يعد شهر رمضان في تركيا أكثر من مجرد مناسبة دينية، فهو مزيج فريد من العبادات والاحتفالات الاجتماعية التي تمتزج فيها العادات العثمانية العريقة بروح العصر الحديث. يتميز الشهر الفضيل في تركيا بأجواء روحانية خاصة، حيث تنبض الشوارع بالحياة، وتُقام موائد الإفطار الجماعية، وتُحيى الليالي بالسهرات الرمضانية، في مشهد يعكس الهوية الثقافية والدينية لهذا البلد العريق.
استقبال رمضان في تركيا
مع اقتراب رمضان، تتزين الشوارع والمساجد بالأضواء واللافتات التي تحمل عبارات ترحيبية مثل “Hoşgeldin Ya Şehr-i Ramazan” (مرحبًا يا شهر رمضان). وتبدأ الاستعدادات من تنظيف المنازل وتحضير المكونات الأساسية للأطعمة التقليدية، إلى جانب ارتفاع وتيرة الحركة في الأسواق لشراء مستلزمات الشهر الكريم.
المدفع والمسحراتي: نداء رمضان المميز
رغم تطور الزمن، لا تزال بعض العادات القديمة متجذرة في المجتمع التركي، مثل مدفع الإفطار الذي يُطلق من مناطق مختلفة للإعلان عن موعد المغرب، وهي عادة تعود إلى العهد العثماني. كذلك، يستمر المسحراتي في جولاته الليلية، مرتديًا الزي التقليدي، وهو يقرع طبله ويردد الأناشيد الدينية لإيقاظ الصائمين لتناول السحور.
مائدة الإفطار: تنوع يرضي كل الأذواق
تشكل مائدة الإفطار التركية لوحة غنية بالألوان والنكهات، حيث تبدأ غالبًا بالتمر والزيتون والجبن، يليها شوربة العدس الساخنة، ثم الأطباق الرئيسية التي تشمل “البيديه” (Pide)، وهو خبز تركي شبيه بالفطائر يُعد خصيصًا لشهر رمضان، إلى جانب أطباق اللحوم المشوية، و**”الدولمة”** (ورق العنب المحشي)، و**”الإمام بايلدي”** (الباذنجان المحشي). ولا تكتمل المائدة دون الحلويات الرمضانية الشهيرة مثل “القطايف التركية” (Güllaç) و**”البقلاوة”** و**”الكنافة”**.
الإفطارات الجماعية وأجواء التكافل
يُعرف المجتمع التركي بتقاليد التضامن والتراحم خلال رمضان، حيث تنتشر موائد الرحمن في الساحات العامة والمساجد، مقدمة الطعام للمحتاجين والمارين. وتتكفل البلديات والجمعيات الخيرية بإقامة إفطارات جماعية ضخمة، تجمع آلاف الصائمين في جو يعكس روح الأخوة الإسلامية.
التراويح: روحانية في أحضان المساجد العثمانية
بعد الإفطار، تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح، ومن أشهر المساجد التي تشهد إقبالًا كبيرًا مسجد السلطان أحمد (الجامع الأزرق) وآيا صوفيا والفاتح، حيث تصدح أصوات الأئمة بتلاوات عذبة تملأ الأجواء بالخشوع.
ليلة القدر وإحياء العشر الأواخر
تحظى ليلة القدر بمكانة خاصة لدى الأتراك، حيث تشهد المساجد ازدحامًا كبيرًا بالمصلين الذين يحرصون على قيام الليل والدعاء، كما تقام ندوات دينية تُبث عبر وسائل الإعلام، ويتبادل الناس التهاني والدعوات.
وداع رمضان واستقبال العيد
مع اقتراب نهاية الشهر الفضيل، يبدأ الأتراك بالتحضير لعيد الفطر، أو كما يُعرف لديهم بـ**”Şeker Bayramı”** (عيد السكر)، حيث تُوزع الحلوى والهدايا، ويحرص الناس على زيارة الأقارب والأصدقاء.
يمثل شهر رمضان في تركيا حالة استثنائية من التقاليد والروحانيات التي تمتزج بين الماضي والحاضر، حيث يحافظ الأتراك على طابعهم الفريد في الاحتفاء بهذا الشهر، مما يعكس قيمهم العميقة في التآخي والكرم والتدين.
المصدر: مرحبا تركيا
اقرأ أيضا: الديانة التركي يوزع 6 آلاف سلة غذائية في عطبرة السودانية
اقرأ أيضا: بلال أردوغان: لتحيا الأخوة بين سوريا وتركيا وجميع المسلمين