مقال رأي بقلم: سعيد الحاج باحث في الشأن التركي
أسفرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التركية عن تقدم مرشح “تحالف الجمهور” الحاكم، رجب طيب أردوغان على مرشح “تحالف الشعب” المعارض كمال كليجدار أوغلو بزهاء 5% من الأصوات، أو ما يعادل مليونين و600 ألف صوت.
بالتحالف مع أوزداغ.. هل أطلق كليجدار أوغلو الرصاص على قدميه؟
بتلك النتيجة، يكون التحدي الأبرز أمام المتنافسَيْن في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية التركية، هو مدى القدرة على حشد الناخبين مرة أخرى وتوجيههم إلى صناديق الاقتراع.
بعد نهاية الجولة الأولى، بدا الأمر صعباً وقالت تقديرات كثيرة بتراجع نسبة المشاركة في جولة الإعادة لأسباب كثيرة، في مقدمتها حسم نتيجة البرلمان لصالح “تحالف الجمهور” الحاكم، وكذلك الصعوبات اللوجستية، بيد أن تصويت الأتراك في الخارج لم يدعم هذا التقدير حتى لحظة كتابة هذه السطور؛ حيث كانت نسبة المشاركة في جولة الإعادة أعلى من نظيرتها بالجولة الأولى، وبانتظار التصويت الأساسي في الداخل التركي يوم الأحد المقبل.
سؤال جولة الإعادة
من هذه الزاوية، يبدو الرئيس التركي أوفر فرصاً من منافسه؛ إذ يكفيه نظرياً الحصول مرة أخرى على نفس عدد الأصوات التي حصل عليها قبل أسبوعين، أو ربما أكثر من ذلك بقليل للفوز، ولذلك يحذر أنصاره من التراخي والكسل وعدم الذهاب للصناديق.
في المقابل، لا يكفي مرشح المعارضة، كليجدار أوغلو الحصول على نفس عدد الأصوات، بل يحتاج لكسب شرائح جديدة، إما من الذين قاطعوا الجولة الأولى، أو الذي أُبطلت أصواتهم، أو من صوّتوا للمرشح الثالث سنان أوغان.
ولأن نسبة المشاركة كانت مرتفعة للغاية في الجولة الأولى من الانتخابات، جاوزت الـ(87%)، بما لا يضمن مشاركة عدد كبير من المقاطعين في جولة الإعادة، ولأن الأصوات الباطلة أكثر من مليون صوت، ظاهرة متكررة في الانتخابات التركية، وكان جزء كبير منها تصويتاً احتجاجياً؛ لذا يصعب على كليجدار أوغلو التعويل على شريحة المقاطعين في الجولة الأولى.
أبقى ذلك المرشحَيْن، خصوصاً كليجدار أوغلو، بحاجة للأصوات التي ذهبت للمرشح الرئاسي الثالث، سنان أوغان، والذي دخل هو و”تحالف الأجداد” في حالة تفاوض مع الجانبين المتنافسين في جولة الإعادة. وقد تماهى كليجدار أوغلو مع خطاب “تحالف الأجداد” وحزب “النصر”، بقيادة أوميت أوزداغ، من حيث التركيز الخطابي على مقترح “ترحيل السوريين”، والمبالغة في تقدير أعدادهم وتصنيفهم خطراً محدقاً بتركيا.
أعلن سنان أوغان عن دعمه لأردوغان في جولة الإعادة، بينما عبّر أوميت أوزداغ رئيس حزب “النصر”، الحزب الرئيس في “تحالف الأجداد” وعموده الفقري، عن توجه معاكس بدعم كمال كليجدار أوغلو.
بدا الأمر تفككاً للتحالف أمام سؤال جولة الإعادة، ولكنه قد يكون تبادلاً للأدوار للتفاوض مع الجانبين، والضغط عليهما بخصوص الموضوع الأهم للتحالف: اللاجئين وتحديداً السوريون منهم، ولعل عدم التراشق الإعلامي بين أوغان وأوزداغ يدعم هذه الفرضية.
في المحصلة، أعلن أوميت أوزداغ عن دعمه لكليجدار أوغلو بعد توقيع اتفاق على مستوى حزبيهما.
