التجارة التركية لم تحقق إنجازاتها التي باتت معروفة لدينا جميعاً بمحض الصدفة، إنما مرت بالعديد من المراحل ما بين صعود وهبوط، ونجاح وفشل.
العديد من العثرات حالت في السابق بين التجارة التركية ونجاحها المبهر الذي وصلت إليه اليوم، حيث أثبتت حضورها القوي بين الدول المصدرة عالمياً وبمنتجات متنوعة، بدأت من الصادرات الزراعية وصولاً لصادرات عسكرية متطورة.
كيف وصلت التجارة التركية تركيا لأكثر من 200 بلد حول العالم ؟.
منذ أن أسست الجمهورية التركية في 29 أكتوبر عام 1923، كرست الحكومات التركية المتتالية جهودها من أجل النهوض بالاقتصاد التركي، وخاصة ملف الصادرات، لكن حالت بعض الظروف العالمية والأزمات بين الأحلام التركية وتحقيقها على أرض الواقع.
بداية التجارة التركية كانت في السنوات الأولى للجمهورية، بعد أن وضعت حجر أساسها الفعلي في مؤتمر إزمير للاقتصاد في الفترة من 17 فبراير إلى 4 مارس عام 1923، لتشق الجمهورية الوليدة آنذاك طريقها الصعب والطويل للوصول إلى القمة.
في ذلك الوقت كانت كل الصادرات التركية تتمحور حول الصادارت الزراعية فقط، واستمر هذا الوضع حتى خمسينيات القرن الماضي، ولكن في تلك الفترة لم يكن لدى الأتراك من الخبرة التجارية ما يساعدهم في تحقيق ما يسعون إليه، وكذلك ساهم نقص رأس المال في فشل المخططات التجارية التي وضعت على الورق.
في العشرين عام الأخيرة، أي مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا، تغير الوضع التجاري 180 درجة، نحن نتحدث عن 20 سنة فقط، وهي مدة غير كافية لتحقيق نجاح ملموس خاصة لدولة كبيرة مثل تركيا.
ورغم أن حزب العدالة والتنمية تسلم زمام الأمور في وقت كانت البلاد فيه تعاني من أزمات متعددة، إلا أنه استطاع أن يصعد بتركيا في ملفات عدة وعلى رأسها الملف التجاري والاقتصادي، حيث تنوعت الصادرات التركية، بل إنتشرت في أرجاء المعمورة، لتصل عبارة “صنع في تركيا” لأكثر من 200 دولة وتضاعفت أرقامها 10 مرات عن السابق، لتبلغ اليوم حصيلة الصادرات التركية 250 مليار دولار سنوياً.
وفي عام 1980 تحققت النقلة النوعية للصادرات التركية، حيث بدأت الصادرات الصناعية تدخل القائمة رويداً رويداً، وكان ذلك في عهد رئيس الوزراء “تورغوت أوزال”، وكانت قيمة الصادرات التركية وقتها يبلغ ما مجموعه 3 مليارات دولار، وسمي بعصر التحرير حيث لم تعد فقط الصادرات الزراعية هي المسيطرة، وفي عام 1993 ومع إنشاء جمعية المصدرين الأتراك، وصلت رحلة الصادرات التركية إلى درجة أعلى بقليل عما كانت عليه.
وبعد أن كانت تركيا تصدر منتجاتها إلى عدد قليل جداً من الدول، أصبحت اليوم تصل منتجاتها إلى 220 دولة حول العالم، وهذا يوصف بالانتصار المبهر، حيث لا توجد ولاية تركية لا تشارك في صناعة الصادرات التركية، 81 ولاية جميعها تساهم بصناعات و منتجات مختلفة من أجل التصدير.
اقرأ المزيد..وكالة ستاندرد آند بورز ترفع توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي
ومنذ العام 2000 زادت الصادرات التركية عشرة أضعاف، حيث كانت تصدر في ذلك الوقت ما قيمته 28 مليار دولار، وسبق أن أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أنه خلال حكم حزب العدالة والتنمية للبلاد طوال العقدين الماضيين تضاعف عدد المصدّرين 4 مرات.
في الوقت الراهن تضع جميعة المصدرين الأتراك خطة لزيادة أرقام الصادرات لتصل إلى 300 مليار دولار سنوياً، وذلك بالتعاون مع الدولة وما ستوفره لهم من تسهيلات وخدمات تساعد في تحقيق الأهداف المرجوة.
البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية “EBRD” رفع من توقعاته لنمو للاقتصادر التركي خلال هذا العام من 2% إلى 4.5%، وعلل ذلك التوقع بسبب زيادة الطلب على المنتجات التركية في الأسواق المحلية، وكذلك الزيادة في الصادرات.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في يونيو/حزيران الماضي، خلال الاجتماع رقم 29 لجمعية المصدرين الأتراك إن صادرات بلاده بلغت 243 مليار دولار خلال أخر 12 شهر، وكشف أن نسبة تركيا في في حصص الصادرات العالمية ارتفعت إلى 1.05%.
اقرأ أيضاً..توقعات بنمو الاقتصاد التركي الى 5.2% في العام الحالي
وأكد أردوغان أن الصادرات التركية باتت تصل إلى 217 دولة ومنطقة حول العالم، وأعتبر ذلك مؤشراً على الخطوات الحازمة التي تتخذها تركيا لزيادة الإنتاج والتوظيف والتصدير والاستثمار.
وفي مطلع أبريل/نيسان الماضي أعلن وزير التجارة التركي محمد موش أن عائدات الصادرات التركية في مارس/آذار الماضي حققت رقماً قياسياً غير مسبوق على صعيد الصادرات الشهرية طوال تاريخ الجمهورية، بعد ارتفعت بنسبة 19.8%، لتبلغ 22.7 مليار دولار أمريكي.
وإضافة للصادرات التركية من المصنوعات والألبسة والطعام وغيرها، فإن تركيا دخلت عالم الصناعات الدفاعية بشكل ملحوظ و مؤثر، مثل صناعة طائرات بيرقدار المسيرة التي باتت تباع للعديد من الدول، فضلاً عن صناعات أخرى تتعلق بالمجال العسكري من مركبات وطائرات وسفن حربية.
وفي هذا الملف تسعى تركيا لتكون واحدة من الدول التي تعتمد على نفسها في التسليح بنسبة كبيرة، وهذا ما يبدو واضحاً في الوقت الراهن من خلال التطور الملفت في الصناعات الدفاعية التركية.