عبير النحاس، كاتبة سورية لها مؤلفات عديدة، عمدت إلى تأسيس “دار أزرق للنشر والتوزيع”، للنشر باللغتين العربية والتركية، بهدف حفاظ اللاجئين العرب على هويتهم، مع تسهيل اندماجهم مع الأتراك.
ولحبها الشهديد للبحر، أطلقت عبير اسم “أزرق” على الدار، وقد شاركت الدار في معرض إسطنبول الدولي للكتاب الشهر الماضي.
ولاقت الدار إقبالاً كبيراً من المشاركين في معرض الكتاب، وخاصة الأطفال، لما تملك من مطبوعات تلخص تجارب حياتية، تستهدف مختلف أفراد الأسرة.
وإلى الآن أصدرت الدار “آية في مملكة الشيبس”، “نهاية صداقة”، “القوقعة الثقيلة”، “ثورة الدمى”، “النمر التركي فخر الدين باشا”، “حكايات الفراق”، “لنبدأ من جديد الهوية والاندماج”.
وفي لقائها مع وكالة الأناضول، قالت النحاس إن قرار التأسيس يرجع إلى المرحلة الراهنة التي يمر بها العالم من حولنا، وخاصة العالم العربي والإسلامي، وتخاطب مطبوعاتنا شريحة المهاجرين العرب من أجل الحفاظ على هوياتهم وتسهيل الاندماج في المجتمع.
كما توجد أسباب أخرى، وفق عبير، منها: “ضعف المحتوى المقدم حاليا، بسبب استسهال الكتابة للطفل تحديدا، والكتابة بهدف الشهرة، وتداعيات الكتابة على مواقع التواصل”.
وشددت على أن “الهجرات الكبيرة والمجتمعات الجديدة تتطلب مواضيع تناسب هذا الواقع لمحاولة الحفاظ على الهوية، وتقديم ما أمكن من الدعم للاستمرار والتأسيس بقوة وإيجابية، وضرورة مساهمتنا في إعادة الدمج بين أبناء الشعبين العربي والتركي”.
وبشأن إن كانت قد واجهتها صعوبات خلال إطلاق دار “أزرق”، أجابت النحاس أن “الأمر ليس سهلا بالتأكيد، خاصة وأننا لا نملك إرثا في المهنة.. نعمل ونتعلم، ما يتطلب كثيرا من الجهد والعمل والتعلم والوقت، والمزيد من الصبر، والأهم هو المبادرة وعدم الاستسلام”.
وتابعت: “تأسيس الشركات في تركيا ميسر جدا للأجانب، لم أواجه مشاكل في التأسيس والمعاملات وما شابه، وقدم لي الأصدقاء الأتراك الكثير من المساعدة والمشورة، التي سهلت المهمة، وحاولت تقليل التكاليف ما أمكن”.
وأوضحت عبير أن “رأس المال هو من الصعوبات التي تواجه أي مشروع، وقد حللت الأمر ببعض الديون من أصدقاء وأقارب، وتلقيت تسهيلات في الدفع من المطبعة التركية، وبقيت مسألة التسويق، وهي من التحديات الكبيرة”.
بسعادة غامرة، تحدثت عبير عن مشاعرها تجاه ثمار دار النشر: “أي كلمات تعجز عن وصف سعادتي بوصول الكتب من المطبعة، وقد كانت الطبعات متميزة وراقية، وهو ما زاد سعادتي، علمت وقتها فقط أنني وضعت قدمي على أول الطريق، وهو طويل بلا شك، لكنه ممتع وذو فائدة”.
ومضت قائلة: “كانت البداية في معرض إسطنبول الدولي الخامس للكتاب، شاركنا بجناح دار أزرق، وكانت النتائج رائعة وفوق ما تخيلناه من ناحية المبيعات والعروض ومجالات التعاون التي قدمت لنا مع الدول العربية”.
وبالنسبة إلى مطبوعات الدار، قالت عبير: “أصدرت روايتين للأطفال وعشر قصص مترجمة إلى التركية، وهو نهج قررت السير عليه، كوني مؤمنة بأن التعليم عبر القصص والأنشطة أكبر داعم للتعليم التقليدي، وربما هو رافد مهم جدا له ومن أهم مكملاته”.
لم يقتصر الإنتاج على ذلك، إذ أصدرت الدار أيضا “مجموعة قصصية للكبار، وخمسة كتب موجهة للمرأة والرجل والشابات والشباب، وكتاب عن متعة التربية، وقد حاولت التوجه إلى كافة الشرائح في إصدارنا الأول لأحقق العدل”.
وبخصوص محتوى المطبوعات أوضحت أنها “تؤكد على نوع الشخصية الأنثوية التي أريد تقديمها، وهي الفتاة الشجاعة التي تعتمد على نفسها، وتغامر وتحل المشكلات، ولا تقبل الظلم، وهو مما ينبغي أن نغرسه في نفوس بناتنا”.
وشدت على أنها تلقت “ردود أفعال جميلة عبر تفاعل أتراك وعرب.. بعض من اشترى كتبا كان يرسل أصدقاءه، وبعضهم عاد ليشتري بقية العناوين، وقد حظيت بآراء أطفال قالوا إنهم استمتعوا بالقصص والروايات.. وهذا رائع جدا”.
فيما يخص تجربتها مع عائلتها في العمل بدار النشر، قالت الكاتبة عبير إن “هذه الدار عائلية.. خففنا التكاليف لأننا الكادر (العاملون) فيها.. ابنتي آية الدقاق تدرس سينما وتلفزيون، وقد رسمت مع أختها راما رسومات عديدة، وابني معاذ لديه أمور الإدارة والتسويق”.
وأردفت: “أركز على موضوع الهوايات لدى الطفل، وأدعو الأهل إلى هذا وبشدة في كتاباتي، أدرك جيدا أن عمل المرء في مجال هوايته وشغفه من أكبر أسباب السعادة والإبداع والتوازن النفسي، هذا إضافة إلى أن ابني هو من يقوم بتصميم القصص داخليا”.
تعتمد “أزرق”على النشر بالعربية والتركية داخل الكتاب الواحد، بحيث تقدم المحتوى بالعربية في جزء من الكتاب ثم تكرره بالتركية في الجزء الآخر.
و”الطفل عندما يقرأ الكتاب بلغته الأم يستمتع حين يعود إلى قراءته بلغة أخرى.. يتعلم ويستمتع بالتعليم عبر القصة والرواية والشعر والغناء، فهو رافد قوي للتعليم التقليدي”، بحسب عبير.
وتابعت: “أركز على هذه الناحية التي تساهم في الدمج المطلوب (للعرب في المجتمع التركي)، وبالتالي أعدنا الروابط مع الأتراك، لإنتاج ثقافة موحدة تساهم أكثر في عملية الدمج”.
وختمت عبير بقولها: “نحن في مجتمع تركي يحب اللغة العربية، ومجتمع عربي يريد الحفاظ على هويته، وبالتالي يناسبه هذه الطريقة (النشر باللغتين في آن واحد)”.