ما الذي كسبه وما الذي خسره زعيم المعارضة من هذا الاتفاق مع أوزداغ؟
كبداية، لا شك أن رئيس حزب “النصر”، أوميت أوزداغ أكثر قدرة من المرشح الرئاسي سنان أوغان على تحريك الأصوات، فهو رئيس حزب وزعيم تيار، وبالتالي رأيه سيكون مسموعاً أكثر من أوغان، القادم من خارج الحزب.
لكن ذلك لا يعني حصول كليجدار أوغلو على نسبة (5.17%) التي حصل عليها أوغان. فجزء مهم من هذه النسبة أصوات احتجاجية بالأساس، ذهبت لأوغان لأنها لا تريد أردوغان وترفض كليجدار أوغلو. وجزء منها هم أنصار المرشح الرئاسي المنسحب محرم إينجة، وهؤلاء من الصعب أن يعودوا للتصويت لكليجدار أوغلو.
تبقى كتلة حزب “النصر” الذي حصل على نسبة (2.2%) من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، لكنه فشل في الحصول على أي مقعد، لكن ذلك لا يعني أن كليجدار أوغلو سيحظى بتصويت تلك الكتلة كاملة، فالناخبون لا ينصاعون تماماً لقرارات قياداتهم والوقت المتبقي قبل الانتخابات قليل جداً.
لكن بافتراض أن كليجدار أوغلو سيحصل بسبب دعم أوزداغ على نسبة (2.2%) من الأصوات، فلا يجسر ذلك الفارق بينه وبين أردوغان فضلاً عن ضرورة النظر في احتمالية أن يكون قد أخسره بعض الأصوات.
من أطلق النار على كليجدار أوغلو؟
منذ انتهاج كليجدار أوغلو خطاباً يركز على اللاجئين خرجت أصوات منتقدة ورافضة لذلك من معسكر تحالفه، بيد أن الدرجة والنبرة والأعداد تزايدت بشكل ملحوظ بعد التوقيع والإعلان عن التحالف مع حزب “النصر”.
حصلت عدة استقالات احتجاجية في حزب “المستقبل” برئاسة أحمد داود أوغلو، وقال علي باباجان، رئيس حزب “الديمقراطية والتقدم”، إنه اطلع على نص الاتفاق الموقع في الإعلام في انتقاد ضمني للاتفاق وربما تنصل منه. كما ضجت وسائل التواصل برفض واضح للاتفاق وبنوده من قيادات وسطى في الأحزاب المحافظة المتحالفة مع الشعب الجمهوري، وقرن بعضُها بين الخطاب والعنصرية والنازية.
بيد أن الصدى الأهم كان في حزب الشعوب الديمقراطي “الكردي”، الذي اجتمع لتقييم الاتفاق وهذه إشارة ذات دلالة واضحة، ثم أصدر بياناً بالخصوص، ثم أعلن عن “إرجاء إعلان موقفه” إلى اليوم التالي في دلالة لا تخفى.
مشكلة حزب “الشعوب الديمقراطي” مع أوميت أوزداغ وحزبه متشعبة ومركبة. خلال الحملة الانتخابية سأل أوزداغ شابة صغيرة السن لمن ستصوت، وحين أجابته: “للشعوب الديمقراطي”، أبدى استغرابه من قرارها؛ إذ “لا تبدو كقاتلة” على حد تعبيره، وهو خطاب يشير إلى موقف الرجل من الحزب. كما أن موقفه من حزب “العمال الكردستاني” والعلاقة المفترضة بينه وبين “الشعوب الديمقراطي” عامل إضافي يوتر الأجواء بينه وبين الأخير.
بيد أن الاتفاق المبرم بين كليجدار أوغلو وأوزداغ هو أساس الموقف الحاد الذي أبداه حزب “الشعوب الديمقراطي”؛ حيث أكد الاتفاق على بعض مواد الدستور التي تعرّف مواطني الدولة كـ”ترك” التي تحيل للعرق، وهو أمر حساس بالنسبة للحزب “الكردي”.
الأهم من كل ما سبق هو توافق الجانبين على فكرة تعيين أوصياء على البلديات التي يوقف رؤساؤها بسبب تهم تتعلق بدعم الإرهاب، وهي تهم توجه عادة لرؤساء بلديات من حزب “الشعوب الديمقراطي” وقد حصل تعيين وصي أكثر من مرة في بلدياتهم. كان كليجدار أوغلو ضد هذه الفكرة علناً، ولكنه غيّر رأيه فيما يبدو تحت وطأة الحاجة لدعم أوزداغ. كما أن الأخير ألمح إلى أنه قد يكون وزير الداخلية المقبل في حال فاز كليجدار أوغلو، وهو أمر لم يؤكد ولم ينف.
واليوم، وكأن كليجدار أوغلو يغامر نفس المغامرة، أي محاولة الجمع بين الأصوات القومية والأصوات الكردية، وبالتالي احتمالية خسارة أصوات من الجانبين. فهل يكون كليجدار أوغلو هو من أطلق الرصاص على قدميه وتسبب بخسارته السباق الرئاسي ضمن أسباب أخرى؟ سنحصل على الإجابة مساء الأحد المقبل.
وبغض النظر عن القرار الرسمي الذي سيعلن عنه حزب “الشعوب الديمقراطي” والذي يتوقع أن يكون تكراراً وتأكيداً لدعم كليجدار أوغلو، إلا أن نتيجة هذه البلبلة والارتباك قبل ساعات فقط من يوم الاقتراع قد تكون وخيمة. فالمهم في هذه المعادلة ليس قرار السياسيين ورؤساء الأحزاب، وإنما انطباعات الناخبين وآراءهم. ويمكن القول إن زخم الاعتراضات والانتقادات في وسائل التواصل ووسائل الإعلام وعلى ألسنة وأقلام الكثير من السياسيين والإعلاميين يجعل تأثر بعض الناخبين سلباً أمراً متوقعاً.
ليس متوقعاً أن يخسر كليجدار أوغلو الجزء الأكبر من تصويت أنصار “الشعوب الديمقراطي” له، فما زالت تجمعهما الرغبة بهزيمة أردوغان، لكن مقاطعة نسبة ولو بسيطة منهم للانتخابات احتجاجاً على الاتفاق قد تكون محددة في نتيجة الإعادة.
فحزب “الشعوب الديمقراطي” قد حصل على نسبة (8.8%) من الأصوات بالانتخابات البرلمانية، وتخطى تحالف “العمل والحرية” الذي يقوده نسبة 10% بما يمثل كتلة لا يمكن الاستغناء عنها للفوز.
اختصاراً، بدا كليجدار أوغلو مستميتاً لكسب كل صوت وأي صوت جديد قبل جولة الإعادة، ويمكن القول إن اتفاقه مع أوزداغ مغامرة غير مضمونة العواقب، حتى بافتراض أنه تواصل مسبقاً مع الشعوب الديمقراطي وضمن موقفه؛ إذ الأمر متعلق بتصويت الناخبين لا موقف السياسيين.
وعليه، قد تكسبه هذه الحركة اليائسة بعض الأصوات نظرياً واحتمالاً، لكنها قد تخسره في الجهة المقابلة أصواتاً أكثر من أنصار الأحزاب المحافظة و”الشعوب الديمقراطي”.
في عام 2019، في الانتخابات المحلية، حاول حزب “العدالة والتنمية” جهده لكسب تأييد الشريحة الكردية للفوز ببلدية إسطنبول الكبرى، بما في ذلك نشر رسالة من الزعيم الكردي المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة، عبد الله أوغلان على قنوات التلفزة، وكان ذلك من ضمن أسباب خسارته؛ إذ أدى ذلك لعزوف بعض الأصوات القومية عن دعم مرشحه.
واليوم، وكأن كليجدار أوغلو يغامر نفس المغامرة، أي محاولة الجمع بين الأصوات القومية والأصوات الكردية، وبالتالي احتمالية خسارة أصوات من الجانبين. فهل يكون كليجدار أوغلو هو من أطلق الرصاص على قدميه وتسبب بخسارته السباق الرئاسي ضمن أسباب أخرى؟ سنحصل على الإجابة مساء الأحد المقبل.
اقرا ايضاً: أوميت أوزداغ يعلن دعمه لكليجدار أوغلو في الجولة الثانية من الانتخابات