• 29 مارس 2024

حين يتمرد الطعام على السياسة.. مطعم مصري يقدم وجبات تركية وإيرانية!

في أحد ممرات شارع صفية زغلول (1878 -1946) بمنطقة جاردن سيتي، وسط العاصمة المصرية القاهرة، يمتزج عبق توابل إيران والهند، بروائح الطعام التركي، ليشكل تعريفًا جديدًا بثقافات بعض عواصم العالم من خلال وجبات تقدمها المصرية كاترين رأفت، وشقيقها ألبير.

لافتة صغيرة على جدار إحدى البنايات مكتوب عليها “مشروع مطعم”، تقودك للمشروع الشبابي الذي افتتحته كاترين، وشقيقها قبل عام تقريبًا، ويعمل معهما شخص ثالث، إلا أنهم بدأوا مؤخرًا تقديم أطعمة عواصم شرقية وأوروبية أسبوعيًا، معتمدين على محبي الاكتشافات الجديدة من الأطعمة، من رواد المكان المصريين والأجانب.

البداية هندية

كاترين رأفت (26 عامًا) مديرة المشروع، قالت للأناضول إن فكرة الأكلات المستوردة، بدأت بأطعمة هندية تناولتها في رحلاتها خارج مصر قبل شهور، وقررت نقلها لمشروعها الوليد وبعدها جربت أطعمة إيطالية وإيرانية.

بعد العودة للبلاد، بدأت كاترين في البحث عن طرق إعداد الأكلات الهندية عبر الإنترنت، وشاهدت عشرات الفيديوهات لطرق الطهي، ثم شرعت في التنفيذ المنزلي أولًا لتقييم التجربة.

وحول سبب اختيار اسم “مشروع مطعم”، قالت كاترين إنه مشروع شبابي تمويله صغير؛ مقارنةً بمطاعم كبيرة في المنطقة، وكنا نخشى عدم نجاحه، وأيضًا من باب تغيير الطريقة التقليدية لاختيار أسماء المطاعم.

وأضافت: “بعد أن أتقنت طرق إعداد بعض الوجبات الهندية بدأنا في الإعلان عنها عبر صفحة المشروع على موقع فيسبوك، ووجدنًا تفاعلًا كبيرًا مع المنشور، وتقدم العشرات لحجز أماكن بالمطعم، وطلبوا أكلات من التي تم الإعلان عنها”.

وتابعت: “بعد تجربة الطعام الهندي، اقترح أحد الأصدقاء تجربة الطعام الإيراني، وكنت وقتها خارج مصر، ونصحني بتقديمه في مشروعي، وبالفعل وجدته ذا مذاق خاص جدًا”.

لم يكن بوسع المطعم الصغير، الذي لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار تحمل تقديم الوجبات المصرية، بجوار أكلات إيرانية وهندية، فقرر القائمون على المشروع تخصيص أيام من كل أسبوع لأكلات بلد معين.

وأوضحت كاترين أن الهدف من تقديم أطعمة البلدان الشرقية تحديدًا، ليس فقط الربح الذي يعد عاملًا مهمًا لقيام المشروع، لكنه يتعدى ذلك للتعريف بثقافات بعض الشعوب ومحاولة التقريب بينهم والمصريين من خلال الطعام على عكس السياسة التي تباعد بينهم.

والطعام الإيراني، بحسب كاترين، لا يختلف كثيرًا عن نظيره المصري، إلا أن الإيرانيين يضيفون مسحوق الزعفران (صبغ أصفر زاهي اللون يضفي نكهة طيبة للطعام) على كل أطعمتهم تقريبا، إضافة للكركم (بهار أصفر اللون).

أما أشهر الأكلات التي قدمتها الطاهية المصرية لرواد مشروعها فكان طبق “الفسنجون”، وهو عبارة عن كرات لحم الدجاج ممزوجة مع صوص (عصير) الرمان، وصوص عين الجمل.

تذكر الفتاة العشرينية، أنها لم تكن تتوقع أن “عين الجمل”، إذا مزج مع الرمان، وبعض التوابل سيعطي هذا الطعم المبهر، إلا أن التجربة أظهرت ذلك، ويجاور “الفسنجون” الأرز المطهو بالزعفران والكركم.

تخوف من العداء السياسي

في بداية الأمر، كانت تتخوف كاترين وشقيقها من تقديم الأطعمة الإيرانية؛ لأنه لا يوجد أي مكان بمصر يقدم هذا النوع من الطعام، ومن الوارد ألا يقبل به رواد المكان، كما أن تقديم أطعمة إيرانية ربما يكون مثار هجوم على الفكرة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يمثلون الجمهور الأساسي للمشروع، بسبب خلافات فكرية بين البلدين.

التخوفات التي كانت تدور في رأس كاترين تتعلق برفض شعبي لكل ما هو إيراني، خشية من تغول ما تسميه صحف محلية “نشر المد الشيعي”.

إقبال غير متوقع

“ما حدث كان عكس ذلك”، وفق كاترين، فبمجرد الإعلان عن وجود أكلات إيرانية بالمطعم توالت الحجوزات، واضطروا لرفض عدد من الراغبين في الحضور لعدم وجود أماكن.

ولكثرة توافد الناس على المكان، قررت الطاهية ومن معها تخصيص أيام للأكلات الأجنبية، من كل أسبوع، حتى يأتي راغبو طعام كل بلد مع بعضهم، ويتمكنون من استيعابهم بمشروعهم، وكان الأسبوع الماضي من نصيب الطعام الإيراني، والحالي من نصيب الأكلات التركية، على أن يكون الأسبوع المقبل للطعام المغربي.

التركي يزاحم
لم يشغل الطعام الإيراني فقط رواد “مشروع مطعم”، لكن التركي أيضًا لاقى استحسان المتابعين، الذين تقدموا لحجز مقاعد للأيام التي ستقدم فيها كاترين أكلات تركية.

لكن التجربة التركية كانت أكثر صعوبة، بحسب كاترين، لوجود تشابه كبير بين المطبخ المصري، ونظيره التركي، فغالبية الأكلات المصرية الشهيرة مأخوذة عن التركي، لذا كان على الطاهية البحث عبر الإنترنت عن أكلات لا يعرفها المصريون لجذب انتباههم بها.

أشارت كاترين إلى أن أكلات “الكفتة والكباب” تركيتان في الأصل، لكن طريقة الطهي مختلفة عن المصرية، فهناك أنواع من التوابل وطرق مختلفة في التنفيذ تضاف للطعام.

المبدعون لهم مكان

لا يقتصر التميّز في “مشروع مطعم” الذي يقع في بدروم (مكان للسُّكنى أو التَّخزين أسفل) أحد العقارات القديمة بوسط القاهرة، على تقديم أكلات أجنبية فقط؛ فالمطعم يحتضن بعض المواهب الغنائية، والشعراء والعازفين؛ سواء كانوا هواة أو محترفين، وينظم لهم لقاءات يقدمون فنونهم من خلالها للزبائن، وتنشر أعمالهم على صفحات المطعم بمواقع التواصل الاجتماعي.

وتسعى الطاهية المصرية لاستقطاب بعض الفرق الموسيقية المغمورة، ممن تقدم فنًا راقيًا، ولا تجد فرصة للخروج للجمهور سواء في مصر أو خارجها للعزف في مطعهم.

وتقول إن هذه الفكرة لها هدفان؛ الأول هو مساعدة هذه الفرق في الترويج لفنها، والوصول للناس، والثاني راحة الزبائن واستماعهم للموسيقى خلال تناول الطعام وبالتالي تحقيق ربح للمشروع.

وبعد أن بدأ مشروعها يدر مؤخرًا ربحًا معقولًا، بعدما كان بالكاد يغطي نفقاته في البداية، تطمح كاترين وشقيقها في الوصول لعواصم العالم بمشروعات مماثلة لمطعمهما، تكون حلقة وصل ودبلوماسية شعبية للربط بينهم، من خلال الطعام.

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *