تركيا– قال وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس في تصريح له بتاريخ 12 مارس “عندما يفتح أحمد الشرع عينيه في القصر الرئاسي في دمشق كل صباح، سيرى بأن الجيش الإسرائيلي يراقبه من قمة جبل الشيخ”. وقد اعتبرت سوريا هذا التصريح تهديدًا صريحا.
وليس من قبل دمشق وحسب، بل اعتبرته تركيا أيضاً تهديداً وتحديا واضحا.
وانطلاقًا من هذا السياق، تساءلتُ عبر حسابي على منصة “X”: “ليس الشرع وحده من ينظر من دمشق نحو إسرائيل. فماذا عن الآخرين؟؟” ولم يمضِ المساء حتى جاء الرد؛ حيث قام وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، بما يمكن وصفه بـ “تحرك دبلوماسي مكثف” نحو دمشق وفقًا لتوصيف وسائل الإعلام.
كان هذا هو ردّ تركيا على إسرائيل، ولا شك أنهم استوعبوه جيدًا، فحتى الأحمق كان ليفهم الرسالة.
وفي ظل هذه التبادلات الدبلوماسية، من الضروري إعادة التأكيد على أن إسرائيل هي العقبة الكبرى أمام العملية الجديدة التي تتطور في المنطقة، والنظام المستقبلي.
لا داعي للخوض في حالة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب منذ البداية، يمكننا القول إنها “عدائية”. والأسباب واضحة؛ فموقف أنقرة الحازم بشأن القضية الفلسطينية وحده كافٍ لإثارة العداء الإسرائيلي.ناهيك عن أن الاتفاق الأخير بين قسد ودمشق كان بمثابة ضربة قاسية لمخططات إسرائيل، إذ رأت فيه انهيارًا لأحد مشاريعها في المنطقة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن التغييرات في بنية السلطة داخل سوريا أوجدت واقعًا جديدًا فرض على إسرائيل التعامل مع “جار مختلف”. وتركيا، بوجودها في شمال سوريا، تفرض على إسرائيل تحديًا لم يسبق لها أن واجهته، يختلف تمامًا عن علاقاتها مع باقي جيرانها أو في محيطها الجغرافي.
وهناك أيضًا جانب آخر يشغل الأذهان ويحتاج إلى تحليل دقيق لم يتم التطرق إليه بشكل كاف حتى الآن، وهو دور الولايات المتحدة في سوريا الجديدة.
أو بالأحرى، دور “أميركا في عهد ترامب”؛ فواشنطن، التي دعمت تنظيم “بي كي كي/واي بي جي” الإرهابي، وأدخلته إلى الجيش السوري عبر “قسد”، تدرك أن هذا الكيان سيتم ابتلاعه داخل المنظومة العسكرية السورية. وبينما بدأت الصحافة التركية بتحليل هذا الدور الأميركي، يبدو أن المواقف خارج تركيا تُعبّر عن هذا الواقع بعبارات أكثر وضوحا.
على سبيل المثال، كتبت صحيفة نيويورك تايمز أن “موقف ترامب أضعف قسد وقلل من قدرتها التفاوضية”، وفي إشارة واضحة إلى دور واشنطن في هندسة التوافق داخل سوريا، أكدت الصحافة التركية أن “هذا الاتفاق لم يكن ليتم دون معرفة الولايات المتحدة”، بل ذهب البعض إلى حد القول إن ” قائد قسد نُقل لتوقيع الاتفاق بمروحية عسكرية أمريكية”. بينما قدمت صحيفة الغارديان البرطيانية و “بي بي سي”، تحليلات أكثر إيجابية تجاه الاتفاق…
تثير هذه الجدلية تلقائيًا سؤالًا قد يبدو غريبًا بل وجريئًا: هل تدعم الولايات المتحدة في عهد ترامب سياسة تتعارض مع مصالح إسرائيل في سوريا؟
بغض النظر عن الإجابات، فحتى الأسئلة نفسها، التي كانت تُعتبر حتى الآن “غير قابلة للتفكير” بسبب تناقضها مع جوهر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، هل يمكن تجاهلها ببساطة؟
لكن شيئًا مشابهًا تمامًا حدث مع بريطانيا فيما يتعلق بحرب أوكرانيا، حيث عانت بريطانيا من أزمة كبيرة، رغم كون لندن إحدى العاصمتين الأكثر امتيازًا في علاقاتها مع الولايات المتحدة. وقد تابعنا انعكاسات ذلك على الساحة الدولية بشكل مباشر.
لطالما تعامل الرأي العام التركي بحساسية شديدة تجاه العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لا سيما عندما يكون الأمر مرتبطًا بتنظيمات إرهابية. وهذا مفهوم ومبرر، ولكن لا بد من تحليل ودراسة التطورات الراهنة ضمن إطار أوسع، تحت عنونا “تعقيدات ومخرجات ووظائف الانتقال إلى النظام العالمي الجديد”.
إن قراءة التقاطع بين الخط البريطاني والأمريكي في سوريا والشرق الأوسط كانت صحيحة في تفسير في المرحلة الافتتاحية، أي عملية تغيير السلطة في دمشق، أي. ولكن إذا بدأنا الموضوع من التسلسل الزمني لمد أنقرة يدها إلى الأسد، على سبيل المثال، فبينما نلاحظ وجود تنافس بريطاني أمريكي، يجب أن نسأل مرة أخرى: “ألا يزال الأمر كذلك في سياق سوريا؟” (في أوروبا، لا يزال الأمر كذلك، لكنه بات أكثر اعتدالًا).
إذا أردنا تبسيط المشهد، فإن هناك خطًّا تركيًا بريطانيًا قطريًا في سوريا، وأمريكا أيضًا موجودة. لكن هل تتصادم خططهم؟ ما يمكن ملاحظته اليوم هو أن تركيا حاضرة بقوة ضمن كلا المسارين، ما يجعلها العنصر المشترك الوحيد في هذه المعادلة المعقدة.
في النهاية، نحن نصف “الظاهر”، وهناك الكثير مما لا يظهر في هذه الجغرافيا. وهذا هو السبب في أن كلمة “الحذر” هي الأكثر شيوعاً حاليًا فيما يتعلق بسوريا. فلنناقش ذلك. ولكن الأكثر خطورة هو “التغاضي”. ولهذا فإن “ما يظهر” الآن هو الأكثر قيمة.
المصدر: نيدرت إيرسانال-يني شفق
اقرأ أيضا: تركيا تعزز وجودها العسكري شمالي سورية بإنشاء قاعدة في مطار منغ
اقرأ أيضا: هل تفتح أوروبا الآن أبوابها لتركيا؟