بقلم محمود علوش – صحفي لبناني
عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطلع العام الجاري عزمه إصدار قرار بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى 14 مايو/أيار بدلًا من 18 يونيو/حزيران كان رهانه على أن التأثيرات الإيجابية لحزم التحفيز الاقتصادي التي اتخذتها الحكومة في الأشهر الماضية لمكافحة التضخم، بما في ذلك رفع جديد لرواتب الموظفين وزيادة أخرى للحد الأدنى للأجور، ستُساعده في رفع التأييد الشعبي له إلى المستوى الذي يُساعده في الفوز في الانتخابات.
ارتباك المعارضة التركية يعزز رهانات أردوغان
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجديدة التي فرضها زلزال السادس من فبراير/شباط على أردوغان، فإن تمسكه بموعد تبكير الانتخابات يشير إلى أن رهانه على الفوز لا يزال مرتفعًا. قبل كل شيء، لا بُد من الإقرار بأن أردوغان استطاع الفوز في 10 استحقاقات انتخابية على التوالي منذ وصوله إلى السلطة بفضل مهارته في اللعب على التناقضات السياسية الداخلية وتحويل الأزمات الكبيرة التي واجهها إلى فرص.
ومع أن كارثة طبيعية كبيرة بحجم الزلزال تثير شكوكا حول ما إذا كان بمقدور أردوغان تحويلها إلى فرصة حقا، فإن إقراره بوجود ثغرات في الاستجابة الأولية للكارثة وإجراءات الدعم الاقتصادية القوية التي اتخذها لإغاثة المتضررين ووعوده بإعادة إعمار المناطق المنكوبة على نفقة الدولة بالكامل في غضون عام، كلها تُساعده في احتواء تداعيات الزلزال على التأييد الشعبي له.
أشارت استطلاعات رأي جديدة نُشرت الأسبوع الماضي إلى أن التحالف الحاكم لا يزال يحتفظ بقاعدة تأييد في أوساط الناخبين إلى حد كبير على الرغم من تداعيات الزلزال، بينما أظهرت استطلاعات أخرى أن المعارضة لم تتمكن من تعزيز وضعها الانتخابي والحصول على تأييد ناخبين جُدد لها من خارج قاعدتها الشعبية. ويرجع ذلك إلى عاملين أساسيين:
أولًا، ساعدت إدارة أردوغان للكارثة وإقراره بوجود ثغرات في الاستجابة لها في البداية بفعل ظروف خارجة عن إرادة الدولة كالدمار الواسع الذي أحدثه الزلزال والظروف المناخية التي عقّدت من جهود الإغاثة، في تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لتعزيز صورته كزعيم لا يجد حرجًا في تحمل المسؤولية في هذه الأزمات الكبرى وقادر في الوقت نفسه على قيادة مرحلة التعافي منها.
ثانيًا، إخفاق المعارضة في اختبار التعامل مع الكارثة من خلال تفضيلها أولوية تحقيق مكاسب سياسية على تبنّي خطاب وطني خال من السياسة ويتلاءم مع متطلبات المرحلة. في الواقع، لم تنجح المعارضة بعد الزلزال في تشكيل خطاب جديد يحدّ من الاستقطاب العميق ويمنح المناطق المنكوبة أملًا بالتعافي. لعل ذلك ما يفسر كيف أن معظم المُستطلعين في استطلاعات الرأي يراهنون على قدرة أردوغان في إعادة البناء رغم أنهم لا يُخفون غضبهم من أداء الدولة واتهامها بالتقصير في مراقبة معايير البناء السيئ الذي فاقم من الخسائر البشرية. إنهم ببساطة يبحثون عن أمل.
مع ذلك، فإن الرهان الانتخابي لأردوغان لا يقتصر على احتواء تداعيات الزلزال وانخفاض معدّلات التضخم، بل يشمل أيضا الأداء السياسي الضعيف لأحزاب المعارضة بشكل عام والتحالف السداسي المعارض على وجه الخصوص. رغم أن تكتل 6 أحزاب بينها أكبر حزبين معارضين في ائتلاف سداسي، شكّل أكبر تهديد لقدرة الرئيس أردوغان على الاحتفاظ بالسلطة، فإن الأزمة التي عصفت بالتحالف بعد معارضة حزب الجيد القومي لترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو للانتخابات الرئاسية كشفت عن حدود لوحدة المعارضة. ورغم صفقة اللحظات الأخيرة التي نجحت في إعادة ميرال أكشينار إلى الطاولة السداسية، فإن الأزمة ألحقت ضررا كبيرا بالمعارضة يصعب تجاوزه وقد يؤثر على خيارات فئة من الناخبين. كما كشفت أن أزمة الثقة وصراع الإرادات بين أكبر مكونين في التحالف قادرة على تقويض قدرته على تحقيق استقرار سياسي في السلطة.
