• 12 مايو 2024

الدبلوماسية التركية والحرب الأوكرانية ونجاحات عدة

الدبلوماسية التركية والحرب الأوكرانية ونجاحات عدة

العقيد فايز الأسمر – باحث في القضايا السياسية والأمنية الشرق أوسطية – الدبلوماسية التركية والحرب الأوكرانية – لاشك أن الغزو الروسي لأوكرانيا وجملة العقوبات الأمريكية والأوربية التي فرضت على” موسكو “، كان لها ارتداداتها الإقتصادية والمعيشية الكبيرة، التي أرخت بظلالها وأعباءها الثقيلة وبشكل غير مسبوق على كل دول العالم كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها، ولكن بالتأكيد شعرت البلدان الفقيرة المنتشرة في آسيا وأفريقيا فيها أكثر بكثير من غيرها، وذلك يعود لعدة أسباب لعل من أهمها المديونيات والعجز الكبير في الميزان التجاري والإقتصادي لتلك الدول ، والذي يترافق دائما مع الإنخفاض الشديد في نسبة مدخول الشريحة العظمى لمواطني هذه الدول، وعجزهم عن مجاراة واستيعاب الغلاء الفاحش في اسعار  المواد النفطية والغذائية وخاصة في القمح والحبوب، و أسعار الخبز الذي يعتبر من اساسيات قوت الشعوب الفقيرة، ناهيك عن تضاعف أسعار المواد الغذائية المرتبطة الأخرى أضعافا مضاعفة، ويأتي هذا كله مجتمعا نتيجة إنعكاسات الحرب الأوكرانية وتأثير العقوبات المفروضة على روسيا، و الإرتفاع غير المسبوق والمفاجئ في أسعار النفط والغاز والمشتقات البترولية، التي تعد روسيا من أهم مصدريها إلى كافة الدول الأوروبية.

عمليا فإن روسيا وأوكرانيا تعتبران من أهم وأكبر الدول المنتجة والمصدرة للأسمدة والقمح والحبوب بأنواعها، إضافة للزيوت النباتية المهدرجة، حيث تعتبر هذه المواد الأساسية العصب الرئيسي والهام لكثير من الصناعات الغذائية، وبالتالي فإن توقف صادراتها من هذين البلدين بسبب الحرب أدى وسيؤدي لزيادة كبيرة وخطرة في مستويات ونسب الجوع والفقر في العالم.

تركيا وعدم مجاراة الغرب في العقوبات

في الواقع ومنذ أن فرضت لوائح وحزم العقوبات المتعددة و السريعة المتخذة من قبل واشنطن، و الغالبية العظمى من الدول الأوربية، والتي تهدف إلى التضييق على “موسكو” وممارسة الضغوط عليها بهدف”شل” قدراتها الإقتصادية والمالية، وإجبارها وفقا اذلك وحسب توقعاتهم على إيقاف غزوها وحربها على أوكرانيا، وحقيقة الأمر لم يحدث شيئ من هذا حتى الآن، بل شارفت العمليات في هذه الحرب المكلفة للطرفين على دخول شهرها السادس بدون أي مؤشرات على احتمالية توقفها قريبا.

حقيقة فإن تركيا  ومنذ بداية الغزو الروسي نأت بنفسها جانبا، واتخذت في هذه الحرب عموما وفي شأن العقوبات الدولية موقفا وسطيا ولنقل (أشبه بالمحايد)، وتقوم رغم بعض الضغوط بما بمكنها للمحافظة َوالثبات على هذا الموقف المتخذ، وتجنبها وبحكمة من التفكير في اتخاذ أي قرارات سياسبة أو مواقف مفصلية حاسمة، توحي أو تشير إلى ميلها لأحد أطراف الصراع دونا عن الآخر، ومرد ذلك حسب القيادة التركية  لعدة أسباب رأت انها اكثر أهمية بالنسبة لها وللعالم وهذه الأسباب تنخصر في الأمور التالية:

  1. حرص أنقرة الشديد بعدم التورط والدخول في متاهات الصراع بجميع صوره وأشكاله، ومع أي طرف كان من الأطراف ( موسكو وأوكرانيا)، أو مع الإصطفافات السياسية والعسكرية التي أحدثتها أو التي ستحدثها هذه الحرب الآن ومستقبلا.
  2. استثمار حيادها الذي سيمكنها حتما في أن تلعب دور الوسيط المقبول بين أوكرانيا والناتو والغرب من ناحية  وروسيا من ناحية أخرى لوقف الحرب مستقبلا   أو أقلها في تقريب وجهات النظر في المسائل والملفات المتعلقة الأخرى.
  3. حرصت أنقرة ايضا من خلال موقفها المحايد هذا، إلى عدم تحمل أية أعباء أو تبعات سياسية واقتصادية وتجارية ، أوتكبد أي خسائر  هي بغنىً عنها قد تنجم من ارتدادات وإنعكاسات الحرب والمواقف الناشئة عنها .
  4. إن حكومة أنقرة كما أشارت وتشير كل المعطيات السابقة و الحالية، لاتؤمن بجدوى سياسة العقوبات وتعارض فرضها، بل وتؤكد على أن العقوبات المفروضة تلك في العموم لن تركع القيادات والأنظمة السياسية، وخاصة القمعية منها، وذلك مثلما حصل في سوريا والعراق وايران وغيرها من الدول الكثير بل ستطال تأثيراتها الثقيلة والمضنية في الغالب شعوب هذه الدول لا أكثر.

الدور التركي في اقناع موسكو فتح ممرات تصدير الحبوب الأوكرانية

من خلال مراقبة  تطورات أحداث الحرب الأوكرانية الدائرة بالقرب من حدودها الشمالية، فالواقع يشير  إلى  أن تركيا كانت محقة في رؤيتها وفي فطنتها السياسية، وحساباتها وقدرتها على قراءة واستقراء الأحداث والمواقف، والإصطفافات الناجمة عن هذه الحرب بشكل صحيح ومبكر، وعليه فقد كانت القرارات المتخذة من قبل قيادتها السياسية مدروسة بعناية وبشكل لافت، وخاصة في تفضيلها الوقوف المحايد أو لنقل “مجازا” في «الوقوف في المنتصف»، رغم عدم قبولها وبشكل صريح منذ البداية ضد الإعتداء الروسي السافر على أوكرانيا وحرصها الشديد على سلامة ووحدة أراضيها.

في الواقع فإن صوابية الرؤية والمواقف التركية أعطتها فعلا دور الوسيط المقبول من قبل كلا الطرفين، وعليه فلقد لعبت الدبلوماسية التركية دورا نشطا وهاما في ملفات عدة، أهمها قدرتها على استضافة جولات لمفاوضات قامت على اراضيها بين طرفي النزاع (موسكو وكييف)، وأيضا نجاح مسعاها الأهم السابق في جمع وزيري خارجية روسيا  سيرغي لافروف” ونظيره الأوكراني “دميتري كوليبا ” برعاية من وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، وذلك على هامش «منتدى أنطاليا» الذي عقد في شهر آذار الماضي، وهاهي الآن مرة ثانية أي أنقرة تنجح في عملية ومباحثات حل أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية عبر ممرات آمنة ستفتح في” البحر الأسود”، لضمان إمدادات الأمن الغذائي العالمي، وذلك بعد الوصول عبر الإجتماع الرباعي الذي عقد قبل عدة أيام في اسطنبول وتمخضه كما صرح وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار“، بالإتفاق على إقامة «مركز مراقبة وتنسيق» مقره  أيضا في اسطنبول“ يشرف على إتمام عمليات تصدير الحبوب الأوكرانية وضمان  عمليات التفتيش للسفن وسلامة الملاحة والممرات المحددة للشحن وسيكون هذا المركز  تحت إشراف كل من  تركيا وروسيا وأوكرانيا وممثلين خاصين من الأمم المتحدة.

ختاما لاشك أن الحروب والصراعات الدولية مع اختلاف أشكالها، واالإستقطابات الناشئة نتيجة لذلك تفتح للدول أحيانا مجالات ونوافذ لزيادة تأثيرها وقوتها، وحتى تعزيز سياساتها الخارجية ومكانتها الدولية، وبلا أدنى فإن الحرب الأوكرانية الروسية قد أثرت تأثيرات خطيرة على النظام العالمي وأقطابه من كافة النواحي، وبالأخص من الناحيتين السياسية والإقتصادية، وعليه فإن الدول يجب أن تفكر  في ميزان الخسارة والربح التي وبشكل أو آخر ستؤثر عليها في مجالات عدة، وعليه فإن الدبلوماسبة التركية  من خلال موقفها الصريح من هذه الحرب استطاعت في زيادة مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي كونها لم تنحاز في مواقفها  لأي طرف من الأطراف وتمكنت وعلى الرغم من كونها عضوا اساسيا فعالا في حلف الناتو من تقديم نفسها كوسيطٍ نزيهٍ بين روسيا وأوكرانيا والناتو، بل واصبح الغرب ينظر إلى أنقرة ومساعيها الهادفة إلى وقف الحرب وعدم توسعها وامتدادها بنظرة التقدير والامتنان.

اقرأ ايضا: الجيش الروسي تخبط واستنزاف دامي في المستنقع الأوكراني

اقرأ ايضا: قاعدة التنف الأمريكية هم واهتمام روسي إيراني!

اقرأ ايضا: السعودية تنشط قبيل زيارة بايدن للمنطقة

اقرأ ايضا: قمة طهران الثلاثية والملف السوري وخمس سنوات من جولات بلا طحين !

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *