• 29 مارس 2024

معركة موهاكس.. حينما يكون الخليفة في الصف الأول !

في الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة 932 هجرية الموافق التاسع والعشرين من أغسطس سنة 1526 ميلادية، وقعت معركة موهاكس بين جيش الخلافة العثمانية بقيادة السلطان سليمان القانوني، وبين جيش مملكة المجر بقيادة الملك فيلاديسلاف الثاني، وفيها حقق المسلمون انتصاراً ساحقاً في وقت قليل لا يتجاوز ساعتين، وكان من نتائجها ضم المجر إلى الدولة العثمانية.

معركة موهاكس

في الفترة التي سبقت معركة موهاكس ظهرت قوة مملكة إسبانيا بصورة أقلقت الدولة العثمانية، وكان يقود مملكة إسبانيا في ذلك الوقت رجل مشهور وذائع الصيت في أوروبا اسمه شارل الخامس أو شارلكان، وقد استطاع شارلكان أن يبسط نفوذه على البرتغال، وألمانيا، والنمسا، وهولندا، وأسس إمبراطورية ضخمة وقوية، وكان يحاول أن يفرض سيطرته على مملكة المجر لتكون حاجزاً له ضد الدولة العثمانية والمسلمين، فانتبه لذلك السلطان العثماني سليمان القانوني، ومن هنا قرر التحرك لغزو المجر وضمها للدولة العثمانية الإسلامية.

وفي 11 رجب سنة 932 هجرية «23 أبريل 1526 م» تحرك السلطان سليمان القانوني من إسطنبول على رأس جيش كبير مؤلف من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة، حتى بلغ بلجراد، ثم تمكن من عبور نهر الطونة بسهولة ويسر بفضل الجسور الكبيرة التي تم تشييدها لهذا الغرض، وبعد أن افتتح الجيش العثماني عدة قلاع حربية على نهر الطونة وصل إلى وادي موهاكس بعد 128 يوماً من خروج الحملة، قاطعاً ألف كيلومتر من السير، ويقع هذا الوادي الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلجراد، و170 كم جنوبي بودابست.

وعلى الجانب الآخر عندما علم ملك المجر فيلاديسلاف الثاني بقدوم المسلمين إليه، أعد جيشاً كبيراً واستعان بملوك أوروبا فأمدته ألمانيا بـ 38 ألفاً من خيرة الفرسان لديها، وبلغ عدد جيش المجر 200 ألف مقاتل، وقد توجه لمقابلة جيش المسلمين في وادي موهاكس برفقة القساوسة والرهبان الذين كانوا يحثون جنود جيش المجر على قتال المسلمين، وبينما بات جيش المجر ليلته في الاستعداد والتأهب للمعركة، بات المسلمين ليلتهم في الدعاء والتهليل والتكبير، وتضرع السلطان سليمان إلى الله سبحانه وتعالي وسأله النصر، وكان يمر بين صفوف الجند فيخطب فيهم عن الجهاد وعن فضل الشهادة في سبيل الله ورفعة شأن الإسلام.

وفي صباح يوم 21 ذي القعدة سنة 932 هــ «29 أغسطس 1526»، صلى السلطان سليمان بالجنود صلاة الصبح، ثم لبس درعه واستل سيفه، ودخل صفوف جنوده، وخطب فيهم خطبة حماسية بليغة، وحثَّهم على الصبر والثبات، وكان مما قاله لهم: «إن روح رسول الله تنظر إليكم»، فلم يتمالك الجند دموعهم التي انهمرت تأثُّراً مما قاله السلطان.

ووضع السلطان سليمان خطة المعركة مع قادة جيشه، وفيها اتفق القادة على أن يصطف جيش المسلمين في ثلاثة صفوف، وأن يكون السلطان ومن معه من الانكشارية في الصف الثالث، ومن ورائهم المدافع، حتى إذا بدأ القتال تتقهقر الصفوف الأولي من المسلمين، ويتراجعون خلف السلطان ومن معه من الانكشارية، وبالتالي سيفسح المجال للمدافع أن تحصد جنود المجر، وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني، الذي اصطف على ثلاثة صفوف، وكان السلطان ومعه جنوده من الانكشاريين في الصف الثالث، والتزم المسلمون بالخطة الموضوعة وتراجعوا إلى الوراء، فسارع جنود المجر خلفهم، وظنوا أن النصر سيكون حليفهم، وتقدم جنود المجر حتى وصلوا إلى المكان الذي يقف فيه السلطان، وحاولوا قتل السلطان، وبالفعل أصابوه في صدره بسهم إلا أن السهم لم ينفذ إلى صدره، والتحم الفريقان وذهب ثلاثة من شجعان المجر إلى السلطان سليمان، إلا أنه قتلهم، وكان مشهوراً بالشجاعة، وهنا أعطى السلطان الأمر بإطلاق المدافع التي أُطلقت بسرعة وبمهارة فائقة للغاية فحصدت جنود المجر حصداً.

واستمرت الحرب ساعة ونصف الساعة، وفي نهايتها هلك الجيش المجري بعد أن غرق معظم جنوده في مستنقعات وادي موهاكس، ومعهم الملك فيلاديسلاف الثاني وسبعة من الأساقفة، وجميع القادة الكبار، ووقع في الأسر خمسة وعشرون ألفا من الجنود، في حين كانت خسائر جيش المسلمين بضع مئات من الشهداء، وبضعة آلاف من الجرحى، وصلى السلطان سليمان ومعه الجيش المغرب في أرض المعركة، وبعد الصلاة تقدم القادة الكبار وهم تسعة عشر قائداً وقبلوا يد السلطان، وبعد انتهاء المعركة بيومين – في 23 ذي القعدة 932هـ / 31 أغسطس 1526م – قام الجيش العثماني بعمل استعراض أمام السلطان سليمان، وقام بأداء التحية له وتهنئته.

ثم تحرك الجيش نحو الشمال بمحاذاة ساحل الطونة الغربي، حتى بلغ بودابست عاصمة المجر، فدخلها في 3 ذي الحجة 932هـ / 10 سبتمبر 1526م، وشاءت الأقدار أن يستقبل السلطان سليمان في هذه المدينة تهاني عيد الأضحى في سراي الملك، وكان قد احتفل بعيد الفطر في بلجراد في أثناء حملته الظافرة.

ومكث السلطان في المدينة ثلاثة عشر يوما ينظِّم شؤونها، وعين «جان زابولي» أمير ترانسلفانيا ملكاً على المجر، التي أصبحت تابعة للدولة العثمانية، وعاد السلطان إلى عاصمة بلاده، بعد أن دخلت المجر في سلطان الدولة العثمانية.

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *