• 16 أبريل 2024

في الخامس من يونيو/حزيران 2017، استيقظ الشعب القطري على أخبارٍ تفيد بفرض حصار جوي وبري وبحري على بلدهم من جانب السعودية والإمارات ومصر والبحرين وحلفائهم. أصابهم الذهول، وشعروا بأنهم تعرضوا للخيانة من جيرانهم.

 

ستكشف تلك الأزمة التحالفات الحقيقية وتعززها، لا سيّما التحالف بين قطر وتركيا . يشير التاريخ إلى أن أول تواصل سياسي بين الأتراك والقطريين كان في عام 1871، عندما دخل العثمانيون قطر بدعوة من الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني.

 

نتج عن ذلك انضمام محافظة/ ولاية جديدة إلى الإمبراطورية العثمانية؛ في تحالفٍ بين عائلة آل ثاني -العائلة الحاكمة في الدوحة- والسلطان العثماني عبد العزيز في اسطنبول.

 

شهد ذلك التحالف أزمته الخاصة، ومثل العديد من القصص الأخرى عن الاستعمار البريطاني، انتهى بالرضوخ إلى المخططات الإمبريالية. أسفر سقوط العثمانيين الذي تلى ذلك، ونشأة الدول القومية الحديثة، إلى تغيير نسق وسياسات العالم الإسلامي بأكمله جذرياً.

 

ثم جرت محاولة حقيقية لإعادة تقييم طبيعة الحدود الاستعمارية المصطنعة المفروضة على المحافظات السابقة للإمبراطورية العثمانية (تركيا).

 

وفي الوقت نفسه، يثمر التعاون الملموس لإعادة إنشاء وتصور نظام إقليمي مستقل خالٍ من أي هيمنة استعمارية جديدة، عن نفوذ جيوسياسي وليد.

 

ترددت هذه الرؤية في الشوارع عندما كان الملايين يجوبون الشوارع خلال ما عُرف باسم الربيع العربي.

 

يمكننا القول بأن الشرق الأوسط اليوم ليس ساحة معركة دينية بين السنة والشيعة، كما يزعم بعض الطائفيين، وإنما هناك معركة سياسية قائمة بين مجموعتين من أجل فرض السيطرة: المجموعة الرباعية العربية المكونة من السعودية والإمارات ومصر والبحرين (وحلفائهم)، والمحور التركي-القطري.

 

وهو تعميم ضروري لمعركة النفوذ في المنطقة، وهناك الكثير مما يمكن قوله عن الدور الذي تلعبه إيران والأطراف الفاعلة التابعة لها من غير الدول.

 

إلا أن هذين التحالفين يمثلان رؤيتين مختلفتين تماماً لمستقبل الشرق الأوسط. سعى الربيع العربي إلى ترسيخ الديمقراطية في منطقة مليئة بالحكام المستبدين، وقد وقفت تركيا وقطر إلى جانب طموحات الشعوب أثناء ذلك. بينما على الجانب الآخر، آمنت حكومات المجموعة الرباعية العربية بأن تلك الثورات تشكل تهديداً لعروشها ومن ثم ساندت ثورات مضادة تقاوم التغيير المحتمل للأنظمة في مصر، أدى ذلك إلى انقلابٍ عسكري على الحكومة المُنتخبة ديمقراطياً، ومذبحة طالت الآلاف من مؤيدي الديمقراطية في ميدان رابعة العدوية.

 

أما ثورة السعودية المضادة فقد تبدّت في حربها في اليمن، والتي أسفرت عن ما وصفته الأمم المتحدة بالكارثة الإنسانية الأسوأ في عام 2018.

 

بينما تزايد العنف الوقح لحاكم المملكة الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نتيجة للتخاذل الدولي عن التحرك ذي الأعمال الوحشية التي ترتكبها قواته في اليمن.

 

إذ قام باعتقال شخصيات بارزة من نشطاء حقوق الإنسان، وممثلات عن حركة حقوق المرأة، واحتجاز أفراد من العائلة المالكة وإجبارهم على صفقات مالية من أجل نيل حريتهم، كما اعتقل رجال الدين المرموقين الحكماء بمعزلٍ عن العالم، ثم قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي -الداعي للديمقراطية والإصلاح- داخل القنصلية السعودية في اسطنبول.

 

في هذه الأثناء، قامت الإمارات بالتدبير للانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016 وتمويله، وبالتدبير للانقلاب الناجح في مصر، إضافة إلى محاولة فاشلة أخرى للإطاحة بحكومة تونس.

 

كما شهدت الآونة الأخيرة عدة مشاريع اقتصادية شريرة في الصومال، لا تهدف إلا إلى ردع العدو وليس تطوير الاقتصاد الصومالي.

 

عرقلت المجموعة الرباعية العربية عملية إرساء الديمقراطية مراراً وتكراراً، وسالت دماء كثيرة نتيجة لتدخلها غير المرغوب.

 

ببساطة، فإن المعركة الدائرة بين المجموعتين هي معركة بين المؤمنين بالتقاء الديمقراطية والإسلام في أيدي الشعب، وبين من يعارضون الديمقراطية في العالم العربي بأي ثمن خشية خسارة نفوذهم. وليست مصادفةً أن المعارضين السياسيين وعلماء الدين القادمين من الدول التي تعارض الثورات، وجدوا ملجأ لهم في قطر وتركيا، بما فيهم الشيخين يوسف القرضاوي وعمر عبد الكافي اللذين يعيشان في الدوحة، إلى جانب عدد من العلماء من جامعة الأزهر الشهيرة في القاهرة، الذين يقيمون حالياً في اسطنبول.

 

فضلاً عن ذلك، دافع المحور التركي القطري –علناً- عن حركات المقاومة الفلسطينية، بل سمح بلجوء مسؤولي حماس إلى عواصمهما. وسرعان ما تحولت الحرب الأيديولوجية بين التحالفين إلى صراع بالوكالة من أجل السيطرة على المستقبل.

 

المصدر: عربي بوست

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *