادر التاريخية أنه في القرن السادس عشر كان هناك أكثر من مئتي محل لبيع الزهور في المدينة.

ومنذ ذاك الوقت، استخدمت الزهور كوسيلة للتواصل والتعبير بين السكان، فمن الشائع جدًا في تركيا تزيين النوافذ والشرفات بأصص الزهور والنباتات المنزلية، وغالبًا ما تشير ألوانها إلى دلالة معينة، فمثلًا إذا وضعت ورود صفراء على الشرفة فهذا يعني أن أحد أفراد الأسرة مريض وهي وسيلة لإخبار المارين بأن يمروا بهدوء دون إزعاج أو ضجة احترامًا للمريض، أما إذا وضع أحدهم ورود حمراء فهذا يعني أن فتاة في عمر الزواج تسكن في هذا المنزل وتطلب من الجيران عدم الحديث بالسوء عنها حتى لا تضيع فرصتها في الزواج.

اهتم السلطان أحمد الثالث بزراعة الزهور وكان لديه شغف كبيرًا بالورود والقرنفل والأرجواني والياسمين والزنبق، فلقد سميت فترة حكمه بـ”عهد الزنبق” الزهرة التي أدخلت إلى أوروبا من تركيا في القرن السادس عشر، وبصفة عامة امتازت حدائق قصور السلاطين بمساحاتها الشاسعة وتنوع الأزهار الهائل والاهتمام الواضح بالألوان والأنواع النادرة منها، وخاصة قصر “طوب كابي”، وهذه العادات المختلفة عبر القرون جعلت من الزهور مكانة خاصة في الثقافة التركية.

زهور الجمال والشفاء

بحسب صحيفة دايلي صباح التركية، بينت مصادر تاريخية أن ماء الورد أُنتج لأول مرة في الأناضول بمدينة نصيبين بالقرب من ماردين، حيث تم تخزينها في أباريق نحاسية واستخدمت في طهي الطعام وصناعة العطور والمستحضرات التجميلية.

وتحديدًا استعملت في الطب، فلقد اعتمدت الثقافة العثمانية على الزهور للشفاء، في القرن الرابع عشر، لتخفيف الغثيان وعسر الهضم وكمهدئ للأعصاب ومضاد للاكتئاب لأنها تحسن المزاج وتخفف من التوتر العصبي، ومن جانب آخر، استخدمتها النساء في تأخير علامات تجاعيد الوجه والشفاء من حب الشباب وإضافة النضارة والليونة إلى البشرة، وشاع استخدامها في الحمامات التركية أيضًا وخاصة في الأعياد والمناسبات مثل شهر رمضان، إذ تقوم بعض البلديات التركية في كل عام بغسل سجاد المساجد بمنظفات مخلوطة بماء الورد وترش به على الأرضيات والجدران وترسل كميات كبيرة منه إلى المسجد الحرام في مكة لمسحه بمياه الورد كتقليد سنوي.

جنة الورود في العالم

تعد مدينة إسبرطة التركية من أشهر مدن العالم بزراعة الزهور، إذ تنتج نحو 65% من زيت الورد في العالم و95% منها يصدر إلى الخارج، فهي تساهم في تلبية احتياجات قسم كبير من قطاع صناعة العطور، ولا سيما أن إنتاج كيلو غرام واحد من زيت الزهور يحتاج إلى أربعة أطنان من الورد، وهذا ما يجعل إسبرطة كنزًا تركيًا بالنسبة إلى الدول التي تستورد منها، مثل فرنسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية واليابان، ويعود الفضل في ذلك إلى مفتو زاده غولجو إسماعيل أفندي الذي أدخل زراعة الورود إلى إسبرطة بعد أن هربها من مدينة كيزانليك البلغارية عام 1888.

أشهر الزهور التركية

تحتفظ زهرة التوليب بمساحة مستقلة لنفسها في الثقافة التركية، فلديها مكانة خاصة لدى الأتراك ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالتراث العثماني الذي توارثه الأتراك عبر السنين، إذ يقال إن أصل هذه الزهرة يعود إلى مواطن الأتراك الأصلية في آسيا الوسطى التي جلبوها معهم إلى الأناضول، وانتشرت من الدولة العثمانية إلى أوروبا عندما أهداها السلطان سليمان القانوني في القرن السادس عشر إلى ملك هولندا الذي أعجب بها بدوره كثيرًا حتى قرر زراعتها في هولندا.

جدير بالذكر أن أحد عهود الدولة العثمانية سمي بـ”عهد التوليب” بين عامي 1718 و1730 بسبب استقرار الأوضاع الداخلية والخارجية في الإمبراطورية، وإلى هذا اليوم، تعتني الدولة بهذه الزهرة التي رافقتها منذ القدم في رحلتها التاريخية، وجعلتها شعار خاص لبلدية إسطنبول.

اقرأ أيضاً

تعرف على المغني التركي “باريش مانتشو”.. أشهر مغني “روك” في تركيا

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *