أسست تركيا وقطر في ديسمبر/ كانون الأول عام 2014، اللجنة الاستراتيجية العليا المشتركة، والتي تعقد اجتماعاتها كل عام على أعلى مستوى، وهي آلية للتشاور حول العلاقات القطرية التركية، وتمثل أحد أهم مؤشرات العلاقات الثنائية المكثفة والقوية.
ونتج عنها ما يزيد عن 80 اتفاقية في جميع المجالات، تسهم في تعزيز وإثراء العلاقات الثنائية السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين البلدين.
تركيا وقطر.. علاقات استراتيجية
منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، تطورت العلاقات القطرية التركية في شتى المجالات، الاقتصادية والتجارية والسياسية والعسكرية والثقافية والسياحية.
ويربط البلدان علاقات صداقة وأخوة استثنائية في تميزها وعطائها، وذلك نتيجة التقارب الكبير على مستوى القادة والشعب والقواسم المشتركة بين البلدين، والتضامن اللامحدود بينهما وقت الأزمات.
كما تتميز علاقات البلدين بتقارب فريد في وجهات النظر حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية وتناغم الرؤى السياسية إزاء كثير من الملفات.
ويتشارك البلدان توجهات سياسية واحدة تعتمد الحوار والدبلوماسية وتفعيل جهود الوساطة أساسا للأمن والاستقرار والسلام وحل النزاعات الدولية والإقليمية.
التعاون الاقتصادي بين تركيا وقطر
باتت تركيا من أكثر الدول الجاذبة للاستثمارات القطرية في عدة مجالات، وخاصة في ظل العلاقات المتطورة بين البلدين.
تجاوز حجم التجارة بين البلدين 1.4 مليار دولار، في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، بحسب احصائيات صادرة عن الملحقية التجارية بالدوحة.
ووفقاً للإحصائيات: “تجاوزت الصادرات التركية إلى قطر المليار دولار، بزيادة 60 بالمئة مقارنة بالأشهر الثمانية الأولى من عام 2021، وأصبحت تركيا الدولة السابعة التي تستورد منها قطر أكثر من غيرها”.
وأضافت: “تجاوز الصادرات المليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 يشير إلى زيادة الصادرات بأكثر من 200 بالمئة في السنوات الخمس الماضية”.
وأوضحت الإحصائيات: “هناك ما يزيد عن 700 شركة تركية تعمل في قطر في مختلف القطاعات، بجانب 200 شركة قطرية تعمل في مجموعة واسعة من القطاعات في تركيا”.
وذكرت أن استثمارات قطر المباشرة في تركيا زادت بشكل كبير، بـ33.2 مليار دولار، بينما بلغت قيمة المشاريع التي نفذتها شركات الانشاءات التركية في البنية التحتية في قطر 22 مليار دولار أمريكي.
وتهدف أنقرة إلى تحسين تعاونها في قطاع الطاقة مع الدوحة، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.
وفي مجال السياحة، وصل عدد الزائرين القطريين لتركيا نحو 30 ألفا في 2016، ثم تزايد في 2019 إلى نحو 110 آلاف، بينما وصل العام الحالي إلى 140 الف سائح.
مونديال كأس العالم في قطر 2022
كثفت تركيا وقطر تعاونهما لتأمين بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، ما جعل هذا التعاون الأمني المميز أحد أوجه شمول العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
وقَّعت أنقرة والدوحة اتفاقية للتعاون بشأن التدابير الأمنية الخاصة بالمونديال في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، تحت اسم “خطاب النوايا بشأن التعاون في تنفيذ الفعاليات الكبرى”.
ويتعاون الطرفان بموجب الاتفاقية، في تدابير مكافحة الجريمة ومكافحة الإرهاب والمشاركة في البعثات الميدانية ذات الصلة باستضافة الفعاليات الضخمة، كما يتبادلان الزيارات الاستكشافية والاجتماعات الثنائية والخبرات على المستويات المهنية والتقنية والقيادية.
ويتمثل التعاون الكبير بين أنقرة والدوحة في تنظيم المونديال بالمساهمة التركية الرامية لتأمين مباريات كأس العالم والمنشآت المرتبطة به.
وفي 9 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، عن ارسال 3 آلاف شرطي تركي إلى قطر للمشاركة في تأمين المونديال، مشيراً الى إمكانية زيادة العدد في ظل مشاورات متواصلة مع الدوحة.
وأفاد السفير التركي لدى الدوحة في كانون الأول/ ديسمبر 2021، أن الرئيس رجب طيب أردوغان أعطى أوامره بتنفيذ كل ما تطلبه قطر لضمان نجاح تنظيم كأس العالم.

تعاون تركيا وقطر العسكري
شهدت العلاقات الثنائية تقدما كبيرا على كافة المستويات منذ تأسيس اللجنة الاستراتيجية العليا بين قطر وتركيا عام 2014، وخاصة الدفاعية والعسكرية.
في19 كانون الأول/ ديسمبر 2014، وقع الجانبان في تركيا اتفاقية التعاون في مجالات التدريب العسكري والصناعات الدفاعية وتمركز القوات المسلحة التركية على الأراضي القطرية، والتي اقتُرحت خلال زيارة الرئيس أردوغان إلى قطر في وقت سابق من العام نفسه.
وقُدمت الاتفاقية إلى البرلمان التركي، في 10 فبراير عام 2015، لمناقشتها وصادقت عليها لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان، في 5 مارس من العام نفسه.
وتعززت العلاقات على المستوى العسكري بين تركيا وقطر في حزيران/ يونيو 2017، حيث دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بعد تصديق البرلمان التركي عليها واعتمادها من الرئيس رجب طيب أردوغان.
وبموجب هذه الاتفاقية، استُعِين بقوات تركية على الأراضي القطرية، فضلًا عن تنفيذ البلدين تدريبات عسكرية مشتركة.
وافتُتح المقر الجديد للقوات المشتركة التركية القطرية، في ديسمبر 2019، بحضور كبار القادة العسكريين من البلدين، وأُطلق عليها “قاعدة خالد بن الوليد”.
الإغاثة والمساعدات الإنسانية
عملت تركيا وقطر معاً، من أجل تقديم المساعدات الخيرية في عدد من المناطق حول العالم، وأبرزها سوريا وأوكرانيا، منذ توقيع مذكرة التعاون، بين إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، مع جمعية قطر الخيرية.
وتمثل المذكرة بروتوكول تجديد للاتفاقية التي وقعت في كانون الأول/ ديسمبر 2016، التي تم في نطاقها المساهمة الثنائية في العديد من الكوارث والزلازل والحرائق حول العالم.
وتعد تركيا الدولة التي قدمت أكبر قدر من المساعدات الإنسانية على الساحة الدولية في السنوات الأربع الماضية.
اتفاقيات التبادل الثقافي
نشطت حركة التبادل الثقافي بين البلدين من خلال الاتفاقيات التعليمية والأكاديمية بين معاهد اللغة والجامعات، ونشاطات معينة عن طريق المؤسسات التركية والقطرية في قطاع النشر.
في عام 2015، تم تدشين العام الثقافي القطري التركي، وجرى اختيار تركيا ضيف شرف معرض الدوحة الدولي للكتاب، وفي ذلك العام أيضًا افتُتِح المركز الثقافي التركي (يونس إمره) في الدوحة لتعزيز العلاقات الثقافية.
كما أبرمت مكتبة قطر الوطنية في أبريل/ نيسان 2018 اتفاقية تعاون مع نظيرتها التركية في العاصمة الدوحة، وتشمل الاتفاقية تبادل المصادر والوثائق التاريخية والتدريب وتبادل الخبرات.
كما دُشِّن مشروع “تركيا- قطر.. الحوارات الفنية بين الثقافات” في أيلول/ سبتمبر 2019، والذي تضمن معارض فنية وعروضًا موسيقية، ومؤتمرات ومهرجانات، وورش عمل تتعلق بشتى فروع الفن التقليدية والحديثة.
ووقَّعت مكتبة “قطر الوطنية” في أكتوبر 2021، مع مكتبة “الأمة” التركية، مذكرة تعاون في المجالات العلمية والتقنية والثقافية.
إضافة لما سبق، شهدت الأعوام القليلة الماضية عشرات العروض الفنية والفعاليات الثقافية والمعارض القطرية، بمشاركة فرق وفنانين من تركيا، وهي تؤصل لفكرة الحفاظ على الهوية الإسلامية المشتركة بين البلدين.
الاجتماع الثامن للجنة الاستراتيجية العليا التركية القطرية
وتستضيف إسطنبول، اليوم الجمعة، الاجتماع الثامن للجنة الاستراتيجية العليا التركية القطرية، في ظل تطور كبير تشهده علاقات البلدين تحوّلت إلى تعاون متواصل على مختلف الأصعدة.
واتفق الرئيس رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على عقد هذا الاجتماع في موعد أبكر قليلًا من الوقت المعتاد، بسبب بطولة كأس العالم لكرة القدم التي ستنطلق في قطر يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وستكون هذه القمة الأولى بعد الثلاثين بين تركيا وقطر منذ عام 2014، وهو رقم قياسي في تاريخ العلاقات بين البلدين، وربما في تاريخ الدبلوماسية الدولية.
اقرأ أيضا: الاستراتيجية العليا بين تركيا وقطر تثمر عن 83 اتفاق منذ 2015