كان أكثر الاعتقادات تفاؤلاً في بيئة المعارضة أن هذه الوحدة ستبقى طالما أن الهدف الأساسي لها، وهو إسقاط أردوغان، لم يتحقق بعد، وأن الخلافات سرعان ما ستعصف بالتحالف بعد الفوز بالانتخابات، لكنّ تشظي التحالف لفترة وجيزة قبل الانتخابات أظهر حقيقةً سعى إلى إخفائها منذ تأسيسه وهي أن أزمة الثقة وصراع الإرادات أكثر تأثيرا على فعاليته من الهدف الأساسي الذي تشكل لأجله. لقد ألحقت الأزمة ضررا معنويا كبيرا بالمعارضة يصعب إعادة ترميمه بأي حال وأظهرت أن المخاطر على الاستقرار السياسي في تركيا في حال فوز المعارضة أكبر بكثير من بقاء أردوغان في السلطة.
ومن شأن هذه المخاطر أن تُحدث تحولًا لدى الناخبين الذين لم يحسموا بعد خياراتهم التصويتية في الانتخابات، إذ الأولوية لعامة الشعب التركي تحقيق استقرار سياسي يُساعد البلاد في مواجهة تداعيات الزلزال والمصاعب الاقتصادية التي تُعانيها، فإن عامل الاستقرار السياسي قد يدفع بالأصوات المترددة إلى الابتعاد عن المعارضة.
في الواقع، يبدو أردوغان محظوظًا للغاية بهذه المعارضة التي استطاعت الاتفاق على وثيقة السياسات المشتركة وافترضت النصر المسبق في الانتخابات، لكنّها تركت النقاش حول أكثر المسائل حيوية للتحالف السداسي إلى اللحظة الأخيرة وهي المرشح الرئاسي المشترك. فضلا عن ذلك، فإن جزءًا كبيرًا من خطاب وتحركات المعارضة فرضه في الواقع أردوغان نفسه وليست الرؤية الإستراتيجية الواضحة التي ينبغي أن تُكوّنها بنفسها معارضة تسعى لإحداث تحوّلات هائلة في تركيا وتغيير كل شيء فيها تقريبًا.
مع أنه يصعب في الوقت الراهن تقديم تقييم دقيق لتداعيات الزلزال والأزمة القصيرة التي شهدها تحالف المعارضة على المشهد الانتخابي قبل اكتمال صورة التحالفات الحزبية، فإن ما يبدو شبه واضح من الثقة التي يُظهرها أردوغان في قدرته على الفوز في أصعب استحقاق انتخابي في مسيرته السياسية، والارتباك الذي تعيشه جبهة المعارضة، أن المشهدين السياسي والاقتصادي على أبواب الانتخابات ملائمين بشكل أفضل لأردوغان لتعزيز فرصه الانتخابية.
حتى مع اتفاق التحالف السداسي على ترشيح كليتشدار أوغلو للرئاسة، فإن هذا الخيار يُعزز رهانات أردوغان. ومع أن كليجدار أوغلو يتزعم أكبر أحزاب المعارضة ولديه تاريخ طويل من العمل السياسي المعارض، فإنه أقل تهديدا لأردوغان مقارنة بمرشحين آخرين من المعارضة كرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش. كما أنه أقل قدرة على استقطاب الأصوات المحافظة التي لم تحسم خياراتها بعد بالنظر إلى إرثه العلماني العميق. وعلى الرغم من أن رهانات أردوغان تبقى محفوفة بالمخاطر، فإنها ستبقى مرتفعة حتى الفترة المتبقية للانتخابات في حال رسا مشهد التحالفات الحزبية على وضعه الحالي ولم تظهر مفاجآت أخرى غير متوقّعة في بلد سريع التحوّلات.
اقرا ايضاً: المعارضة التركية تعلن برنامجها للحكم في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية 2023
اقرا ايضاً: صحيفة تركية: أردوغان سيفوز في الانتخابات الرئاسية بأغلبية ساحقة
اقرا ايضاً: أبرز شخصيات المعارضة في السياسة التركية 2023