• 29 مارس 2024
 روائع من التاريخ العثماني 7 .. صور من تواضع السلطان ياووز سليم الأول

قصص من تواضع السلطان القوي ياووز سليم الأول

روائع من التاريخ العثماني 7 .. صور من تواضع السلطان ياووز سليم الأول

نستمر مع حضراتكم في سلسلة روائع من التاريخ العثماني، مع قصص وعبر جديدة، وبطل قصصنا لهذه الحلقة؛ السلطان الشهير سليم الأول والذي يشتهر بلقب ياووز أي القوي، وبالرغم من قوة السلطان وحضوره وسطوته التي أرعبت أوروبا بأسرها، إلا أنه كان يحمل بداخله تواضع جم يعكس قوة وتوازن السلطان الذي حكم دولة مترامية الأطراف بسيف القوة والقلب الرحيم.

ونشارككم الآن ثلاث قصص من قصص هذا السلطان العظيم المتواضع:

روائع من التاريخ العثماني .. السلطان ياووز سليم والعالم الديني ابن كمال

كان السلطان “سليم الأول” راجعاً مع جيشه من مصر إلى إسطنبول بعد ان دانت له مصر والشام والحجاز، وبعد أن أصبح أول خليفة في آل عثمان، وكان يسير في المقدمة على صهوة جواده الأصيل، وهو يتسامر مع “ابن الكمال”، وكان من كبار علماء عصره، يتبعهما الوزراء والقواد.

وبينما هما يتسامران إذا بفرس العالم ابن الكمال يجفل، ويضرب برجليه الأرض المغطاة بالوحل، فتتناثر الوحل على قفطان السلطان على شكل بقع كبيرة.

اصفرَّ وجه ابن الكمال، فقد أيقن بالهلاك، وهلعت قلوب الوزراء والقواد، فقد توقعوا أن يطيح السيف برأس العالم، ولكن السلطان خلع بكل هدوء قفطانه الملوث بالوحل، ودعا بقفطان آخر قائلا لابن الكمال:

إن هذا القفطان الذي تلوث بوحل متناثر من رجل فرس عالم كبير مثلك؛ سيكون من أثمن الأشياء عندي، وأنا أوصي بالاحتفاظ به ووضعه على تابوتي في أثناء تشْيعي للقبر عند وفاتي.

وحققوا وصيته عند وفاته … فقد وضعوا على تابوته هذا القفطان الملوث بآثار الوحل، وشيّعوه هكذا حتى قبره.

اقرأ أيضاً: روائع من التاريخ العثماني 5 .. عدالة القضاء حتى مع السلطان

روائع من التاريخ العثماني .. السلطان ياووز سليم في جامع دمشق

دخل السلطان “سليم الأول” (1470-1520م) إلى أكبر جامع في دمشق؛ لأداء صلاة الجمعة … كانت هذه أول صلاة جمعة له يصليها في دمشق بعد فتحه في (27 من أيلول سنة 1516م).

كان في الصف الأول قرب المحراب وعن يمينه وشماله وزراؤه، وقواده ووجهاء دمشق وعلماؤه. وبعد أن قُرئ القرآن، وصُلّيت النوافل، صعد الخطيب إلى المنبر، وكانت هذه أول خطبة يذكر فيها اسم السلطان سليم، ولكن الخطيب عندما وصل إلى الدعاء التالي: (اللهم انصر السلطان سليم، سلطان البر، وحاكم الحرمين)؛ عند ذلك رفع السلطان سليم رأسه، وقال مخاطباً خطيب الجامع:

– لست حاكم الحرمين … بل أنا خادم الحرمين … غيّر خطبتك على هذا الأساس.

وأعاد الخطيب الدعاء، ولكن بالصيغة التي رغب فيه السلطان سليم.

