الْرَّقمنة في الجزائر… بين الواقع و تحديات العولمة
مقال رأي بقلم: حيدرة حمزة
الْرَّقمنة في الجزائر… بين الواقع و تحديات العولمة
لا يخفى على أحد أن تكنولوجيات الإعلام و الاتصال أضحت اليوم إحدى الْقِوَى الْمُحَرِكَةِ الْتِي يُعَوَّلُ عليها كثيرا لإنجاح برامج التنمية الاجتماعية و الاقتصادية ، إقليمية كانت أم وطنية ، و في كافة قطاعات النشاط ، و من هنا تبرز أهمية توجه الجزائر نحو مشروع التحول الرقمي مع ضرورة الإسراع فيه و تَعْمِيمِهِ حيث أصبح مَطْلَبًا ضروريا أَلْقَى بتداعياته على مختلف الْنُظُمِ الإدارية و بالرغم من الصعوبات التي واجهت الجزائر في مشروع تحولها و احتلالها لمراتب غير مقبولة ضمن أغلب المؤشرات العالمية إلا أنها سَعَتْ جَاهِدَةً لتقليص فجوتها الرقمية من خلال الإمكانات المادية و الكفاءات البشرية التي سخرتها في سبيل رقمنة الاقتصاد و الإدارات العمومية.
إذ أنّ التقدم التكنولوجي والتطبيق الملحوظ للتكنولوجيا في عمل الْمُنَظَمَاتِ وَالْشَرِكَاتِ والمؤسسات بلا شك يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وَتَحْسِينُ جَوْدَتِهَا مما يُنْتِجُ زيادة المبيعات وزيادة الأرباح ، وكل ذلك يؤدي بدوره إلى توافر المزيد من الأموال والتي تُمَكِّنُ الْمُنَظَمَةَ أو الشركة فيما بعد من إعادة استثمار جزء كبير منها في زيادة الرواتب والأجور والحوافز والمزايا العينية للموارد البشرية أو التوسع في مجال الأعمال بمناطق مختلفة.
حتمية الانتقال الرقمي
تسعى السلطات الجزائرية منذ بداية سنة 2023 إلى التحول الرقمي والاهتمام بمجال التكنولوجيات، وَيُولِي رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون اهتمامًا بالغًا في خطاباته بِرَقْمَنِةِ كافة القطاعات الاقتصادية و الخدماتية، نظرًا إلى كَوْنَ الْتَحَوُلُ الرقمي من بين وسائل التنمية الاقتصادية وعاملًا من عوامل مكافحة الفساد، وشرطًا أساسيًا في إضفاء طابع الشفافية على التسيير والإدارة، بالإضافة إلى القدرة على الضبط الدقيق للموارد الطبيعية والتحكّم الأمثل في حاجيات المواطن من سلع وخدمات.
ضمن هذا السياق، أكد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في حديث لوسائل إعلامية إن ” الرقمنة باتت ضرورة ملحة من أجل تحقيق قفزة في مجال التنمية وبناء إستراتيجية تستجيب للمعطيات والحسابات الدقيقة وليس بيانات تقديرية وتخمينية”، وفي نفس السياق أَكَّدَ الرئيس عبد المجيد تبون أن التحول الرقمي سَيُفْرَضُ بالقوة، وهي العبارة التي توحي إلى وجود مقاومة من أجل الإبقاء الوضع الذي عليه والذي يتسم بالضبابية وعدم الشفافية.
تحديات تُوَاجِهُ الْرَقمَنَة
التحول الرقمي في الجزائر لم يُعَد خيارًا، وإنما حَتْمِيَةٌ تُمليها التحديات الآنية والمستقبلية، إضافة إلى أنه مسار استراتيجي ومصيري للدولة، له علاقة بكل القطاعات الإستراتيجية واستشراف المستقبليات، على حد قوله.
وأمام هذا الْرِّهَان الاستراتيجي، علينا التساؤل عن الإمكانيات المادية والبشرية الْمُؤَهَّلَة التي وُضِعَتْ من أجل تحقيق الانتقال الرقمي؟ وإن كنا نمتلك رؤية وَاضِحَةُ الْمَعَالِمِ في مجال التحوّل الرقمي إلى غاية سنة 2030، وهل ما يجري من مشاريع هو استجابة فقط لتحديات آنية أم مقاربة بعيدة الْمَرْمَى والأهداف.
