دعا الكاتب التركي توران قشلاقجي، إلى ضرورة التخلص من السعي وراء “السلطة” والتوجه نحو تأسيس نظام تفكير جديد يجمع بين الناس بدلا من أن يفرق فيما بينهم، من أجل تأسيس عالم تسوده العدالة والحرية والسلام، مشيرا إلى وجوب وجود جماعات تستخدم في خطابها عبارة “يا أيها المسلمون” بدلا من “يا أعضاء جماعتي”، وأن تكون قادرة على طرح رسالتها للبشرية جمعاء بعبارة “يا أيها الناس”، مؤكدا أنه من أجل تحقيق ذلك علينا الرجوع إلى القرآن الكريم المليئ بالأمثلة، وحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي تكشف لنا هذا الأمر بشكل ملموس.
جاء ذلك في مقال نشره قشلاقجي، اليوم الخميس، في صحيفة القدس العربي تحت عنوان “تعال واسترح قليلا أيها الإنسان”.
وقال قشلاقجي، إنه “في هذه المرحلة التي وصل إليها عالمنا بسبب فيروس (كورونا)، أصبح من الضروري تأسيس نظام تفكير جديد، وأخلاق جديدة، فالبشرية تحتاج اليوم إلى فكر يحطم المألوف، بدلا من الفكر الذي يفرق بين الناس، لهذا علينا أن نحطم القيم العقائدية والأنماط والرؤى والأفكار، التي فرضها القرنان الماضيان على الإنسانية، مثلما حطّم سيدنا إبراهيم الأصنام”.
وتطرق قشلاقجي في مقاله لكتاب “تغيير العالم دون الاستيلاء على السلطة” للمفكر الفرنسي “جون هولواي”، والذي سلط الضوء على السلطة الحديثة، التي طُرحت فلسفتها في القرن الثامن عشر، وكيف أنها كانت تشبه المصنع، وكيف أن جميع الحركات والأحزاب اليسارية والماركسية التي وصلت إلى السلطة، سواء بالثورة أو بالطريقة الحزبية، تشبه بعضها في النهاية، وكذلك كيفية تحول الأشخاص الذين وصلوا إلى السلطة باسم الحرية والعدالة والمساواة، إلى آلات للاضطهاد.
ورأى قشلاقجي أن “الوقت قد حان لكي تتطهر الحركات الدينية المتأثرة بأفكار اليسار أو اليمين السائدة في القرن الماضي من الأدناس القديمة، لأن هدف كافة الجماعات المتطرفة منها والمعتدلة، هو الوصول إلى السلطة أو عرقلة الأفكار الأخرى التي تحاول الوصول إلى السلطة”، مضيفا أنه”حتى التشكيلات التي تقول ليس لدينا هدف لتولي السلطة، كانت بطريقة ما جزءًا من هذه اللعبة بواسطة الحركات اليسارية / اليمينية، أو الأحزاب التي دعمتها بشكل غير مباشر، وذلك لتحقيق غرض تجاري صغير، لأن الإخوة الكبار أو المعلمين أو الشيوخ كانوا بحاجة إلى كراسي بدلا من الجلوس على الأرض، وإلى مراكز فارهة بدلا من المراكز البسيطة”.
وأشار قشلاقجي إلى أنه “حين ننظر إلى تاريخ الإسلام نجد أنه لا القرآن ولا الأنبياء يتعهدون بالسلطة، بل كانت فكرة الإسلام عبارة عن ثورة أي تحطيم المألوف، وكسر الأفكار القديمة والمتحجرة، وهنا يكمن السر وراء قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما تعهد المشركون بمنحه السلطة والأموال الكثيرة، إنه (لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته)”.
وتابع قائلا، إنه “عندما تنظرون بدقة إلى الحركات الجهادية والكيانات السياسية التي نشأت بعد الثمانينيات، ستظهر الأمراض الموروثة من اليسار واليمين، خلف المرض والفشل الذي هي غارقة فيه، ورغم أنه لا يمكن إنكار إنجازاتها الجزئية إلا أنه عندما ننظر على الصعيد العام، فإن التصرفات مثل تدمير المفاهيم الدينية وفقدان العديد من الشباب، لا يمكن تعريفها إلا بالفشل”.
ورأى أن “الطريق للتخلص من الفراعنة والطغمات العسكرية والنمارِدة الجُدد الذين انتهكوا القيم الدينية ومزقوا الأمة، وأصبحوا عبيدا للغرب وقتلوا شعوبهم، سيكون عبر شرارة فكرية صغيرة، وكذلك الطريق لمحاربة القوى العالمية، التي تهين وتقتل الكرامة الإنسانية في أمريكا اللاتينية وافريقيا والشرق الأوسط وآسيا، لا يمر من السلطة بل من خلال فكر قوي يدافع عن الإنسان ويحطم كل الأصنام القائمة بين الإنسان والله سبحانه وتعالى، ويجب أن يعي المسلمون جيداً كيفية تحقيق هذا الأمر لأن القرآن مليء بأمثلة على ذلك، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم تكشف لنا هذا الأمر بشكل ملموس”.
وختم قشلاقجي مقاله قائلا، إن “الشيء المهم ليس الاقتراب من النصوص البكداشية، وإنما طرح نظرة شاملة، كما ينبغي على التكتلات الدينية كلها اليوم أن تستخدم في خطابها عبارة “يا أيها المسلمون” بدلا من “يا أعضاء جماعتي”، وأن تكون قادرة على طرح رسالتها للبشرية جمعاء بعبارة “يا أيها الناس”، لأننا نحتاج اليوم مفكرين مسلمين يدافعون عن حق كل إنسان ويستخدمون اللغة التي يفهمها كل شخص، من اليابان إلى أمريكا اللاتينية، بدلا من الشركات العالمية التي أقسمت على تسميم البشرية برمتها، وأثناء بناء هذا الخطاب، ينبغي أن لا نقضي على الاختلافات أو نقع في حفرة سخيفة، مثل وحدة الأديان ووحدة المذاهب”.