الهوامش: كانت الحجاز آنذاك تابعاً لمصر، وعندما فتح السلطان سليم مصر في (24 من آب سنة 1516م) أصبح الحجاز تابعاً له، وأرسل إليه شريف مكة آنذاك “بركات” ابنه إلى السلطان سليم، وهو في مصر حاملاً إليه مفاتيح مكة والمدينة وكذلك الأمانات المقدسة: وهي الآن محفوظة في متحف “طوب قابي” في اسطنبول 

روائع من التاريخ العثماني

المسجد الأموي في دمشق (مسجد دمشق) - روائع من التاريخ العثماني
المسجد الأموي في دمشق (مسجد دمشق) – روائع من التاريخ العثماني

روائع من التاريخ العثماني .. السلطان ياووز سليم يدخل إسطنبول متخفياً

حكم السلطان سليم الأول الملقب بـ “ياووز”، (1470-1520 م) ثماني سنوات فقط (1512-1520 م)، ولكنه حقق في هذه السنوات الثمانية من الأعمال ما لا تسعها أضعاف هذه السنوات.

عندما رجع هذا السلطان من حملته المشهورة على مصر، والتي ألحق فيها للدولة العثمانية؛ سورية، وفلسطين، وشمالي العراق، والحجاز، ومصر، واستلم فيها الخلافة ايضاً… عندما رجع متوجهاً الى عاصمته اسطنبول واقترب منها؛ علم أن أهالي اسطنبول سمعوا بقدومه، وأنه أصبح على مقربة من العاصمة؛ لذا فإنهم يخرجون كل يوم ويملئون الشوارع انتظاراً لقدومه، ولرؤيته وللاحتفال به، والهتاف بحياته بعد أن تكللت حملته بهذه السلسلة الباهرة من الانتصارات.

ضاق صدر السلطان بما سمع، فأمر الجيش أن يعسكر في القسم الآسيوي، وألا يدخل إلى مدينة اسطنبول (حيث كانت في القسم الأوروبي آنذاك) حتى إصدار أمره بذلك.

احتار الوزراء والقواد والجنود، ولم يعرفوا سبب هذا الأمر والداعي إليه، ولم يجد أحد في نفسه الجرأة لسؤال السلطان عن معنى، ومغزى هذا الأمر، الذي نفذوه فوراً، فهم في النهار، وليس أمامهم للوصول الى اسطنبول إلا ساعة، أو ساعتين فَلِمَ هذا التأخير، والجميع في شوق إلى بيته وإلى أولاده وزوجته؟ ولم هذا التأخير وأهالي اسطنبول تنتظر قدوم السلطان على أحر من الجمر؟، وقد احتشدت في الشوارع والساحات للاحتفال به، وبجيشه المنتصر وللهتاف بحياته، والدعاء له.

انتظر الجيش والقواد على مضض، والكل يأمل أن يغير السلطان رأيه فيسمح لهم بدخول إسطنبول … ولكن الساعات مضت، وبدأت الشمس تميل للغروب، وليس هناك من إشارة الى تبديل رأي السلطان … ولكن من يستطيع أن يكلم السلطان؟ تشاور الوزراء والقواد حول هذا الأمر، فلم يجدوا أفضل من العالم “ابن الكمال”، الذي كان السلطان يحترمه، ويقوره جداً ويحبه.

كلموا ابن الكمال فقبل ذلك، وأخذ على عاتقه مراجعة السلطان في الأمر، استأذن ابن الكمال في الدخول على السلطان، فأذن له.

ولما مثل بين يديه قال للسلطان:

– عندي ما أقوله لكم أيها السلطان.

– هات ما عندك يا ابن الكمال.

– إن جنودك يا – مولاي – في حيرة، وهم يتساءلون: لماذا لا يدخل السلطان إلى اسطنبول؟ مع أن أهاليها ينتظرونه هناك في شوق؛ لكي يهتفوا بحياته ويحتفلوا بقدومه، وبقدوم جيشه المنتصر.

فأجابه السلطان سليم هذا الجواب الرائع الذي حفظه التاريخ:

– ألا تعرفني بعد يا ابن الكمال؟ إننا لم نحارب من أجل الشهرة والمجد، أو من أجل الحصول على الهتاف بحياتي … لم نحارب إلا في سبيل الله ومن أجل الحصول على رضاه.

وعندما أقبل المساء أمر الجيش بدخول المدينة، وركب السلطان زورقاً مع بعض حراسه ودخل المدينة، وتوجه الى قصره دون أن يعلم أحد من أهالي اسطنبول بقدومه.

اقرأ أيضاً: روائع من التاريخ العثماني 6 .. قصص من سير السلطان جامع غبار الجهاد

المصدر: كتاب روائع من التاريخ العثماني – للمؤلف: أورخان محمد علي

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *