لم يكن ظهور العلمانية في تركيا قد بدأ في عهد مصطفى كمال أتاتورك، وإنما سبقه إليه السلطان محمود الثاني، الذي تولى الحكم في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث قام بإنشاء جيش جديد على غرار الجيوش الأوروبية واستبدل بالقوانين الإدارية قوانين جديدة على غرار القوانين الأوروبية. وتسربت أفكار العلمانية إلى تركيا في عهده عن طريق الطلاب الأتراك الذين درسوا في الغرب وخاصة في فرنسا.
بدأت العلمانية في عهده تحت مسمى “حركة التغريب” التي كانت تهدف لمحاكاة الغرب ثم ظهرت هذه الفكرة بقوة بعد ذلك في القرن التاسع عشر، حيث برزت شخصيات هدفت نشر العلمانية في تركيا أمثال “نامق كمال” وضياء كوك ألب باش”، كما أسس الشباب المتأثر بالثقافة الفرنسية نتيجة تلقيهم التعليم فيها، جمعية الشباب العثماني عام 1865م، وجمعية تركيا الفتاة وغيرها من الجمعيات التي سعت لتقليد الغرب وعلمنة الدولة.
العلمانية في عهد أتاتورك
استمرت محاولات تغريب الدولة العثمانية حتى ظهور مصطفى كمال أتاتورك زعيم حرب الاستقلال التي استطاع الأتراك خلالها تحرير الأناضول.
خلال معارك التحرير وتحديدا في ربيع عام 1920 أسس مصطفى كمال المجلس الوطني العظيم في أنقرة من ممثلي القوى الشعبية المشاركة في حرب التحرير ليتحول إلى حكومة موازية لسلطة الخليفة العثماني في إسطنبول، وفي عام 1921 أصدر المجلس ما سماه القانون الأساسي الذي تزامن صدوره مع إعلان النصر وتحرير الأراضي التركية في صيف عام 1922 وأعلن فيه مصطفى كمال إلغاء السلطنة.
في يوليو/تموز من عام 1923 وقعت حكومة أتاتورك معاهدة لوزان التي كرست قيادته لتركيا باعتراف دولي، فأعلن في 29 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام ولادة الجمهورية التركية وألغى الخلافة، وأعلن رئيسا وجعل أنقرة عاصمة للدولة الجديدة بدلا من إسطنبول وبدأ سلسلة إجراءات استمرت بضع سنوات، غير من خلالها وجه تركيا بالكامل.
https://www.youtube.com/watch?v=gaOp2xjEGFM
أهم إجراءات أتاتورك لعلمنة الدولة
– ألغى الخلافة، ووزارة الشريعة والأوقاف وألغى المدارس الدينية، وحل المحاكم الإسلامية.
-طرد جميع أعضاء الأسرة العثمانية من الدولة إلى الخارج بعد إزاحة السلطان عبد المجيد آخر سلطان عثماني.
-حل منصب (شيخ الإسلام) وجميع الأجهزة المرتبطة به سواء أكانت شرعية أم قضائية وحلت المدارس الدينية، وألحقت المدارس كافة بوزارة مدنية، كما ربطت المؤسسة الوقفية بكل ملحقاتها وأبنيتها وأموالها غير منقولة إلى دائرة ترتبط مباشرة برئيس الحكومة.
– اغلاق جميع المحاكم الدينية وتوقف العمل بالفضاء الديني.
– تبنى التعليم العلماني عام 1924.
-تبنى التعليم العلماني عام 1924، وحظر الطربوش والحجاب وأي لباس ديني، وفرض القبعة واللباس الأوروبي.
– أغلق التكايا والزوايا والطرق الدينية التي كان لها دور كبير في حرب التحرير الوطنية، ومنع إنشاء الجمعيات الدينية، ووصف منشئيها والمشتركين بها بالخيانة العظمى عام 1925.
-مع بداية عام 1926، بدأت تركيا العمل بالتقويم الميلادي، المستخدم في الغرب وألغى رسمياً العمل بالتقويم الهجري الإسلامي.
– تبنى القانون المدني السويسري الذي راح يعلن المساواة بين الجنسين (المساواة في الميراث، الزواج المدني، حرية اختيار الدين، وإلغاء تعدد الزوجات).
– ألغى مواد الدستور المتعلقة بالدين الإسلامي عام 1928.
– ألغى استخدام الحروف والأرقام العربية وقرر عوضاً عنها استخدام الحروف اللاتينية وأرقامها عام 1928.
– بداية عام 1932 بدأ قراءة القرآن الكريم في عموم تركيا باللغة التركية وخصوصاً في إستانبول، وفي عام 1933 أصبح الأذان للصلاة يُرفع باللغة التركية.
– منع الحج إلى مكة المكرمة لغاية عام 1947.
– طبق القانون الجنائي الإيطالي والقانون التجاري الألماني محل القوانين الإسلامية عام1933.
-في عام 1934 أغلق جامع أيا صوفيا التاريخي في وجه المصلين، ليصبح مجرد متحفاً.
-في عام 1934 تم سن قانون الألقاب، وأصبح مصطفى كمال يلقب نفسه” أتاتورك: أبو الأتراك.
– جرى تبديل يوم العطلة الأسبوعية من يوم الجمعة الذي له قدسية في الدين الإسلامي، إلى العمل بأسبوع عطلة نهاية الأسبوع الأوروبية.
-إلغاء المادة التي تنص على أن الإسلام دين الدولة في الدستور. فبينما كانت المادة الثانية من دستور عام 1924 تؤكد أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، أصبح بموجب التعديل الثالث لعام 1937 المادة الثانية كالآتي: إن تركيا هي جمهورية ملية شعبية دولتيه علمانية ثورية، لغتها الرسمية التركية ومقرها أنقرة.
وبذلك فإن مصطلح العلمانية دخل الدستور التركي لأول مرة عام 1937، وقراراتها وقوانينها استهدفت معالم” الهوية الإسلامية” للدولة التركية، وتغريبها، بمعنى تقليد المظاهر الغربية دون تطبيق ديمقراطية الغرب.