• 7 ديسمبر 2023
 انتخابات 14 مايو.. دليل جديد على نضج الديمقراطية التركية

انتخابات 14 مايو.. دليل جديد على نضج الديمقراطية التركية

انتخابات 14 مايو.. دليل جديد على نضج الديمقراطية التركية

مقال رأي بقلم البروفيسور الدكتور آتيلا يايلا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إسطنبول ميديبول.

خلال الفترة الماضية، تعرضت الديمقراطية التركية في الداخل والخارج لانتقادات فيما زعمت بعض المجلات والصحف الأجنبية أن النظام الحالي يهيمن على البلاد ويفرض سلطته بأدوات دكتاتورية دون مراعاة واحترام للحقوق والحريات الأساسية والمؤسسات الديمقراطية.

انتخابات 14 مايو.. دليل جديد على نضج الديمقراطية التركية

كما زعمت تلك المجلات والصحف أن (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان يقرر كل شيء في البلاد بمفرده، وأنه غير منفتح على النقد الذي بات أمرًا غير مسموح به في كل من وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية.

 انتخابات 14 مايو.. دليل جديد على نضج الديمقراطية التركية
انتخابات 14 مايو.. دليل جديد على نضج الديمقراطية التركية

ما مدى صحة هذه الادعاءات؟ هل النظام السياسي في تركيا بعيد عن تلبية المتطلبات الأساسية للديمقراطية؟ هل هناك دكتاتورية في تركيا؟ وبالنظر إلى القضية انطلاقًا من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت في 14 مايو/ أيّار 2023 (أمس)، بات من الواضح أن الوضع ليس تمامًا كما تزعم تلك الصحف والمجلات.

مشاركة عالية ومقارنة مع الديمقراطيات الغربية

تميّزت انتخابات الأمس (الرئاسية والبرلمانية)، بنسبة المشاركة الشعبية العالية والتي تجاوزت نسبة 88 بالمئة. هذه النسبة مرتفعة بما يكفي لتعبر عن تجذر الوعي الديمقراطي في هذا البلد، شأنها بذلك شأن الديمقراطيات الموجودة في دول مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

بادئ ذي بدء، لا بد من الإشارة إلى أن تركيا تعتبر من البلدان القادرة على إجراء انتخابات ناجحة ويمكننا في هذا الصدد مقارنتها على سبيل المثال بالديمقراطية الأمريكية.

حيث لا يستطيع الناخبون في الولايات المتحدة انتخاب الرئيس بصورة مباشرة. هذا الوضع يمكن اعتباره طبيعيًا بالنظر إلى نشأة نظام الانتخابات الأمريكي، لكننا نستطيع القول إن هذا النظام لا يزال يحمل بين جنباته مجموعة من المشاكل التي قد تعكر الديمقراطية الأمريكية.

ومن أبرز تلك المشاكل هو أن المرشح الذي قد يفوز بالرئاسة قد يكون في بعض الحالات قد حصل على نسبة أصوات أقل من منافسه وهذا ما حدث في السباق الانتخابي بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية لعام 2016.

فعلى الرغم من حصول كلينتون على 3 ملايين صوت أكثر من ترامب، إلا أنها تمكنت من الفوز بـ 227 مندوبا فقط مقابل 304 مندوبين عن ترامب في الدائرة الانتخابية الثانية وخسرت بذلك الرئاسة.

أما في تركيا، فإن هذا النظام يعمل بشكل أفضل والمرشح الذي يحصل على أغلبية أصوات الناخبين سينتخب رئيسا.

وبالمثل، بينما تجري الانتخابات الأمريكية بإشراف ورقابة إدارة الانتخابات، تجري الانتخابات في تركيا بإشراف ورقابة القضاء الذي يعتبر ضامنًا لموثوقية الانتخابات.

موثوقية الانتخابات

في ظل هذه الظروف، جرت انتخابات 14 مايو/ أيار 2023. وكان القضاء هو الفاعل الرئيسي في مراقبة الانتخابات. تبدأ موثوقية الانتخابات في لجان صناديق الاقتراع التي تتكون كل منها من 7 مراقبين منتدبين عن الأحزاب الخمسة التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات السابقة.

وبالمثل، تضم اللجان المشار إليها أيضًا مراقبين عن الأحزاب السياسية في مجالس انتخابات الدوائر ومجالس انتخابات الولايات.

إضافة إلى ما سبق، يضم المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا، الذي يترأس سلسلة الأجهزة القضائية التي تجري الانتخابات وتتمتع بتفويض المحكمة العليا، ممثلون عن الأحزاب السياسية.

جميع هذه اللجان والأعضاء يتابعون المناقشات وسير العملية الانتخابية خطوة بخطوة دون أن يحق لهم المشاركة في عملية التصويت. هكذا تسير العملية الانتخابية في تركيا وهذا هو النظام الانتخابي المتّبع.

انتخابات حرة وتنافسية

إن مسارات العملية الانتخابية في تركيا أظهرت بشكل واضح أن الانتخابات تجري في أجواء حرّة وتنافسية كشرط للديمقراطية، على الرغم من التعليقات المتناقضة التي يجري ضخها في الداخل والخارج.

وقبل كل شيء، لا بد من الإشارة إلى انتشار ثقافة تأسيس الأحزاب السياسية في تركيا التي يتنافس فيها أكثر من 100 حزب سياسي. وفي الانتخابات الحالية، شارك 24 حزباً في الاقتراع والسباق الانتخابي، فيما ضمت التحالفات في الانتخابات حوالي 35 حزباً.

يمكن اعتبار هذا رقمًا قياسيًا مقارنة بالعديد من الديمقراطيات في الاتحاد الأوروبي. وقد عملت ونشطت هذه الأحزاب السياسية بحرية قبيل الانتخابات ونظمت أنشطتها للدعاية الانتخابية دون عوائق.

بعبارة أخرى، لم يكن هناك أي عائق أمام حرية التعبير خلال العملية الانتخابية. كان لجميع الأحزاب الرئيسية تقريبًا مؤيدوها في وسائل الإعلام وجهاز إعلامي واحد على الأقل، وتمكنت تلك الأحزاب من انتقاد السلطة والمطالبة بأصوات الناخبين.

الديمقراطية التركية

أبدى الشارع التركي اهتماما كبيرا بالانتخابات وتشكلت طوابير طويلة أمام القاعات التي ضمّت صناديق الاقتراع. انتظر بعض الناخبين لساعات دورهم للمشاركة في عملية التصويت. استمرت هذه العملية من الساعة 8 صباحًا حتى الساعة 5 مساءً.

إن اهتمام الشارع التركي بالانتخابات يمكن تفسيره أولاً وقبل كل شيء على أنه إدراك ووعي بأهمية العملية الديمقراطية وإحساس بفعاليتها وتأثيرها.

العامل الآخر وراء الاهتمام بالانتخابات هو أن الناخب التركي يعتقد أن البلاد تمر بمرحلة حرجة، وهذا الاحساس يشكل دافعًا للناخب من أجل الذهاب إلى صناديق الاقتراع، خاصة وأن الناخب التركي في الواقع يولي أهمية كبيرة للقضايا الوطنية ومنفتح على تلقي التوجيهات من قادة الأحزاب السياسية فيما ينبغي فعله تجاه الشؤون الوطنية.

سبب آخر لارتفاع نسبة التصويت هو الشعور بضرورة رد الجميل للرئيس رجب طيب أردوغان الذي وصل إلى السلطة وعمل في ظل ظروف صعبة وأظهر أداءً يمكن اعتباره استثنائيًا، من أجل تمهيد الطريق أمام تركيا لتغدو دولة حرة ومكتفية ذاتيًا.

هذا إلى جانب الجهود التي بذلها قطاع الصناعات الدفاعية المحلية، وقيادته تركيا في المحافل الدولية ودوره في بناء استثمارات تنموية كبيرة وبذل الجهود لحماية الديمقراطية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية المعادية للإنسانية مثل “بي كا كا” و”فتح الله غولن”، اللتان تعملان كبيادق بيد قوى غربية.

لقد قدمت الديمقراطية التركية اختبارًا جيدًا في 14 مايو/ أيار 2023، عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية حامية الوطيس تمتعت بالنزاهة والتنافسية، وهما ضرورتان ملحتان وأساسيتان في العملية الديمقراطية. لهذا السبب، تستحق تركيا أن تفخر وبنظامها الديمقراطي والانتخابي الذي يعتبر نموذجًا يحتذى به حول العالم.

اقرا ايضاً: انتخابات تركيا 2023.. الناخبون المترددون كلمة السر

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *