عادت سماء تركيا تزدحم بالطائرات المختلفة المصنعة بوسائل محلية ووطنية، والتي تحظى بشهر كبيرة على مستوى عالمي، بعد انقطاع دام لعقود في الأنشطة التي توقفت بشكل كامل في أربعينيات القرن الماضي.
الخطوة الأولى في مشوار تركيا بصناعة الطيران
اجتهدت تركيا بإقدامها على خطوة تهدف الى تطوير الصناعة الدفاعية عام 1911، وخاصة مشاريع الطيران الحربي، والتي توجت بنجاح أول رحلة لطائرة ركاب التي أنتجت في مصنع نوري دميراغ في ولاية قصيري قبل 79 عام.
أثمرت تلك الخطوة الوطنية التركية التي بزغت أثناء الحرب العالمية الأولى، بإنتاج طائرات تركية بإمكانات محلية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ما إن تعثرت تلك الصناعة بسبب إغلاق تركيا أبواب المصانع في إطار مبدأ ترومان وخطة مارشال.

بداية المشوار
انتهت أعمال بناء 6 طائرات مقاتلة ذات محرك واحد في مصمع قيصر في 3 أيار/مايو 1934، وبذلك كانت تركيا على موعد هام وفعلي في مجال الطيران، وأُجريت رحلات تدريبية في مجال جوي مفتوح، وأقلعت هذه الطائرة من منطقة قيصري في حفل صغير كأول رحلة اختبار طويلة متجهة الى أنقرة.
أطلت الطائرة في سماء أنقرة بعد رحلة استغرقت 45 دقيقة، والتي صُنفت أول طائرة مقاتلة تركية الصنع تصل الى العاصمة، ونجحت بعملية الهبوط على أرض الملعب بالقرب من الجمهور الذي ينتظرها.
قصة النجاح هذه كانت نتاجاً للخطوة الأولى التي جرى اتخاذها في عام 1909، والذي يعتبر فعلياً بمثابة أول خطاب رسمي بشأن إنشاء الطيران العسكري في تركيا كخطوة أولى. وكانت الفترة ما بين 1909 و1938 بمثابة الأساس والتطور والنهوض في مجال الطيران التركي.
ولم تكتفي تركيا بإنتاج الطائرات فحسب، بل افتتحت أيضاً مدارس لتدريب الطيارين على المشاركة في هذا المجال، إلا أنه مع مجيء الأربعينيات توقفت جميع الخطط وأسدل الستار على هذا المشروع الوطني.
نجاحات تركيا الأولى في صناعة الطيران
في عام 1925، عمل الضابط الطيار وجيهي هوكوش، على تصنيع أول طائرة معتمداً على بقايا قطع الطائرات اليونانية بعد تحرير مدينة إزمير، وأصبح ذلك التاريخ علامة فارقة في صناعة الطيران التركي، وبات الحدث مصدر إلهام ومحفز كبير لصناعة الطيران الوطني، لكونه أول تركي صنع طائرة وحلق بها وحصل على شهادة دولية بترخيصها، وفي عام 1930، أنتج هركوش طائرته الثانية التي جرى قبولها كأول طائرة مدنية تركية، ومن ثم أتبعها بطائرات تدريب ورياضية وركاب أخرى.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1926، تم إنشاء أول مصنع للطائرات في تركيا بولاية قيصري، بالشراكة مع شركة “جانكيرز” الألمانية، ولكن بسبب الخلافات وعدم الوفاء بالالتزامات، جرى إنهاؤه في مايو/أيار 1928. وفي عام 1931، جرى نقل هذا المصنع إلى وزارة الدفاع الوطني وأُنتجت الطائرات بموجب تراخيص أجنبية حتى عام 1939.
ومن أبرز نجاحات تركيا في مجال صناعة الطيران، هو ما حققه نوري دميراغ الذي صمع أول طائرة ركاب تركية، والتي أتمت رحلتها التجريبية بنجاح في 10 كانون الثاني/يناير 1944، وبذلك خلَد دميراغ اسمه في أنصع صفحات التاريخ التركي بإنتاجه طائرات بإمكانيات محلية دون الحاجة الى تراخيص أجنبية.

مرحلة التوقف والانقطاع
بعد الانطلاقة القوية والنجاحات الوطنية التركية التي تحققت في سرعة قياسية من الزمن، ووصولها الى حد بيع الطائرات المحلية الى الدنمارك وتلقيها طلبات شراء من دول أخرى، أغلقت تركيا أبواب المصانع في أربعينيات القرن الماضي، في إطار مبدأ ترومان وحطة مارشال، التي 1905 طائرة أمريكية في مخزون القوات الجوية التركية بين عامي 1946-1952.
العقبات الإدارية والضغوطات الخارجية والطموحات الشخصية وغيرها من العوامل، أدت الى توقف تركيا عن اكمال مسيرتها في مجال صناعة الطيران، ودخل حلم صناعة الدفاع الوطني في مرحلة الانقطاع بداية عام 1945.
كان طلب المساعدة الاقتصادية من الولايات المتحدة في ذلك الوقت وبدء المساعدة مع خطة مارشال الشهيرة في عام 1948 نقطة انهيار خطيرة، لاسيما أنها تزامنت مع تحول مصانع الطائرات والمحركات إلى “مصانع للجرارات”، وذلك في إشارة إلى تركيا “دولة زراعية” لا يسمح لها بأن تكون دولة “صناعية”.

البعث والنهوض من جديد
أدركت تركيا جيداً أنها يجب أن يكون لها صناعات دفاعية خاصة بها، خلال عملية السلام القبرصية عام 1974، وبعد الانقطاع الذي تواصل في الأربعينيات من القرن الماضي، بعثت الروح مجدداً في حلم الصناعة الوطنية وتجسد ذلك في وضع الخطط بعد عام 1974.
ومنذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تغير منظور صناعة الدفاع المحلية والوطنية، مع هذه الفترة، مهدت الميزانيات الكبيرة والتصميم السياسي الطريق لأعمال مهمة في مختلف المجالات، وبفضل هذه الجهود، وصلت تركيا اليوم إلى نقطة كونها واحدة من أفضل المصنعين في العالم في بعض المنصات الجوية، إن العديد من المشاريع التي جرى تطويرها بالموارد المحلية والوطنية تعتبر بمثابة الخطوات الأولى لصحوة عملاقة من النوم العميق.
وتألقت العشرات من المشاريع التي طُورت بما يتناسب مع التكنولوجيا الحديثة، كالمقاتلة الوطنية من الجيل الخامس (MMU) إلى مسيّرة الجيل السادس “قزيل إلما”، ومن المسيّرات “بيرقدار TB-2” والعنقاء إلى درون “كارجو” وطائرات “حر جيت” وحر “كوش”، ومن مروحيات “أتاك” و”غوكباي” إلى السيارة الطائرة “جزري”، كلاعبين جدد في القصة غير المكتملة بعد في تاريخ الطيران التركي.
اقرأ أيضا: صادرات الصناعات الدفاعية التركية تصل أنحاء جديدة من العالم
اقرأ أيضا: تركيا.. 2022 عام الصناعات الدفاعية بجدارة