يظنّ عدد لا بأس به من المواطنين العرب بأن أغلب المواطنين الأتراك يعيشون حياةً حرةً بلا معايير ضابطة، بحسبان ما تعرضه بعض المسلسلات والأفلام التركية. غير أن الواقع لا يعكس هذه الصورة، بل يفندها ويقدم صورةً محافظةً للمجتمع التركي الذي تكثر فيه الجماعات الإسلامية التي تتبنى مناهج إسلامية محافظة ومعتدلة تغرس روح الالتزام بنفوس طيفٍ كبير من المجتمع التركي.
وفي ضوء ذلك، يستعرض تقريرنا أهم وأكبر تلك الجماعات على النحو التالي:
ـ جماعة إسماعيل أغا:
تعود تسميتها إلى مسجد إسماعيل أغا الكائن في إسطنبول، والذي يؤمه شيخ الجماعة وزعيمه، محمود أغندي. يُعرّف المنتمين إلى الجماعة بإرتداء العمائم والجبب والسراويل، والعباءات للنساء. تولي الجماعة اهتماماً واسعاً لنشر فكر الالتزام الديني بين أطياف المجتمع التركي. تتبنى التوجه النقشبندي الصوفي المعتدل، والمذهب الحنفي في الفقه.
تنبذ الجماعة العنف في مناهجها، وتحض أعضائها على الاجتهاد في تحصيل أعلى مستوى علمي.
ـ جماعة إسكندر باشا:
جماعة صوفية نقشبندية. تأسست في تشرين الثاني/نوفمبر 1958، على يد الشيخ محمد زاهد كوتكو. تستمد اسمها من جامع إسكندر باشا في إسطنبول، ويتزعمها اليوم محرم نور الدين جوشان منذ عام 1980، حيث وفاة مؤسسها.
أسس كوتكو الجماعة بهدف مواجهة النفوذ العلماني المهيمن في تركيا، وقد نجحت الجماعة، حسب ما يورده مركز الشرق للسياسات، في تخريج ثلة من المسؤوللين الأتراك الذين لعبوا دوراً هاماً في تخفيف حدة النفوذ العلماني، وإنالة المحافظين مساحة من الحرية؛ كرئيس وزراء تركيا الأسبق نجم الدين أربكان، وتورغو أوزال، ورجائي كوتان، وتامال كرامان أوغلو وغيرهم.
ـ جماعة أرانكوي:
جماعة نقشبندية صوفية تتألف بشكلٍ عام من التجار ورجال الأعمال المحافظين. لا تنشط في إطار حزب سياسي معين. يرأسها حالياً عثمان نوري توب باش.
ـ السليمانيون:
ينسب أعضاء الجماعة أنفسهم إلى شيخم النقشبندي سليمان حلمي أفند الذي عكف على تعليم القرآن في أكثرؤ الأوقات تضييقاً على الحركات الدينية في تركيا. يُقدر عدد المنتسبين إليها بـ 2 مليون عضو. تفعل منذ تسلم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا بشكلٍ نشط، حتى باتت تُمثل وجهة الكثير من الطلاب الذين يبحثون عن سكن بأسعارٍ زهيدة.
ـ جماعة المنزل:
جماعة نقشبندية تُصنف على أنها الجماعة الأكثر عدداً في تركيا. تأسست على يد محمد راشد أروال. ويتولى قيادتها اليوم سيد عبد الباقي أروال. انطلقت ولا زالت تتمركز في مدينة أدي يمان جنوب شرقي تركيا. سياسياً، تتسم باللون القومي، وقد خرجت عدداً من القادة السياسيين القوميين، كتركيش أرسلان ـ زعيم حزب الحركة القومية؛ حزب المعارضة الثاني في تركيا ـ ومحسن يازيجي أوغلو ـ زعيم حزب الاتحاد الكبير. وإلى اليوم، يصوت مريدوها لحزب الحركة القومية.
ـ جماعة النور:
حركة دينية تسير على مبادئ الشيخ سعيد نورسي. تتخذ من قراءة مبادئ نورسي وشرحها للعام مهمةً أساسية لها. يُطلق منتسبوها على أنفسم اسم “أبناء الخدمة”. يعود تاريخ تأسيس الجماعة إلى 23 آذار/مارس 1960، وهو اليوم الذي توفى فيه سعيد نورسي، وأعلن طلابه حينها حمل اللواء من بعده. لا تُفضل الجماعة الغوص في العملية السياسية، وتجعل أعضائها أحرار في اختيار الحزب الذي يريدون أثناء العملية الانتخابية.
ـ القادريون:
تأسست من قبل الشيخ عبد القادر الجيلاني. تعتبر جماعة نشطة في العمل السياسي. يرأسها حيدر باشا منذ عام 1979.
هذا ويبدو تأثير الطرق الدينية الصوفية في تركيا واضحاً على الأحزاب المحافظة سواء الوسطية أو اليمينية، فيزيارة الزعماء السياسيين لشيوخ الجماعات، وخطب ودهم قبل كل انتخابات يكشف حجم ذلك التأثير.
لا ريب في أن التيار الديني بكافة ألوانه تعرض لحملات مختلفة من التضييق من قبل الحكومات التركية المتتالية، والذي وصل لدرجة إرغام الجيش التركي نجم الدين أربكان ـ أحد قادة الأحزاب الإسلامية ـ على الاستقالة من رئاسة الحكومة عام 1997. وقد توالت السنوات العجاف على الجماعات الدينية، حتى تقلد حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم، حيث باتت الجماعات الدينية في بحبوحة من أمرها.