• 29 مارس 2024

500 عام مرت على فتح “حلب”.. أول ولاية عربية تدخل في الدولة العثمانية

استطاع المسلمون فتح مدينة حلب  عام 16 من الهجرة في عهد الخليفة عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن حينها تعاقب عليها مجموعة من الدول الإسلامية بدءًا من الحُكم الأموي والعباسي مرورًا بالحمدانيين الذين جعلوا منها إمارة مستقلة ومزدهرة، ثم العُبيدين فالسلاجقة وصولًا إلى المماليك الذين انتهى حُكمهم للمدينة مع دخول العُثمانيين إليها عام 1516 لتبدأ المدينة حقبة جديدة من عُمرها شهدت في معظمها ازدهارًا اقتصاديا وعمرانيًا واسعًا حتى سقوطها على يد قوات “الشريف حسين” بمساعدة الحلفاء في الحرب العالمية الأولى عام 1918.

فتح حلب

بعد النصر العثماني في معركة مرج دابق، اتجه السلطان سليم وجيشه والأمراء الذين والوه إلى حلب، حيث استقبله أهلها سلمًا في 28 أغسطس 1516، وتجمعوا في الميدان الأزرق، حيث قام محافظو القلعة بتسليم مفاتيحها إليه، كما خرج الخليفة المتوكل، وقاضي القضاة الثلاثة، واستقبلهم السلطان سليم، فأجلس الخليفة إلى جانبه.

كما عيّن السلطان سليم أحد قادته وهو جه أحمد باشا واليًا على مدينة حلب، وبهذا أصبحت حلب أول ولاية سورية عثمانية، كما عيّن كمال جلبي قاضيا فيها.

عرفت بلاد الشام عمومًا، وحلب خصوصًا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر ازدهارًا اقتصاديًا وسكانيًا وعمرانيًا، وساهم في ذلك كون قوافل الحج التي كانت تجتمع في دمشق، لتنطلق إلى الحجاز، وأغلب قوافل التجارة البرية نحو الخليج العربي والعراق، كانت تمر من حلب.

ثالث أهم مدينة في الدولة العثمانية

وبهذا شهدت مدينة حلب نهضة ادبية وفنية وعمرانية كبيرة، وأصبحت حلب ثالث أهم مدينة في الدولة العثمانية بعد القاهرة والقسطنطينية إسطنبول، وأصبحت المدينة سوقا رئيسيا للتجارة بين بلاد الشرق والغرب، وشكلت عقدة تجارية مهمة بالمنطقة، وانفتحت أسواقها على الأسواق الأوربية، وأنشئت فيها معامل كبيرة وضخمة لصنع الاقمشة وسواها، وغدت المدينة في القرن السادس عشر مخزنا للحرير، والتوابل، والمواد الطبية، والبضائع الثمينة.

ومن أشهر ولاة حلب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الوالي أحمد جودت باشا، وهو من المؤرخين المشهورين، له “تاريخ جودت” في عدة مجلدات، وكان ذا عناية بالشؤون الثقافية، وناشد ناشد، وكامل باشا، وجميل باشا الذي امتدت ولايته ما بين 1879م و1886م، وإليه ينسب بناء المكتب الرشدي العسكري ومشفى الغرباء في حلب، والوالي رأفت باشا، 1885-1900م الذي أسف الأهالي بولاية حلب على عزله.

ازدهار حلب في العهد العثماني

شهدت المدينة تطورات وتحولات كبيرة خلال القرون الثلاثة التي تلت انضواءها تحت الراية العثمانية، توازت فيها التطورات الاقتصادية بجانب التطورات العمرانية بشكل جعلها مركزًا من مراكز الثقل الاقتصادي العثماني في ذروته، بجانب إسطنبول والقاهرة.

ومن الشواهد على ذيوع صيت حلب في تلك الفترة، ذكرها مرتين في قصص السير ويليم شكسبير في العام 1606م في مسرحية “ماكبث”، واستشهاد آخر نراه عن عظمة حلب في مسرحية “عطيل”.

كما وصف كتاب “نهر الذهب في تاريخ حلب” حدود ولاية حلب التاريخية إبان السلطنة العثمانية، بحيث يحدها من الجنوب لواء حماة من ولاية سورية، التي مركز واليها مدينة دمشق الشام، ومن الغرب البحر المتوسط، ثم ولاية أضنة، ومن الشمال ولاية سيواس، ومن الشرق ولاية ديار بكر، وولاية معمورة العزيز ولواء الزور.

وذكر في كتابه أنه في حين “مرت عبر دمشق قوافل شرقي الأردن وفلسطين ونجد والحجاز، أدارت حلب الشؤون التجارية للأناضول وكيليكيا ومنطقة الموصل وبغداد وفارس” إذ كانت حلب تسيطر على الطريق التجاري من أوربا إلى الهند”.

التطور العمراني للمدينة في العهد العثماني

أما التطور العمراني، فقد تمثَّل إجمالًا في مساحة رقعة العمران للمدينة؛ فقد زادت هذه المساحة عن الضعف من حجمها الأصلي وقت الدخول العثماني، فمساحتها وقت الدخول عام 1516م، كانت تقدر بحوالي 238 هكتارًاتقريبًا، ومع الازدياد في التوسع وصلت هذه المساحة إلى 367 هكتارًا مطلع القرن التاسع عشر .فقد تضاعفت مساحة مركز ولاية حلب في أقل من نصف قرن باتجاه الغرب بفضل أربعة مجمعات وقفية لولاة حلب، فبنى الوالي “خسرو پاشا” عام 1544 والوالي “محمد پاشا دو كاجيني”عام 1555 والوالي “محمد پاشا” عام 1574 والوالي”بهرام پاشا” عام 1583 مئات من المحلات التجارية والخانات والقيساريات التي مازال بعضها قائمًا وشهيرًا إلى الآن، مثل خان الشونة، خان الجمرك، خان الوزيرفي القرن السابع عشرفازدادت مساحة مركز الولاية من خمسة هكتارات مطلع القرن السادس عشر إلى أكثر من عشر هكتارات قبل أن يمر نصف قرن على حركة التعمير الكبيرة هذه، وأصبحت الأسواق المغطاة في المدينة من أكبر الأسواق في الدولة بكاملها.

الثورة العربية وسقوط حلب 

ويذكر أن سوريا (بلاد الشام) دامت تحت حكم الدولة العثمانية قرابة أربعة قرون، منذ أن سحق السلطان سليم الأول، جيش المماليك في معركة مرج دابق، شمال مدينة حلب يوم 24 أغسطس 1516م، ومنها ملك مدن البلاد سلمًا، وعلى رأسها دمشق في 26 سبتمبر 1516، وحتى انسحاب العثمانيين منها في أعقاب الثورة العربية الكبرى، والحرب العالمية الأولى في أكتوبر 1918م.

بعد الثورة العربية وخروج العثمانيين من بلاد الشام نهاية العام 1918م، أعلن عن قيام المملكة السورية العربية بحدود ضمت ما يماثل اليوم سورية ولبنان وفلسطين والأردن، وشمل ذلك لواء اسكندرون وأنطاكية وأراضي الأقاليم السورية الشمالية في الأناضول.

إلا أنه، ونتيجة الرفض التركي للاتفاقيات (سايكس-بيكو وسيفر) بالإضافة لمعارك الاستقلال التي خاضها مصطفى كمال آتاتورك، فقد عقدت اتفاقية جديدة في العام 1923م عرفت باسم “معاهدة لوزان” لتعديل الحدود، تم بموجبه التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا.

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *