بذلت الدبلوماسية التركية في عام 2022، جهود جبارة متبعةً استراتيجيات طغى عليها طابع الحكمة، في مختلف القضايا والنزاعات، سواء في سوريا أو أوكرانيا، وكذلك علاقة أنقرة مع دول الشرق الأوسط.
أبرز الخطوب التي وقعت في عام 2022 بلا أدنى شك، هو الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي أشعل حرباً لا يُرى لها نهاية، أدت الى تعقيدات في العلاقات الدولية وتصاعد التوترات بين موسكو والغرب.
وسارعت تركيا منذ بداية الحرب، الى اجراء اتصالات دبلوماسية مشتركة مع روسيا حول النزاع في أوكرانيا، بهدف إيجاد أرضية مشتركة بين كييف وموسكو.
وأثمرت الدبلوماسية التركية عن نتائج في بالغ الأهمية، كصفقة الحبوب التاريخية وتبادل أسرى الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
كما اطلقت أنقرة مبادرات دبلوماسية لتطبيع علاقتها مع مصر وإسرائيل، بعد تدهور العلاقة معهما في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
الدبلوماسية التركية الحكيمة ونتائجها الإيجابية على العالم
يقول غريغوري سيمونز، الأستاذ المشارك في معهد الدراسات الروسية والأوروبية الآسيوية في جامعة أوبسالا لـ TRT World: “عام 2022 كان “لحظة حاسمة” لتركيا، التي “تمكنت من التفاوض بشأن إنجازات لا يمكن لأي بلد آخر إتمامها”.
وأوضح: “مثال أوكرانيا باعتبارها مساحة جيوسياسية قلقة بين الولايات المتحدة وروسيا قد شهد أداء تركيا دور الوسيط النزيه في الصراع”،
لافتا الى أن ذلك الأمر أعاد تأكيد حكمة الدبلوماسية التركية في إنشاء وتطوير دور مستقلّ للتوازن، والوسيط في العصر الحالي الذي يتصف بنزعة عالية من المخاطر وعدم اليقين.
وأحرزت الدبلوماسية التركية إصرارها على اتباع مسارات سياسية واقتصادية، تَقدُّم مثل اتفاقية شحن الحبوب في صراع جيو-اقتصادي وجيو-سياسي مدفوعاً بنزعات عاطفية حاسمة، مما يُظهِر موقف أنقرة المتنامي كفاعل رئيسي.
من جهته أفاد يقول مسعود حقي كاسين، أستاذ القانون الدولي في جامعة يديتيب، بأن تركيا برزت باعتبارها أهمّ جهة تسعى لتوطيد السلام في العالم في 2022، إذ تركت بصماتها على مدار العام، مشيراً إلى الجهود التركية لمعالجة الصراع في أوكرانيا.
وأضاف كاسين: “بينما نجحت تركيا في إثبات سياستها الحيادية في حرب أوكرانيا، تماماً كما فعلت في الحرب العالمية الثانية، فقد لعبت دور الوسيط في الصراع كما هو منصوص عليه في المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة”.
مشيراً الى أن أنقرة بقيت خلال الحرب العالمية على الحياد بين قوات الحلفاء ودول المحور التي تقودها ألمانيا النازية، وتجنبت بالتالي وقوع أي أضرار، بحسب TRT World.
الدبلوماسية التركية وتعاملها مع القضية الاوكرانية
رفضت تركيا أن تكون جزءاً من العقوبات الغربية على روسيا، بالرغم من الضغوطات الكبيرة من الولايات المتحدة وأوروبا.
وفضلت أنقرة التحاور مع موسكو بدلاً من عزلها دولياً، وبذات الوقت، حثها على الانسحاب من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها، مدافعة بقوة عن وحدة الأراضي الأوكرانية.
وصف سيمونز تركيا بانها عملت كجسر بين الغرب وباقي العالم وأردف: “أظهرت حرب أوكرانيا أن تركيا في القرن الحادي والعشرين تتبع مساراً خارجياً وأمنياً مختلفاً اختلافاً جوهرياً عن المسار الذي لعبته خلال الحرب الباردة”.
على عكس الماضي، عندما اتبعت أنقرة سياسة خارجية سلبية، أظهر الرئيس رجب طيب أردوغان تركيا بكل إمكانياتها السياسية والعسكرية للبلاد في الساحة الدولية من أوكرانيا إلى آسيا الوسطى.
ويقول كاسين: “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الزعيم الوحيد القادر على التحدث مع كل من فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي، والعمل على تطوير نوع من التقارب بين الجانبين”.
كما اتخذت الدبلوماسية التركية حاسمة بإغلاقها مضائقها أمام جميع السفن الحربية الروسية وحلف شمال الأطلسي وفق اتفاقية مونترو، التي تنظم وضع القنوات التركية المائية.
وأوضح كاسين: “من خلال هذا الإجراء الحاسم، حالت تركيا دون انتشار حرب أوكرانيا إلى مناطق أخرى خاصة في البحر الأسود”.
وأدّى هذا الإجراء بحسم إلى وضع حدود في الصراع بين روسيا والغرب، مما حدّ من التوترات بين الجانبين، وفقاً للأستاذ التركي.
بدوره قال يسار ساري، الخبير في مركز حيدر علييف الأوراسي للأبحاث بجامعة ابن خلدون: “الجهود الدبلوماسية التركية أبقت الصراع في أوكرانيا محدوداً، مما منع الحرب من التحول إلى صراع إقليمي”.
وقبل الصراع في أوكرانيا، كانت تركيا قد أظهرت حنكتها السياسة بالوساطة في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان بشأن الصراع في إقليم قرباغ، وحثت كلّاً من يريفان وباكو على إيجاد أرضية مشتركة لمعالجة خلافاتهما.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي لعب أردوغان دوراً حاسماً لتحقيق محادثات سلام حاسمة بين القادة الأذربيجانيين والأرمن في براغ على هامش اجتماع للاتحاد الأوروبي.
التطبيع مع دول الشرق الأوسط
قررت تركيا خلال عام 2022، تهدئة التوترات مع جميع دول الشرق الأوسط، وإعادة العلاقات الى طبيعتها مع مصر وإسرائيل، وكذلك تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
تدهورت العلاقات التركية الإسرائيلية عام 2010، بسبب الغارة الإسرائيلية على سفينة “مرمرة”، وهي سفينة مساعدات تركية متوجهة إلى غزة، التي تواجه منذ فترة طويلة حصاراً من تل أبيب.
وفي مصر تحديدا عام 2013، انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة، بعد الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي، على أول حكومة منتخبة ديمقراطياً في البلاد.
تقول جاليا ليندنشتراوس، باحثة أولى في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، وهو مؤسسة فكرية إسرائيلية: ” كانت المبادرات الدبلوماسية التركية ناجحة للغاية في فتح صفحة جديدة مع جميع القوى الإقليمية في المنطقة”.
وأضافت: “هذا جزء من اتجاه أوسع في المنطقة لمحاولة إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة بين اللاعبين الرئيسيين”.
وأوضحت ليندنشتراوس: “تطبيع أنقرة مع إسرائيل يشير إلى عمق الجهود الدبلوماسية التركية المستمرة في الشرق الأوسط”.
“كانت عملية التطبيع مع إسرائيل جديرة بالملاحظة، لأنه على عكس جهود التطبيع لعام 2016، كان هذه المرة عديد من الزيارات رفيعة المستوى، مما يشير إلى وجود أرضية أكثر صلابة للتطبيع الحالي”، حسبما قالت ليندنشتراوس لـTRT World.
وأضافت: “كانت عملية التطبيع مع إسرائيل جديرة بالملاحظة، لأنه على عكس جهود التطبيع لعام 2016، كان هذه المرة عديد من الزيارات رفيعة المستوى”.
مشيرةً الى وجود أرضية أكثر صلابة للتطبيع الحالي، حسبما قالت لـTRT World.
والتقى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الرئيس أردوغان في زيارة رفيعة المستوى لتركيا في مارس/آذار العام الماضي.
كما عُقد في سبتمبر/أيول، اجتماع آخر رفيع المستوى بين رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد وأردوغان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأشار أردوغان إلى رغبته في زيارة إسرائيل بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.
وعملت الدبلوماسية التركية على عقد اجتماعات رفيعة المستوى، بهدف توطيد العلاقات بين أنقرة والقاهرة، ودلاً أخرى أيضاً.
في كانون الأول/نوفمبر الماضي، التقى أردوغان مع السيسي في قطر وقال له: “لا ينبغي أن يكون في السياسة استياء”، مشيراً إلى التوترات السابقة بين الدولتين في أعقاب ثورات الربيع العربي.
إنه نهج يمكن أن يذهب أبعد من ذلك في الشرق الأوسط الذي يعاني عدم الاستقرار. وقال الرئيس التركي: “في الفترة المقبلة، مثلما دخلت (تركيا) مسار (التطبيع) مع مصر، يمكنها أيضاً الدخول في مسار (تطبيع) آخر مع سوريا”. وكانت العلاقات بين أنقرة ودمشق انقطعت في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية السورية، مما أدَّى إلى تدفق ملايين اللاجئين إلى تركيا.
وذكر أردوغان أن هذا النهج يمكن أن يذهب الى أبعد من ذلك في الشرق الأوسط الذي يعاني من عدم الاستقرار وأضاف: ” في الفترة المقبلة، مثلما دخلت (تركيا) مسار (التطبيع) مع مصر، يمكنها أيضاً الدخول في مسار (تطبيع) آخر مع سوريا”.
يُذكر أن العلاقات بين أنقرة ودمشق انقطعت في أعقاب انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد، أعقبها اندلاع حرب أهلية، مما أدَّى إلى تدفق ملايين اللاجئين إلى تركيا.
وخلال عام 2022 التقى أردوغان أيضاً رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أبو ظبي ومحمد بن سلمان في أنقرة، مما أظهر التزامه تعزيز العلاقات المتوترة سابقاً مع البلدين الخليجيين. التركية
اقرأ أيضا: تشاووش أوغلو: يكشف عن دور الدبلوماسية التركية في حل النزاعات العالمية