مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية التركية 2024، والتي من المقرر عقدها في 31 مارس/آذار من العام الجاري، تحتدم المنافسة بين الأحزاب السياسية في تركيا في ظل استعدادات مكثفة للحزب الحاكم، من أجل استعادة البلديات الكبرى، وأبرزها إسطنبول من المعارضة التركية.
يقول المحلل السياسي علي أسمر في مقال تحليلي، نشرته صحيفة ديلي صباح أن: “فوز حزب الشعب الجمهوري ببلدية إسطنبول وبعض الولايات الكبرى الأخرى قاد إلى إجراء تغيرات كبيرة في بنية حزب العدالة والتنمية الحاكم، لكيلا تتكرر خيبة الأمل مرة أخرى وخاصة في إسطنبول إذ يقال من يخسر إسطنبول يخسر تركيا”.

وأضاف: “لذلك نرى الآن استعدادات كبيرة من الرئيس أردوغان ل الانتخابات البلدية التركية 2024 وقيادات الحزب لاسترجاع إسطنبول من أكرم إمام أوغلو التابع لحزب الشعب الجمهوري العلماني”.
مشيراً الى أن أكرم إمام أوغلو فاز على نظيره بن علي يلدرم الذي كان مؤمنا بالفوز، بسبب تاريخه وخبرته الطويلة في قطاع الخدمات، وعلق بقوله: “ولكن هذه المرة جرت الرياح بما لا تشتهي سفن الحزب الحاكم”.

وأوضح الأسمر: “انتقال إدارة إسطنبول إلى حزب الشعب الجمهوري له أسباب عديدة، منها اختيار الشخص المناسب للمكان غير المناسب لأن بن علي يلدرم شخص ناجح وتقلد العديد من مناصب الدولة، لكنه لم يستطع مجابهة المرشح الشاب أكرم إمام اوغلو الذي يتقن استخدام وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي، ويتقن الخطاب والكلام مع الطبقة الشابة في اسطنبول، ومن الأسباب أيضا الاستخفاف بشخصية أكرم إمام اوغلو، بسبب تاريخه المتواضع في رئاسة بلدية منطقة بيليك دوزو في إسطنبول”.
وتابع المحلل السياسي: “بعد نتائج الانتخابات السابقة أجريت تغيرات كبيرة في الحزب، ورأينا إجراءات بمثابة النفضة للحزب، بسبب قدم حزب العدالة والتنمية احتاج إلى نفضة أقصت بعض الشخصيات، ورفعت شخصيات أخرى، ووضعت النقاط على الحروف، فلا يوجد مكان للمستهترين”.
ويرى الأسمر أنه يجب العمل بجد في هذه المرحلة أو التنحي جانباً، وخاصة مع بروز شخصيات جديدة على الساحة التركية، ويضيف: “يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارات متتالية إلى إسطنبول بهدف التشاور مع أعضاء الحزب لاختيار المرشح القادر على الفوز على أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري”، لافتاً الى أن إمام أوغلو مع إخفاقاته الكبيرة في إدارة بلدية إسطنبول هو أقوى من السابق فلقد استخدم كل إمكانيات وميزانيات البلدية لكي يثبت نفسه أمام سكان إسطنبول.
خمس شخصيات مرشحة لمنافسة أكرم إمام أوغلو
وحول منافس إمام أوغلو في الانتخابات البلدية التركية 2024، يقول الأسمر وبحسب قراءته للمشهد التركي: “يوجد خمسة أسماء على طاولة أردوغان، الشخصية الأولى هي “عادل كارايسمايلوجلو” وزير المواصلات السابق، وهو شخصية ناجحة خدميا، لكن سنه الكبير سيكون عائقا لترشيحه على ما اعتقد، لأن الحزب الحاكم لن يكرر الخطأ الذي ارتبكه عند ترشيح بن علي يلدرم.
والشخصية الثانية “فخر الدين قوجة” وزير الصحة الحالي، الذي استطاع إدارة أزمة كورونا بحنكة وذكاء، وأبلى بلاءً حسنا في القطاع الصحي وبسبب نجاحه منقطع النظير في القطاع الصحي لا أعتقد أن يتم ترشيحه لرئاسة البلدية، لعدم وجود شخصية تستطيع أن تشغل منصبه كوزير للحصة في تركيا حاليا.
أما الشخصية الثالثة فهي محمد أرغون توران رئيس بلدية الفاتح وهو من مواليد إسطنبول وشخص محبوب، ولكن هو أيضا كبير في السن ومن الممكن ألا يستطيع احتواء الجيل.
الاسم الرابع هو “محمد توفيق غوكسو”، رئيس بلدية أسنلر، وهي منطقة كبيرة في إسطنبول، ويعرف عنه الولاء التام للرئيس أردوغان، وهو من المتكلمين يتقن فن الخطابة وكثيرا ما ينتقد أكرم إمام أوغلو، ولهذا السبب علاقته مع إمام أوغلو متوترة دائما، وإذا قارناه بالأسماء السابقة نرى أنه يتقدم عليهم، بسبب خبرته الطويلة في إسطنبول ومناظراته الكثيرة مع أكرم إمام أوغلو.

والخيار الخامس هو “مراد كوروم”، وهو وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي السابق، وهو شخصية مقربة من الرئيس أردوغان، ومن جانب آخر شخصية لها خبرة في قطاع الخدمات بالإضافة لذلك هو شخصية احتوائية مسالمة وحاصل على احترام وحب الجميع، والأهم من ذلك عمره 47 عاما أي أنه شاب مقارنة بالأسماء الأخرى، ومن الممكن أن يجذب الشباب في إسطنبول الذين كانوا سببا في فوز أكرم إمام اوغلو سابقا.
ومن بين تلك الأسماء الخمسة، يقع اختيار الأسمر على السيد مراد كوروم، وعلق على ذلك قائلاً: “لاحظت زياراته المتعددة المتتالية إلى إسطنبول بالإضافة إلى بعض اجتماعاته مع الشباب في إسطنبول واهتمامه بموضوع التحول العمراني هذا الموضوع الذي يعتبر حاليا تريند في تركيا بسبب الأخبار التي تنشر من حين لآخر حول زلزال إسطنبول المدمر”.
معركة الانتخابات البلدية التركية 2024 في إسطنبول
المعركة الانتخابية بين مراد كوروم أو مرشح حزب العدالة والتنمية وأكرم إمام أوغلو ستكون صعبة، لأن
،
وصف الأسمر المعركة الانتخابية بين مراد كوروم مرشح حزب العدالة والتنمية وأكرم إمام إوغلو بالصعبة جدا، وعلل ذلك بقوله: “الاثنين لديهما نقاط قوة وضعف، ولا نعلم من سيتقن استخدام نقاط قوته على الآخر. يتميز كوروم بتاريخه الغني بقطاع الخدمات والكوارث البيئية والزلازل”.
وأوضح: ” لكن من نقاط ضعف كوروم أنه عاش حياته في أنقرة، وهو شخصية يهتم بالعمل والنتائج، ولا يهتم كثيرا بالتسويق والمظاهر”.
واستطرد: “على عكس أكرم إمام أوغلو الذي يتقن فن المظاهر واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي ببراعة حيث ينشر يوميا مقاطع فيديو تخاطب الشباب التركي في إسطنبول، ويعدهم بالعلمانية والحرية ومستقبل افضل، وكان من أوائل الشخصيات السياسية التي انضمت إلى منصة تيك توك هذه المنصة التي استطاعت بزمن قياسي جذب الشباب التركي”.
وأشار الأسمر الى أن إمام أوغلو لديه العديد من المشكلات والدعاوي القضائية التي فتحت بحقه، وإلى الآن لم يتم البت بها بالإضافة إلى أنه خلال خمس سنوات لم يستطع تحقيق أهدافه ووعوده مما أثار غضب الكثير من محبيه، واشتهر أيضا إمام أوغلو بحبه للعطلات والاستجمام، فكلما عانت إسطنبول من كارثة كسيل أو فيضان أو زلزال كان إمام أوغلو خارج المدينة في رحلة استجمامية مما زعزع ثقة الكثير من الناس به.
تحالفات وخلافات بين الأحزاب التركية
تحالف الجمهور بقيادة حزب العدالة والتنمية استطاع أن يتماسك بعد الانتخابات الرئاسية، لكن تحالف الأمة المعارض، المعروف “بالطاولة السداسية” تفكك بمجرد خسارته في الانتخابات الرئاسية، فالذي كان يجمع أعضاء الطاولة هو إسقاط أردوغان فقط، ولم ينجحوا بذلك، بحسب الأسمر.
وأوضح: “الآن ظهرت خلافات عميقة بين الأحزاب المعارضة خاصة الفجوة بين حزب الجيد بقيادة ميرال أكشينار وحزب الشعب الجمهوري بقيادة أوزغور أوزيل، الذي تقلد منصب رئاسة الحزب منذ فترة قريبة، خلفا لكمال كليتشدار أوغلو الذي هزم أمام الرئيس أروغان في الانتخابات الرئاسية مؤخرا”.
ويعتقد المحلل السياسي أن السبب الرئيسي لخلافات تحالف الأمة هو اختلاف الأيديولوجية الحزبية لكل حزب بالإضافة إلى أسلوب “البازارات” أي المساومات على المناصب والمقاعد عكس تحالف الجمهور الذي يركز فقط على خدمة الشعب التركي.
وتوقع الأسمر في مقاله انشاء تحالفات انتخابية عقب الزيارات المكثفة بين رؤساء الأحزاب، وهدفها هو الحصول على أكبر عدد من البلديات.
وأضاف: “هنا يجب ألا نهمل الأحزاب ذات الطابع الكردي التي كانت سببا مباشرا لفوز أكرم إمام أوغلو في بلدية إسطنبول في الانتخابات الأخيرة، ورأينا أيضا صعود الأحزاب القومية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، هذا ما يعني أنها ستكون حاضرة أيضا في الانتخابات المحلية”.
وتابع: “كل هذه الأسباب تعقد المشهد حيث لا ندري من سيكون مع من، ومن سيتخلى بآخر لحظة عن من، وهذا ما عبر عنه الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل بقوله “24 ساعة مدة طويلة جداً في السياسة التركية”،
واختتم بقوله: “في النهاية، الشعب التركي هو من ستكون له الكلمة الأخيرة في الانتخابات البلدية التركية 2024، فإما أن يعيد إسطنبول لكنف الحزب الحاكم أو يمنح المعارضة إدارة إسطنبول لمدة خمس سنوات إضافية”.
اقرأ أيضا: فلسطين “إدوارد سعيد”: مطامع غربية في كنوز الشرق
اقرأ أيضا: الكاتب التركي كمال أوزتورك: البيانات الخاصة بالبشر باتت أثمن شيء في العالم