نترككم مع تقرير يروي قصة الشهيد التركي محمد يلماز مع والدته، حيث أرسل لها رسالتين إلكترونيتين قبيل استشهاده في إدلب.
ويروي التقرير جانباً من الحوار الذي دار بين السيدة خديجة يلماز، والدة الرقيب في جيش المشاة التركي محمد يلماز، وبين ابنها الشهيـد محمد، الذي كان يتحدث لها عن ما يشاهده بإدلب.
“نتقاسم المؤون الخاصة بنا مع هؤلاء الأطفال، ونوزع عليهم الشكولاتة، إنهم وحيدون، لا أتحمل حينما أراهم، يتألم قلبي بشدة، ملابسهم ممـزقة، لا أحذية أو جوارب بأقدامهم، عيونهم تطـلق هنا وهناك نظرات كلها خـوف؛ فلا مدارس هنا ولا محال تجارية”.
كان هذا جزء من رسالة إلكترونية بعثها الرقيب في سلاح المشاة التركي، محمد يلماز، إلى أمه، قبل أسبوع واحد فقط من استشهـاده في قصـف النظام السوري على إدلب يوم 27 فبراير/شباط المنصرم، ليحكي لها مـأساة يعيشها أطفال قرية قصـفـتها قوات بشار الأسد، مرفقة بصور لهؤلاء الأطفال.
الشهيد يلماز، ابن ولاية كوتاهيا غربي تركيا، انخـرط في عمله العسكـري قبل عامين إثر حصوله على قسط من التعليم بولاية إسبرطة (جنوب غرب)، وانتقل إلى إدلب ضمن القوات التركية منذ فترة.
الجنود الأتراك أمل أطفال إدلب
وقبل أسبوع واحد من وفـاته، بعث يلماز برسالتين إلكترونيتين إلى والدته خديجة يلماز، مرفقة بصور له مع جنود أتراك آخرين، وأطفال بالمنطقة.
ومضيفا في رسالته السابقة، أكمل يلماز سرد الحالة المــزرية التي يعيشها الأطفال في إدلب، قائلا: “بعض هؤلاء الأطفال لا عائلات لهم، ومعظمهم كانت لا توجد جوارب في أقدامهم.
جمعناهم كلهم وألبسناهم من جواربنا، وأعطيناهم كذلك ملابس. أمي الحـرب هنا تـدمر حالتهم النفسية جميعا. هم يعيشون بهذا الشكل بسبب ما يفعله الآخرون، وعندما يروننا ينظرون إلينا وعيونهم كلها أمل، ونحن قدر المستطاع نعمل على إسعادهم، ونتقاسم معهم المأكل وكل ما نملك”.
وتابع: “هؤلاء الأطفال يا أمي لا غصن لهم يتمسكون به سوى الجنود الأتراك، ونحن بينما كنا في تركيا قبل المجيء إلى هنا كنا نتـبطر ولا يعجبنا هذا الطعام أو ذاك. أما الناس هنا يا والدتي فلا يجدون لقمة الخبز، ولا أحد يهتم بهم”.
واستطـرد: “نحن مرابطون هنا يا أمي حتى تأتينا الأوامر، وطيلة وجودنا هنا لن يمس هؤلاء أي ضرر، ولن يستطيع أحد أن يمـس شعرة من هؤلاء الأطفال، العالم أجمع يسأل عن سبب وجودنا، ولولا وجودنا من كان ليساعد هؤلاء الأطفال”.
وفي رسالة أخرى أرسلها الرقيب الشهيد يلماز بعد يومين من الرسالة المذكورة أعلاه، كتب أن عناصر النظام قاموا بقـصف قرية أولئك الأطفال الذين يساعدونهم، وقص الأمر بقسـوته ومـرارته.
“محمد شهيد محب للأطفال”
وقالت الأم خديجة يلماز إنها كانت وابنها الشهـيد يعيشان كصديقين، مشيرة إلى أنه بعد أن توجه إلى إدلب تنفيذا للأوامر العسكـرية، كانت تتحدث معه عبر الهاتف لأوقات طويلة.
وتابعت قائلة: “إحساس جميل أن أكون أمًا لشهــيد، ومكانة ابني في الجنة عالية. أشعر بالفخر باستمرار حينما أرى بقلبي مكانته هناك عند ربه. محمد ولدي كان يملك قلبًا حساسًا للغاية؛ فهو قبل أن ينخـرط في العمل العسكـري كان يحب الأطفال كثيرًا”.
وأضافت قائلة: “حينما اشتغل في قطاع التجارة لفترة، كان يحرص على إعطاء الأطفال من يوميته، رغم أنها كانت قليلة، وكان يوزع عليهم الشكولاتة. كنت كثيرا ما أطالبه بالتوفير والاقتصاد، لكنه كان يرفـض، وكان يحب إدخال الفرحة والسرور على الأطفال. أنا سعيدة لكوني أمًا لابن كمحمد، وهذا أيضًا يجعلني أشعر بالفخر”.
وأردفت الأم خديجة قائلة: “كما أن ابني كان عاشقًا لعلم وطنه. كنت لا أرغب في ذهابه إلى إدلب، لكنه كان يقول لي: إذا لم أذهب، وهذا لم يذهب، وذاك لم يذهب، فمن سيذهب يا أمي؟”.
بدوره قال الوالد حسين يلماز، إن نجله ذهب إلى سوريا وهو راغب في ذلك.
أما الشرطي إبراهيم يلماز، الشقيق الكبير للشهـيد محمد، فقال إنه تــألم كثيرًا لفراق أخيه، مشيرًا إلى أنه بعد مواراة جثمـانه الثـرى، تحولت كل مشاعر الحـزن والألـم إلى شعور بالفخر لاستشـهـاد شقيقه.
وأوضح إبراهيم أن شقيقه الشهــيد “كان يحب الأطفال كثيرا، وكان مفعمًا بالحسـاسية تجاههم، وهذا ما كان عليه وهو هنا بيننا وكذلك وهو في إدلب يؤدي واجبه الوطني”.
أما أمره يلماز، الشقيق الأصغر للشهـيد محمد، فقال إنه تعهد إلى والدته عندما تلقى نبأ استشهاد شقيقه، بأن يخلد اسمه، ويحقق آماله التي كان سيحققها لو كان في الأجـل فسـحة.
من جانبه، قال علي قاضي يوران، صديق الطفولة للشهـيد محمد، إن الأخير ضرب أروع الأمثلة على أن الناس يمكنهم أن يعيشوا أخوة حتى ولو لم تكن بينهم رابطة دـم.
وأسفر هـجـوم قوات النظام السوري في 27 فبراير/ شباط 2020 عن استشـهـاد 34 جنديًا تركيًا، ما دفع الجيش التركي لبدء عملية “درع الربيع” العسكـرية، ضـد قوات النظام السوري في محافظة إدلب.