مقال رأي بقلم الكاتب حيدرة حمزة الصحافة الطبية بين النظرية و التطبيق
تُعَرٍفُ «شبكة الصحافيين الدوليين» الصحافة الطبية بأنها ” مجموع الأنشطة الإعلامية التي تتنوع بين متابعة، وجمع وتحليل، ثم تدقيق ونشر، والهادفة لرفع الوعي والتثقيف الصحي عند مختلف القطاعات المجتمعية، وإعلام الجمهور، سواء المتخصص أو العام، بما هو جديد من اختراعات وعلاجات ومخاطر”
وقد برزت قيمة الصحافة الطبية بشكل واسع، بعد مرحلة العولمة والثورة المعلوماتية والإخبارية، وتجلى ذلك في أزمة فيروس كورونا ، حيث أصبح الفرق بين منطقة وأخرى ليس فقط في قدرتها الطبية على التحرك اللوجستي، بل في قدرة صحافتها الطبية على تسليح مواطنيها بإجابات عن مئات الأسئلة عن الفيروس.
الصحافة الطبية بين النظرية و التطبيق
كما تناقش الصحافة الصحية ظروف الرعاية الأولية والصحة العامة على مختلف المستويات، وتسلط الضوء على حال القوانين واللوائح المنظمة للقطاع الصحي العام والخاص، مع مراقبة أدائه بالطبع. وكذلك تمارس الصحافة كسلطة رابعة دور الرقيب على الجهات المختصة حول مدى الاهتمام بالجانب البحثي والتطويري ومجالات الاستثمار الصحي بما يتوافق مع تطلعات واحتياجات أفراد المجتمع المحلي.

وتعطي الصحافة الصحية مساحة واسعة لاستعراض قصص نجاح وتجارب المرضى وحكاياتهم في التعايش مع الأمراض المختلفة وكيفية الانتصار عليها، وتقدم تلك الأخبار غالبًا في قالب قصصي إنساني ينال رواجًا لدى الجمهور.
ضـــوء فــي آخر الـــنفــق
في الوقت الذي تحظى فيه أنواع محددة من التغطية الصحفية باهتمام واسع وبعدد كبير من المتمرسين بها، كالصحافة السياسية أو الرياضية أو الفنية، تبقى الصحافة الصحية شبه معدودة في المنطقة العربية، رغم أهميتها وارتباطها باهتمامات الناس كافة، على عكس التخصصات الأخرى التي تجذب جمهورًا محدَّدًا غالبًا.
فالمتابع لوسائل الإعلام العربية يدرك أن القضايا الصحية تأتي غالباً في أدنى اهتمامات هذه الوسائل، إلا أن جائحة “كوفيد -19” التي شغلت العالم بأسره، استطاعت خلق حاجة جديدة وما على وسائل الإعلام سوى تلبيتها. فتبقى الأزمة في «الصحافة الطبية» واقعها العربي، إذ لاتزال، حتى اللحظة، لا تعدو «مجموعة ترجمات»، وهذا رافد مهم لكنه لا يكفي.
إزاء هذا الواقع بات لزاماً على وسائل الإعلام العربية إعادة الاعتبار إلى الصحافة الصحية وتجنيد صحافيين متخصصين، على غرار الدول المتقدمة. ، والمؤسسات الإعلامية في حاجة لإيلاء الاهتمام بهذا التخصص من خلال إقامة دورات تدريبية بصورة مستمرة، لتطوير قدراتهم وتأهيلهم، بغية متابعة القضايا الصحية وتحليلها والتدقيق بالمعلومات والبيانات الصحية، والتي من شأنها رفع مستوى الوعي الصحي في المجتمع. كما يجب أن تتوافر للصحافيين الصحيين الأدوات التي تمكنهم من إعداد التقارير المهنية بعيداً عن الانفعالات والاجتهادات، فالإعلامي المتخصص يشكل مرجعية إعلامية ذات مصداقية ورصيد علمي في مجاله، إضافة إلى أنه يعرف ماذا يقول وكيف يقول ومتى يقول ومتى لا يقول. وهذه مسؤولية قصوى في التعامل مع المعلومة المركّزة في الزمن الصعب، لا مجال للسبق الصحافي في هذا الإطار.
وبالرغم مما سبق، إلا أن الصحافة الطبية في العالم العربي تواجه تحديات كبيرة. فهي تكاد تكون معدومة بالرغم من تزايد بعض الأمراض بشكل ملفت كالسكري والربو والاضطرابات النفسية، و اضطرار الدول العربية تكبد المليارات لمعالجة مرضاها في الخارج.
وأول تحدي هو افتقار الصحافة الصحية إلى الوعي بأهميتها. ففي الوقت الذي نجد فيه الصحف تخصص ملاحق يومية خاصة للاقتصاد والرياضة، لا نجدها تُولي الاهتمام الكافي بالقضايا الطبية والصحية ولا تخصص لها سوى مساحة خجولة يمر عليها القارئ وكأنها صفحة منوعات وأخبار ترفيهية غير أساسية.
كذلك فالصحافة الطبية تواجه تحدياً إضافياً يتمثل في شح الخبرات المؤهلة المدربة لملء هذا الفراغ. فخريجو كليات الإعلام والطب غير مؤهلين لتقديم القضايا الطبية في الإعلام دون الالتحاق بدورات تعطي كلاً منهما فكرة عن الآخر، في غياب تخصص الصحافة الطبية أو الصحافة الصحية لدى مؤسساتنا التعليمية. بالإضافة إلى أن أولئك الخريجين يحتاجون إلى موارد وفرص لصقل مهاراتهم في ذلك المجال، ليستطيعوا بالتالي خدمة مجتمعهم ودولتهم.
و من خلال ملاحظاتنا على أرض الواقع هناك صحافيين طبيين يحركهم الطموح الكبير والرغبة في العطاء في هذا المجال والذي يدفعهم لمحاولات تقديم منتج إعلامي يفيد المتلقي بالرغم من قلة موارد الدعم التمويلية التي لا تسعفهم لترجمة طموحاتهم ورغبتهم في إنقاذ الوضع العام للطب والوعي الصحي من حالة التقهقر الذي تمر فيه.
قيل قديماً إن درهم وقاية خير من قنطار علاج. ومن هذا المنطلق نرى بأن الإعلام الطبي المتخصص هو الوسيلة الأكثر فاعلية في نشر الوعي والتثقيف الصحي بين أفراد المجتمع والذي من شأنه أن يمتع جمهوره ـ إن قدم منتجه وفق أصول الصحافة والطب ـ بنوع من الرفاهية الصحية، وأن يخفف الكثير من العبء الواقع على ميزانية الدولة جراء تكبد أسعار نفقات علاج المرضى سواء داخل الدولة أو خارجها، و بهذا يمكننا القول بان الصحافة الطبية قد انتقلت من النظرية الى التطبيق.
اقرا ايضاً: جولة في الصحافة التركية اليوم الخميس 15-07-2021