جلال الدين الرومي.. شخصية عالمية ترقد في قونية التركية
في مطلع مايو من كل عام، وعلى مشارف مدينة قونية، يقف والي قونية، ورئيس بلديتها، وعدد من أعيان الولاية وكبار رجالاتها، يستقبلون موكباً يمثل وصول عائلة جلال الدين الرومي إلى مدينتهم، هذا العام مضت ٧٩١ سنةً منذ دخلت عائلة جلال الدين الرومي هذه المدينةَ، وصار اسم “مولانا جلال الدين الرومي” مرتبطاً بقونية أكثر من ارتباط السلاطين السلاجقة الذين أداروا حكمهم للأناضول من المدينة ذاتها.
البدايات والترحال:
تعد بلخ واحدةً من أعرق مدن العالم وأقدمها، فهي مدينةٌ صناعيةٌ وتجارية شهيرةٌ على مدى قرون، وعُرفت بصناعة السجاد والنسيج، وحذق أهلها في النقش والعمارة.
في تلك المدينة، في سنة ٦٠٤ للهجرة، ولد محمد بن محمد بن حسين البلخي، في أسرة معروفة بالديانة والعلم، إذ كان والده فقيهاً ضليعاً.
ومنذ بلغ جلال الدين الرابعة من عمره بدأت أولى حلقات الترحال في حياته المديدة، إذ انتقل في معية والده وعائلته إلى نيسابور هرباً من هجمات المغول، وتنقلت العائلة بين مختلف المدن، وكانت بغداد عاصمة الخلافة العباسية واحدة من تلك المدن التي استقر فيها جلال الدين الرومي رفقة والده الذي تولى التدريس في المدرسة المستنصرية: إحدى كبريات المدارس العلمية في ذلك الزمان.
ولم يكن والده يجنح إلى الاستقرار الطويل، لذا تعددت رحلاته التي رافقته فيها عائلته، إذ أقام في مدن متعددة منها مكة المكرمة ودمشق، قبل أن يتجه إلى قونية، حاضرة السلاجقة الكبرى في قلب الأناضول، ويستقر بها منشغلاً بتدريس العلوم الشرعية حتى وفاته سنة ٦٢٨ للهجرة.
الفقيه الصوفي:
بعد وفاة والده، أخذ جلال الدين يتلقى العلوم الشرعية على بعض علماء قونية، ثم تولى التدريس، وكانت ميوله نحو التصوف تكبر وتتنامى شيئاً فشيئاً، إذ كان قد التقى بعدد من أعلام المتصوفة: كالشاعر العطار في نيسابور، والشيخ ابن عربي في دمشق، ورافق طويلاً شمس الدين التبريزي الذي استقر بقونية حتى مقتله بها.
الأفكار والتراث:
انصرف جلال الدين الرومي إلى التصوف، وصار مولعاً بالموسيقى والرقص الدائري الذي عرفت به طريقته “المولوية”، والذي تطور ليصبح طقساً شديد التعقيد، له رمزياته الكثيرة وشهرته الذائعة، ولا يزال الرقص المولوي يعتبر واحداً من أيقونات الفولكلور التركي الذي يجذب الكثير من الناس من مختلف الملل والنحل.
الشخصية العالمية:
يعتبر جلال الدين الرومي شخصية عالمية بحق، إذ انتشرت كتبه، سواء منها الشعري، وحكايات الحكمة، التي تدل على وعي عميق بالنفس الإنسانية، وترجمت آثاره إلى مختلف جهات الأرض، وعلى الرغم من كون جلال الدين الرومي حنفي المذهب وسني الانتماء، يحظى بقدر كبير من الاحترام والتقدير لدى الشيعة، وهو واحد من الشخصيات المشهورة بالحكمة على مستوى العالم، وقد صنفته بي بي سي باعتباره الشاعر الأكثر شعبية في الولايات المتحدة عام ٢٠٠٧. وقد انتشرت رباعياته وقصائده، وحكمه في أنحاء العالم وبمختلف اللغات.
الضريح والمتحف:
في قلب قونية، وبالقرب من تبة السلطان علاء الدين، تؤدي جادة “مولانا” إلى متحف جلال الدين الرومي، الذي يعتبر مركزاً ثقافياً واقتصادياً مهماً للمدينة، تتمحور حوله الأنشطة السياحية المختلفة: من الفنادق والمحال الصغيرة والمقاهي والمطاعم ومعارض التحف، وتشاهد العين عدداً لا يحصيه الحصر من الأفواج السياحية القادمة من مختلف أنحاء العالم لزيارة متحفه وضريحه.
يقع الضريح في مبنى مشيد على الطراز السلجوقي، ويضم قبر جلال الدين الرومي، الذي بولغ في رفعه وزخرفته، وتحيط به مجموعة من قبور مريديه، كما توجد بالجوار مجموعة من الأغراض الشخصية العائدة إلى “مولانا”، مثل سجادته وعمامته وجبته ومقتنيات مختلفة.