انتشر الأتراك في منطقة جغرافية واسعة جدا عبر التاريخ وتأثروا نتيجة ذلك مع ثقافات موسيقية مختلفة، أثرت على الموسيقى التركية
يمكن للمرء أن يلاحظ بوضوح آثار التراث الثقافي الغني في مصطلحات موسيقى الفن التركي التقليدي، وذلك من خلال تنوع المؤدِّين العرقي الذي شخَّص هذه الموسيقى.
لقد حظي النظام العثماني بأهمية كبرى في بناء الموسيقى التركية التي امتدت منذ القدم حتى الآن.
عندما وصل العديد من الموسيقيين من جميع أنحاء الأرض خلال فترة الحكم العثماني، اجتمعوا في عدة مراكز مثل إسطنبول وأدرنة وبورصة.
نتيجة للاهتمام المتزايد، بدأ إصدار الكتب والأعمال الفنية الموسيقية في الظهور بكثرة.
لمحة تاريخية عن الموسيقى التركية
بدأ القرن الثالث عشر بتنظيم الموسيقى، عندما استحوذ الأتراك على مقاماتهم من آسيا والأناضول وطوروها ببراعة.
في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، شهدت الموسيقى العثمانية بحوثًا واهتمامًا متزايدًا، وبدأ التنظيم في هذا المجال يظهر. وكان ذلك لاحقًا سببًا في تعليم الموسيقى، خصوصًا في المعهد الموسيقي الواقع داخل القصر.
تعتمد الموسيقى العثمانية الكلاسيكية بصورة أساسية على عدد من الآلات الموسيقية، وهي: الطنبور، والناي، والعود، والقانون، والكمان، والكمنجة. تعبر هذه الموسيقى عن جميع جوانب الحياة الطبيعية والاجتماعية.
في القرن العشرين، انتشرت الموسيقى التركية عبر حوض البحر المتوسط بأشكال مميزة وتختلف حسب المناطق القروية والحضرية.
في الربع الأول من القرن العشرين تأثرت الموسيقى التركية بالتغيرات السياسية واتخذت منحى جديدا.
ساد التأثير الغربي في تلك الفترة، وتحديدا الموسيقى الغربية، وأثرت فرق الأوركسترا والكورال والأوبرا والباليه على المشهد الموسيقي تحت شعار التحديث.
أدى خلط الأغاني والألحان التركية مع ألحان غربية حديثة، جنباً إلى جنب مع التنوع العرقي التركي، إلى ظهور مشهد موسيقي حيوي.
حتى يومنا هذا، لا تزال الموسيقى الشعبية من أهم فروع الموسيقى التركية، بالإضافة إلى تدريس الموسيقى التركية الحديثة في المدارس والمعاهد الموسيقية.
تسعى تركيا للاحتفاظ بمكانتها في التراث الموسيقي العالمي، وذلك بشأن ما قامت به في ولاية شانلي أورفا الموجودة في جنوب تركيا.
تم تسجيل اسم الولاية في قائمة التراث العالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) بعد حصولها على موافقة نظرًا لإرثها العريق في فن الغناء.
الموسيقى في حياة الأتراك
لا شك أن الأتراك مبدعون في فن الموسيقى ومغرمون به حتى تحلق إبداعاتهم عالية في سماء الفن ولا يزال اهتمامهم بالموسيقى بارزاً حتى هذا اليوم.
يتجلى ذلك بوضوح في شوارع وأزقة تركيا، حيث يمكن للزائر رؤية الشباب من الذكور والإناث يحملون آلاتهم الموسيقية على أظهرتهم.
لاحظ أيضاً على طرفي الطريق وداخل أنفاق القطار ووسائل النقل العام فرق وموسيقيون يعزفون مجموعة من الموسيقى التركية والعالمية.
لا يمكن للزائر أن يتجاهل سماع الموسيقى التركية والغربية بأطيافها وأشكالها كل يوم، هذا ما يشكل صلة شعبية بين الأتراك والموسيقى على نظر البعض تطورت علاقة الموسيقى التركية مع الموسيقى العربية في السنوات الأخيرة.
التقارب بين الموسيقى التركية والعربية
يشعر الكثيرون الذين يسمعون الأغاني التركية بتشابه لحن أو مقطوعة موسيقية مع أغنية عربية، كما يحدث الأمر نفسه للأتراك الذين يستمعون إلى الأغاني العربية.
يشير المتخصص التركي في الموسيقى العربية وتاريخها، مراد أوزيلدريم، في بداية كتابه “وحدة الموسيقى العربية والتركية في القرن العشرين” الذي صدر عام 2013، إلى أن التفاعل الثقافي بين العرب والأتراك يأتي كنتيجة طبيعية للتاريخ المشترك بينهما والجغرافية.
نؤكد على قدم هذه العلاقات، حيث يعود تاريخها إلى فترة قبل الدولة العثمانية بكثير، ونعتبر التأثر الموسيقي ما بينهما يعود إلى فترة بعيدة من الماضي.
يعزى التشابه بين الموسيقى العربية والعثمانية إلى استخدامهما نفس المقامات، كما يعود ذلك أيضًا إلى انتشار التكايا الصوفية في الأراضي العثمانية، حيث قامت بدور هام في توحيد الموسيقى.
وأفاد أوزيلدريم، بأن العلاقات الموسيقية بين العرب والأتراك تجذب انتباه الأشخاص حتى هذا الوقت، حيث بلغت ذروتها خلال القرن التاسع عشر عبر تنظيم الحفلات المشتركة في مصر وسوريا والعراق. كان يدعى الفنانون الترك إلى هذه البلاد لإحياء حفلات مشتركة رغم استقطاب جمهور كبير في تركيا.
من بين أسماء الفنانين الأتراك المعروفين الذين قاموا بإقامة حفلات في أكثر من بلد عربي: جميل بك الطنبوري، حافظ سامي، منير نورالدين سلجوق و موزين سانار.
يرى أوزيلدريم أنّ التأثير الموسيقي بين الأتراك والعرب كان متبادلاً طوال الوقت؛ ويتطرّق أيضاً إلى فكرة استلهام بعض الموسيقيّين الأتراك لألحان أو جمل موسيقية لأغانٍ عربية وكتابة كلمات بالتركية لها.
يشرح أوزيلدريم هذا بأن حاجز اللغة جعل محبي الأغاني العربية غير قادرين على حفظها وتكرارها.
تم تأليف أغنية بعنوان “عندما يأتي المساء” من قبل الفنان محمد عبد الوهاب، وكانت الكلمات من تأليف محمود أبو الوفا. وقد قام وجدي بنجول باستخدام كلمات تركية في إعادة صياغة الأغنية، التي أُعيد توزيعها من خلال الموسيقار نورالدين سلجوق في أغنية بعنوان Otomobil Uçar Gider.
وقع الأمر ذاته أيضاً مع أغنية أهواك التي غناها عبدالحليم حافظ بألحان محمد عبدالوهاب، حيث تم إعادة توزيعها بكلمات تركية وغناها العديد من فناني الطرب التركي، كان من بينهم الفنان الشهير زكى موران في أغنيته المشهورة “Gitme Sana Muhtacım”.
مقالات قد تعجبك:






































