• 29 مارس 2024
 الإرهاب ومزاجية التصنيف

الإرهاب ومزاجية التصنيف

الإرهاب ومزاجية التصنيف

العقيد فايز الأسمر – باحث في القضايا السياسية والأمنية الشرق أوسطية – في العقدين الأخيرين كثيرا ما تطرق مسامعنا كلمة الإرهاب والجماعات والتنظيمات الإرهابية، حتى باتت هذه المصطلحات الفضفاضة والتصنيفات التي تصاحبها الشغل الشاغل للإعلام ومراكز البحث، وغرف مخابرات الدول الكبرى التي  استنفرت وجندت لمكافحته الجيوش وعقدت لأجله التحالفات، وانطلقت لمحاربته في مهده الغزوات، لكن الملاحظ وفي فترات كثيرة أن كلمة الإرهاب عند الكثير من الدول أصبحت حمالة أوجه وتقبل المناورة، وترك هذا المصطلح بلا تعريف محدد مقنع متفق عليه بين هذه الدول.

الإرهاب ومزاجية التصنيف

وبتصوري وكما تشير الكثير من الوقائع التي نعيشها أو نسمع بها و نتابعها، أن الإرهاب أصبح في غالب الأحيان ثوبا تلبسه السلطات والدول المتنفذة والقوية لمن تشاء وتنزعه عمن تشاء وسيفا مشرعا تسلطه على من تشاء وترفع أذاه عمن تشاء.

وبات معروفا فلا يوجد معنى دقيق ولا تعريف أمني مُحدد أو موضوعي للإرهاب، ولا معايير قياسية حوله، وتحديد من هو الارهابي وكيف يكون الإرهابي إرهابياً؟ فمعيار الإرهاب لدى الدول لايزال مبهما وغير محدد حتى من أولئك الذين جندوا الطاقات لمحاربته في شتى اصقاع الأرص.

وهنا للأسف مكمن السر  ومزاجية التصنيف لدى الدول المتنفذة المتحكمة في آليات الفرز بأن فلان من الناس إرهابي أو تلك الدولة أو الجمعية أو النظام أو المنظمة ارهابية، أو تقوم بنشاطات متعددة لتمويل الإرهاب.

ناهيك عن أن التصنيف بالإرهاب للأسف أيضا لا نرى فيه اتخاذ المواقف الميدانية العسكرية الرادعة ذاتها من جميع أشكاله أو تسميات، والوقوف على مسافة واحدة من تعدد أذرعه واختلاف تسمياته وإنما تخضع هذه العملية للمزاجية اللامنطقية وحسب المصالح والغايات التي تحكمها الإرادة الدولية لأصحاب النفوذ.

الإرهاب تعريفا

لقد اصدرت الكثير من الدول في العقدين الأخيرين قوانين كثيرة خاصة بمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، بعد العمليات الارهابية التي طالت مدنا ومناطق كثيرة في مختلف أنحاء العالم، وكثيراُ من البلدان العربية والشرق أوسطية.

ولكن وعلى مايبدو أن الإجراءات المتخذة من قبل المجتمع الدولي ( العسكرية والاستخباراتية ) لم تفلح حتى الآن وبأي شكل من الأشكال في قطع دابر ما تسميه التنظيمات والجماعات الإرهابية، التي باتت تستفيد وبشكل لافت من كافة التطورات التقنية والتكنولوجية بجميع أشكالها للتخفي والتواصل فيما بينها، ومواصلة نشاطاتها مخترفة بذلك حدود الدول وإجراءاتها الأمنية المتخذة التي تقوم بها لمنع ذلك.

عمليا إن الإرهاب في أبسط مفاهيمه هو أي تَعد على المدنيين والآمنين وإرهابهم من أجل مصالح سياسية واقتصادية أوسلطوية، وبالرغم من أن كثر لا يعترفون بهذا المفهوم، إلا أنهُ يجب أن يكون حقيقة معيارية لكافة الممارسات الإرهابية في المنطقة والعالم، وبالتالي فكل من يقمع أو يسجن أو يُغيب أو يَقتل بشكل متعمد ومن دون دلائل، أو يشرد ويجرم بحق الشعب بالبراميل المتفجرة ويستقدم عليهم من ينكل بهم في سبيل عرشه وبغض النظر عن الدوافع إن كانت دينية أو باسم السلطة أو التحرير أو لحفظ الأمن فهو إرهابي ويمارس الإرهاب سواء كان أميرا او فقيرا وسواء ارتدى زي السلطة والجيش أو العمامة والثوب القصير !

