أصدر معهد الأبحاث حول السلم العالمي”SIPI” في ستوكهولم، تقريراً حذر فيه من أخطار السلاح النووي، وعبّر فيه عن تخوُّفه من توجُّه مُقلِق جراء تزايُد امتلاك السلاح النووي.
سابقاً كان الهدف من امتلاك السلاح النووي هو منع الخصم من استعماله، وكان ذلك وفق قواعد ضمنية بين الدول المالكة للسلاح، الأمر الذي أتاح في غمرة التجاذب الآيديولوجي، وسباق التسلح، إيجاد مساحة للحوار، منها قواعد التعايش السلمي، والتوافق détente، وتحديد السلاح، أو نزعه.
لكن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لم يعُد يستبعد إمكانية استعمال السلاح النووي، مثلما لوّحت روسيا أثناء الحرب، ولم يعد العالم يخضع لقواعد كتلك التي سادت إبّان الحرب الباردة، ومنها توازن الرعب، أو الردع، أو إيجاد مساحة للحوار.
يتركز اهتمام الدول للسنوات المقبلة على امتلاك الرؤوس النووية، ووضع خطط لمشاريع رفع مخزونها من الرؤوس النووية وتطويرها، وبذلك تتملص الدول شيئاً فشيئاً من القواعد التي تمخّضَت عنها فترة ما بعد الحرب الباردة في تدمير الرؤوس النووية وتقليص عددها. والخطورة أن امتلاك السلاح النووي لم يعُد للردع، ولكن لإمكانية الاستعمال، كما حذر مدير المعهد “دان سميث”.
روسيا والولايات المتحدة فيهما 90% من الرؤوس النووية في العالم مع تفوق لروسيا، حيث يزيد المخزون الروسي عن الأمريكي ب 500 رأس نووي، الدول المالكة للسلاح النووي هي الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، بالإضافة إلى الهند وباكستان، وكوريا الشمالية، وإسرائيل (ولو أن إسرائيل لا تقر رسمياً بامتلاكها السلاح النووي).
كل الدول المالكة للسلاح النووي انخرطت في برامج رفع مخزونها وتطوير سلاحها النووي. أعلنت بريطانيا رفع سقف مخزونها، وأطلقت فرنسا برنامجاً لما سمته الجيل الثالث للسلاح النووي. أما الصين، القوة العسكرية الناهضة، فدخلت مرحلة لتطوير سلاحها النووي، من خلال رفع مخزونها، وتطوير صواريخه الباليستية، بحسب المعطيات الجديدة التي ذكرها التقرير.
وبدروه أدى ذلك الى نشوء توترات بين الدول المالكة للسلاح بجيرانها، كما في الصين والهند اللتان تمران بعلاقات متوترة تمثلت بمناوشات عسكرية في الآونة الأخيرة بسبب المناطق الحدودية في “التيبت”، وكذلك الوضع المتوتر بين الهند وباكستان، وكوريا الشمالية وجارتها الجنوبية، واحتمال توتر الوضع العسكري في تايوان إثر تهديد الصين باللجوء إلى الخيار العسكري في حالة إعلان تايوان استقلالها. ويبقى خيار استعمال السلاح النووي قائماً في الحرب الروسية-الأوكرانية مثلما لوحت به روسيا، ووضع المراكز النووية في حالة تأهب قصوى.
اقرأ أيضا: تركيا.. 6 طائرات بيرقدار TB2 تدخل الخدمة في القوات البرية التركية
تعتبر القواعد القديمة المعمول بها منذ الحرب الباردة منعدمة في ظل الوضع الجديد في العالم، والتي كانت تُطبق بهدف الردع العسكري فحسب، وفي ظل الوضع الجديد يحتاج العالم الى قواعد جديدة، لأن إمكانية استعمال السلاح أصبحت واردة.
يحتاج العالم الى تضافر الجهود الدولية أمام تحدي سباق التسلح النووي الذي يهدد العالم بأسره، وكذلك التحولات المناخية، واختلال البيئة، والجوائح، وأزمة الغذاء. وهي تحديات لا يمكن التصدي لها بالنظر لطبيعتها الكونية، والتوتر الدولي بشكل عام، وذلك وفقاً للتقرير.
طالب بابا الفاتيكان بعالم خالٍ من الأسلحة النووية، في أول رد على هذا الوضع المنذر بالخطر، ولكن هذا الإنذار غير كافٍ، فالخطر النووي قضية تهم المجموعة البشرية كلها لأنها ترهن وجود البشرية.
لا يمكن تقبل خيار منع امتلاك السلاح النووي من قِبل الدول المالكة للسلاح، في ظل استفحال العلاقات الدولية المتوترة، والمتاح فقط هو المطالبة بوضع قواعد جديدة، تفرض على الدول المالكة للسلاح النووي والاحتكام إليها. وهي مسؤولية المنتظم الدولي، وبخاصة دول العالم الثالث، المتضرر الأكبر من خطر المجاعة وارتفاع أسعار الطاقة في ظل التوتر الحالي، فضلاً عن خطر الفناء الذي يتهدد البشرية.
يتعين على الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة، صب الاهتمام على خطران يهددان البشرية، أولاً خطر الفناء من خلال برامج تزايد الرؤوس النووية وتطويرها، والتلويح باستعمالها، وثانياً خطر المجاعة الذي هو نتيجة للتوتر العسكري.
الوضع الحالي يُنذر بانفلات التوازن المعتمد منذ الحرب الباردة، وإن كان مبنياً على الرعب، ويمكن للدول الفقيرة والناهضة أن تكون قوة أخلاقية مؤثرة، باستعمالها سلاح القوة المعنوية، من خلال التلويح بالخطر النووي الذي يتهدد البشرية كلها إذ لم يعد الصمت ممكناً.
اقرأ أيضا: أمير قطر يصل مصر في أول زيارة له منذ 2015