بالرغم من أنه بعد ثلاث سنوات من إنشاء وزارة الْرَّقْمَنة غير أن النتائج تبقى دون مستوى التطلعات، فالوزارة تتحدث عن وجود 400 منصة، غير أن المواطن ليس على علم بالتحولات الرقمية، ويعود السبب إلى قلة التواصل والتعبئة حول التحولات الرقمية.
لذلك وجب التشديد على ضرورة تحسيس المواطن وتحفيزه من أجل استخدام المنصّات الرقمية كمنصتي الدفع الإلكتروني واستخراج وثائق الحالة المدنية ، فما يتم إنجازه لا يتم استغلاله وتثمينه بالشكل المناسب
طاقات شبابية
من جهته، يعكف مندوب التسويق الرقمي المهندس بلال (35 سنة) على تقديم مشاريع وحلول في مجال الحوكمة الإلكترونية، ويعمل المهندس بلال رفقة طاقم من خريجي الجامعات الجزائرية، على تسويق عديد من المنصات الرقمية في مجال التسيير والربط البيني والتجارة الالكترونية وغيرها من الخدمات.
إلى هنا يمكننا القول بأنَّ هناك تحولًا فعليًا في مجال خدمات الرقمنة، خصوصًا لدى الشركات الناشئة المتوسطة والصغيرة الحجم، فَثَمَةَ ثِقَةٌ رَقْمِيَةٌ بدأت تتسع في الآونة الأخيرة، بعدما كنا نسجل بعض التردد والتحفظ من طرف المواطنين والموظفين”.
فلا بد إذن من تعميم الْرَّقْمَنَةِ على مجالات أوسع كالتعليم المدرسي والجامعي والقطاع المهني والصحة وخصوصًا قطاع الخدمات العمومية والمصرفية، نظرًا إلى ارتباطها بحياة المواطن اليومية، فالاقتصاد الرقمي اليوم بات ضرورة عصرية ولابد من تطوير مشاريع رقمية ومركز بيانات وطنية، علاوة على ربط بيني يسمح بتداول المعطيات والبيانات بين مختلف الهيئات والإدارات والمؤسسات الاقتصادية والمصرفية. فالجميع يتفق اليوم على ضرورة الإسراع وتدارك التأخر في مجال التحول الرقمي، من أجل ومحاربة الفساد وإرساء الشفافية، وتوفير مناصب عمل وجذب الاستثمار، من أجل تقديم خدمات فعّالة وسريعة توفر الكثير من الجهد والوقت والصحة.
الرقمنة طريق لتحسين مناخ الاستثمار
على اعتبار أن الجزائر تسعى ضِمْنَ رُؤْيَتِهَا الاقتصادية للعودة إلى مسار التصنيع وفق معايير دولية،و هذا التوجه الجديد سيسمح بوضع حَدًا للاحتكار ويساعد على تقليل التكاليف وخفض الأسعار وتحسين النوعية وتنافسية المنتوج، فالجزائر سجلت تأخرًا لمدة عشرين سنة في مجال رقمنة الإدارة، فالجزائر مطالبة باستغلال كافة مواردها، التي تتيحها الاتفاقيات الدولية.
632 منصة لرقمنة الإدارات
يُعَدُ “التحول الرقمي”، الالتزام رقم 25 لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في برنامجه الرئاسي المتضمن 54 نقطة والذي طَرَحَهُ على مرأى ومسمع الجزائريين عند ترشحه لانتخابات 12 ديسمبر 2019، هذا التعهد الذي تحول منذ ذلك الوقت إلى “كلمة السر” في اجتماعات مجالس الوزراء والحكومة، حيث لا يُفَوِّتُ الْرَئِيسُ لِقَاءَهُ بالطاقم التنفيذي، دون مُسَاءَلَتِهِمْ عن مدى تقدم مشاريع الْرَّقْمَنَة، كُلٌ على مستوى قطاعه.
رئيس الجمهورية، سبق و أن أَكَّدَ غَدَاةَ جُلُوسِهِ بكرسي قصر المرادية، في أكثر من مرة سَعْيَهُ إلى بلوغ مَصَافِّ “الجزائر الرقمية” وليس فقط “الجزائر إلكترونية”، وتبسيط حياة المواطن وإنهاء زمن البيروقراطية، بمنصات تقضي حاجة طارقها من وراء الشاشة، وحتى دون عناء التنقل إلى الإدارات والشبابيك، فاستحدث وزارة خاصة بالرقمنة والإحصائيات، تتكفل بمتابعة هذه المهام على مستوى قصر الدكتور سعدان وبالتنسيق مع مصالح الوزارة الأولى.
وَلَمْ يَحْدُ مُخَطَطُ عَمَلِ الْحُكُومَةِ المصادق عليه شهر سبتمبر 2021 بالبرلمان عن هذا الطرح، حيث أولى الجهاز التنفيذي أهمية بالغة للتعجيل باستكمال مسار تبسيط الإجراءات الإدارية لاسيما تلك التي لها أثر مباشر على تحسين ظروف معيشة الـمواطنين، من خلال رقمنة الخدمات و التي من شأنها تبسيط حياة المواطنين بِكَبْسَةِ زِرٍ.
وزارات نجحت في الامتحان
و يُمَيِّزُ خُبَرَاءُ الْرَّقْمَنَةِ بين قِطَاعَاتٍ استطاعت أن تُحَقِقَ قَفْزَةً عِمْلَاقَةً في مجال رقمنة الإدارة في الجزائر تحضيرا لِمَا سَيُطْلَقُ عليه مُسْتَقْبَلًا ب”الجزائر الرقمية”، وهو مشروع سيكون قابلا للتنفيذ سنة 2030، إذا سارت المخططات كما ينبغي، حيث ستسير أمور الدولة كلها وقتها بنقرة في الحاسوب، وأزرار في الهواتف النقالة من الأجيال الجديدة.
يمكننا القول أن الجزائر استطاعت أن تقطع عدة أشواط في رقمنة الوزارات والقطاعات الإدارية، وهي نقاط مهمة يمكن أن تكون بمثابة القاعدة التي ننطلق منها مستقبلا، على غرار البطاقة البيومترية التي تحمل كل المعطيات الشخصية للمواطن، والْمُعَدَةِ مِنْ قِبَلِ مصالح وزارة الداخلية والجماعات المحلية، ف20 مليون جزائري اليوم يتوفر على هذه البطاقة.
كذلك من بين إنجازات “الجزائر الرقمية” استحداث السلطة الحكومية لِلتَصْدِيقِ الالكتروني التي تتمثل مَهَمَتُهَا في التصديق على الوثائق الالكترونية، هذه السلطة التي كلفت الدولة أموالا طائلة، يفترض أن تكون ملجأ الوزارات والهيئات الرسمية اليوم للإمضاء والتصديق الإلكترونيين.
ومن ضمن الوزرات التي حققت قفزة هامة في مجال الرقمنة، وزارة العدل، التي تتوفر على منصة للسوابق العدلية لكل الجزائريين، ووزارة الداخلية والجماعات المحلية التي نجحت في الرقمنة عبر مشروع البطاقة وجواز السفر وحتى رخصة السياقة البيومترية، إضافة إلى وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، عبر رقمنة قطاع الضمان الاجتماعي بنسبة 99 بالمائة، ويتعلق الأمر بتصريحات العمال وعطلهم وبطاقة الشفاء وغيرها من الملفات الرقمية المتواجدة في منصة خاصة.
أما القطاعات التي تُجَابِهُ ضَعْفًا في مجال الرقمنة، وزارة المالية، رغم الترويج لرقمنة مديرية الضرائب، وأيضا وزارة السياحة التي لم تشهد أي تطور رقمي مقارنة مع ما تعرفه دول العالم من ترويج إلكتروني للسياحة في بلادها.
عراقيل تعترض طريق الرقمنة
وفي السياق أكد عضو لجنة النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية بالمجلس بداوي تميم في تصريح له لوسائل الإعلام أن الغرفة السفلى، في الدورة البرلمانية الأولى، وخلال مناقشة برنامج عمل الحكومة، فتحت نقاشا كبيرا بخصوص ملف الرقمنة الذي تضمن أهم التوصيات في برنامج عمل الحكومة.
وَأَرْدَفَ قائلا: “موضوع رقمنة القطاعات تناولناه بإسهاب في لجنة النقل والاتصالات السلكية، حيث أكدنا أن سبب التأخر الرقمي للجزائر هو عجز الوزارات عن مواكبة توصيات الرئيس وغياب التنسيق بينها وعدم استحداث شبكة وطنية أو منصة شاملة تجمع كافة الوزارات والهيئات الحكومية الرسمية، رغم التقدم المحقق لدى بعض القطاعات على غرار الجمارك والداخلية والعدالة “.
ويدعو المتحدث إلى تسطير برنامج عمل واضح لتعميم الرقمنة في القريب العاجل، ومتابعة التنفيذ لدى مختلف الوزارات، وضرورة المبادرة بإجراءات صارمة ضد المتهاونين للمضي نحو تحقيق مشروع الرئيس، كما يلح النائب على أهمية توفير الإمكانيات اللوجستكية، والاستعانة بالخبراء والكوادر والإطارات ذات المستوى العالي في هذا المجال، والذين تم استبعادهم من قبل، مشددا على ضرورة الاقتداء بالنماذج الدولية الناجحة التي يمكن تقليدها في الجانب الرقمي، على غرار بعض الدول الأوروبية التي حققت قفزة نوعية في هذا المجال، وعدد من الدول العربية كالأردن وقطر.
حــــلــــــول
لِحَلِ الْمَطَبَّاتِ التي تَعْتَرِضُ طريق تعميم الرقمنة في الجزائر، يقترح صاحب مؤسسة ناشئة في الرقميات محمد تاكسنة، الاستعانة بالشباب الجزائري من أصحاب المؤسسات الناشئة، في عمليات تعميم التكنولوجيا في الوزارات، ويقول المتحدث في إفادة “نحن كستارتاب مختصين في مجال الرقميات، لدينا القدرة للمساهمة في تعميم الرقمنة في مؤسسات الدولة والقطاعات الوزارية، خاصة وأن الشباب أصحاب المؤسسات، يمتلكون مؤهلات كبرى وكفاءة عالية للمساهمة في تحقيق برنامج رئيس الجمهورية” .
واقع الاقتصاد الرقمي في الجزائر
الاقتصاد الرقمي كما حدده ” البنك الدولي ” هو عبارة عن مجموعة من الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية التي تُوَفِرُهَا تكنولوجيات الإعلام و الاتصال و علينا أن نستوعب أن مجتمع المعلومات هو مرحلة من مراحل التنمية الاجتماعية حيث يؤثر استخدام تكنولوجيا الإعلام و الاتصال تأثيرا كبيرا على المجالات الأساسية في حياة الإنسان و مؤسساته الاجتماعية و الاقتصادية ، أي أن قطاعات التعليم ، الصحة ، النقل ، الثقافة ، الخدمات و الإدارة العامة ترتبط بتطور المعلومات ارتباطا وثيقا لبناء اقتصاد رقمي.
خارطة رقمنة الجزائر خلال المرحلة المقبلة
تعتزم الجزائر إلى تعميم و تسريع إجراء التحول الرقمي في اقتصاد البلد و نطاقه الاجتماعي ، و سعيا إلى تحقيق هذا الطموح القيادي و القوي ، أصبح من الضروري وضع مخطط استراتيجي للرقمنة خلال المرحلة المقبلة ذات البعد العالمي و المتماسك، مع تحديد وسائل التنفيذ لتحقيق الفرص و الأهداف المسطرة في المستقبل ، حيث يستند هذا المخطط الاستراتيجي على مجموعة من الأساسية المفاهيم ، من بينها : الدولة، المنصة الجزائرية ، البيانات الضخمة، معالجة كميات هائلة من البيانات، شبكات الاتصال حديثة الأجيال، مجتمع المعرفة، مجتمع المعلومات، السيادة الرقمية الوطنية، أمن نظم المعلومات، الاقتصاد الرقمي ،ذكاء الأعمال .
بناءا على ما سبق طرحه و مناقشته ، يمكننا القول أَنَّ الْرَّقْمَنَةَ في الجزائر أصبحت ضَرُورَةٌ مُلِحَةٌ، و هذا لتحسين أداء الحكومات، المؤسسات، زيادة رفاهية الأشخاص، المجتمعات، ووسيلة لتعزيز التفاعل و الشفافية في العلاقات التي تربط المجتمع و مؤسساته و عليه فان التحول الرقمي ليس مجرد عملية ترتبط فيها الآليات التكنولوجية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية فيما بينها فحسب، بل تنصهر فيها و يتطلب هذا التحول وضع إستراتيجية رقمية للدولة و توفير الظروف الضرورية و الكافية ذات الطابع المؤسساتي و الْبُنَى التحتية و السيادة الرقمية الوطنية و التفاعل الفعال بين المؤسسات و الأوساط العلمية و التعليمية و بين الدولة و المواطنين و إعادة النظر في تنظيم العمل.
و حتى لا نصل إلى هذا التأخر و الذي بات يُعْرَفُ باسم الفجوة الرقمية و تَبِعَاتِهَا السلبية على التنمية لابد من إدخال إصلاحات عميقة و شاملة لمناحي تسيير الشأن العام و لا يكون ناجحا إلا باستهداف و تطوير تكنولوجيات الإعلام و الاتصال في كافة القطاعات.
اقرا ايضاً: سفينة غاز مسال تغادر موانئ الجزائر متجهة إلى تركيا