وعليه فإن مُكافحة الإرهاب هي كافة الأساليب والاستراتيجيات والتكتيكات الأمنية والعسكرية، التي تُنفذها الحكومات والجيوش وقوات  الشرطة، وأمن الدولة وشركات الأمن الخاصة، وأجهزة الاستخبارات لمُناهضة الإرهابِ و نشاطات التنظيمات الإرهابية المتطرفة، ومتابعتها ومحاولة إقتلاعها من جذورها، ومنعها من استخدام وسائل القتل والإجرام التي تسعى من خلالها لتحقيق أهدافها وغاياتها، وفرض إيديولوجياتها وادبياتها بالقوة،  ولابد أن تشمل هذه الاستراتيجيات أيضًا منع وإيقاف كافة المحاولات التي تهدف لتمويل النشاطات الإرهابية بالمال والسلاح والعتاد واللوجستيات.

الإرهاب والأحزاب والأذرع الكردية 

في الواقع لا تهتم واشنطن بمزاجيتها المعروفة بحقيقة أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي BYD هو امتداد لحزب العمال الكردستاني pKK الارهابي، في حين تعتبره وتصنفه تركيا مع ذراعه العسكري YBG (وحدات حماية الشعب) فرعا سوريا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أمريكيا وبعض الدول الأوربية كحزب إرهابي، ومع ذلك فإن واشنطن حتى هذه الأوقات لاتزال عازمة وُمصرة على أن تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، وتقويته عسكريا وتسليحيا بحجة أنه شريك للتحالف الذي تقوده في محاربة داعش والإرهاب.

وهذا الذي يزعج تركيا ولاتقبل به مطلقا، ولذلك قامت أنقرة مضطرة بعملياتها العسكرية الناجحة الثلاث في العمق السوري ( درع الفرات غصن الزيتون، نبع السلام )، التي أبعدت من خلالها خطر حزب انفصالي يهدد أمنها القومي وترابط نسيجها الإجتماعي، من مناطق واسعة بالقرب من حدودها الجنوبية، قاطعة بذلك الممر االارهابي الذي كان يخطط له هذا الحزب لوصل كانتونات الجزيرة التي يسيطر عليها بغرب الفرات وعفرين.

لا شكّ أنّ الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها الدولة الأقوى عالميا تملك القوة “لشرعنة” ما تريده ومهما كان العكس، وهي من خلال ذلك تحاول السيطرة على حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي من خلال مبدأ ومعادلة العصا والجزرة، فإمّا أن تضفي واشنطن ولمصالحها وأهدافها المرحلية والاستراتيجية صفة الشرعية على الحزب وتوابعه التي تدور في فلكه، وإما أن تعلن أنهما منظمات إرهابية عالمية، ولهذا فإن واشنطن تعي تماما بأنّ باستطاعتها السيطرة على الحزبين واستثمارهما جيدا، بالرغم من الإصرار التركي على أنهما حزبان إرهابيان.

لكن من الواضح أن الإدارات الأمريكية السابقة والحالية، وبرغم كل المواضيع التي تقلق تركيا ومسرحها الجغرافيا السورية، فانها ستستمر في دعمها المباشر لحزب الاتحاد الديمقراطي، لأنّ واشنطن حسب إعتقادها أنها لا تملك ورقة مرحلية رابحة أو خيارا آخر أفضل من الحالي تواجه به محرقة داعش.

نظام الأسد ووصمة الإرهاب 

حقيقة إن أعمال القتل والتدمير والتهجير والتشريد التي يرتكبها أي نظام حكم ضد شعبه، أو ضد أي مكون من مكوناته الإثنية والطائفية، لابد أنها تهدد السلام والأمن الإقليمي والعالمي أكثر من الأعمال الارهابية التي ترتكب هنا أو هناك من قبل الأفراد أو الجماعات.

ولكننا وللأسف وكما نرى ونتابع فإن مثل هذه الأنظمة والمزاحية للاعبين الكبار وأهدافهم في إدارة الحروب و الأزمات والنزاعات، وخاصة تلك التي تحدث غالبا في الشرق الأوسط لا تزال بعيدة كل البعد عن دائرة تصنيفها دوليا كأعمال ارهابية ممنهجة، وأقرب مثال على هذا النظام السوري المجرم الذي يقوم ومنذ مايقارب من 11 عاما بتدمير  البلاد، وتشريد العباد وقتله مايزيد عن المليون شهيد وأصابته بالإعاقة والعجز الدائم لما يقارب من 2 مليون وتهجير مايقارب من 10 مليون خارج مناطقهم بل وخارج بلادهم.

اقرأ ايضا: من يقف مستترا خلف الهجمات المتكررة على القواعد التركية في العراق

اقرأ ايضا: جيش الكيان الإسرائيلي رغبات شيطانية وأهداف عدوانية !

اقرأ ايضا: مسيرة الأعلام في القدس هل تؤسس لمعركة سيف قدس ثانية؟

اقرأ ايضا: تركيا والسعودية ومرحلة نسيان الماضي والإستعداد لإنطلاقة القادم

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *