هو أول صدر أعظم من سلالة كوبريلي التي هيمنت على الشؤون الادارية للإمبراطورية العثمانية خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر بما يعرف بالحقبة الكوبيرلية. شغل رتبا متعددة في الولايات العثمانية، وفي العاصمة إسطنبول، وتولى وظائف كثيرة في الجيش والدولة.
واحداً من أعظم الشخصيات في تاريخ الدولة العثمانية بل في تاريخ الإسلام أجمع، حكم خمس سنوات فقط، استطاع خلالها تغيير مسار التاريخ واستعادة أمجاد الدولة العثمانية، وأخذها إلى عصر يشبهه المؤرخون بعصر القانوني أعظم عصورها على الإطلاق
المولد والنشأة
يعود محمد باشا الذي ولد في عام ١٥٧٨ الى عائلة البانية مسيحية ولد في مدينة ريدنيك من محافظة بيرات الالبانية والتي تتكون من ١٢ مقاطعة و فتحها العثمانيون حتى عام ١٤٥٠ وبقيت تحت السيطرة العثمانية حتى عام ١٩١٢.
الدراسة والتكوين
التحق بعدها الى مدرسة اندرون وهي المدرسة التي انشأها السلطان مراد الثاني لإعداد موظفين في قطاعات الدولة المختلفة وعساكر من الاطفال المسيحيين بما يعرف بنظام الدوشيرمة حيث يتم تعليمهم القران الكريم والتفسير والحديث وبعدها استقر في مدينة ميزفون قرب مقاطعة كوبرلي ومنها اشتق اسمه حيث تزوج هناك من عائشة هانم.
الوظائف والمسؤوليات
تدرج في المناصب داخل القصر وتولى العديد من المناصب الادارية داخل الدولة العثمانية حتى أصبح واليا على إسطنبول. إلى أن تعين في منصب الصدر الأعظم.
حال الدولة العثمانية قبل محمد باشا كوبريلي
عاشت الدولة قبل تولي محمد باشا كوبريلي منصب رئاسة الوزراء حالة صعبة جداً، فقد لقي السلطان إبراهيم الأول مصرعه على أيدي الثائرين من الجنود الانكشارية عام 1055هـ، وتولى الحكم بعده ابنه السلطان الصغير محمد الرابع الذي كان في السابعة من عمره، وعُيِنت جدة السلطان مهابيكر كوسم نائبة له حتى يبلغ سن الرُشد، فازدادت أمور الدولة سوءاً على سوء؛ لعدم مقدرتها على السيطرة على الثأرين الانكشاريين، الذين زادت ثورتهم وتحكَّموا في مؤسسات الدولة، وعبثوا فيها، حتى أطلق المؤرخون على هذه الفترة من عمر الدولة فترة “سلطنة الآغوات”، و(الآغوات) هم قادة الانكشارية، إشارة إلى سيطرة أولئك الرجال على أمر الدولة.
أما على الساحة الخارجية فقد قامت دولة (البندقية) باحتلال بعض الجزر العثمانية على مضيق الدردنيل، مما أدى إلى إغلاق المضيق أمام البضائع والمواد التموينية التي تحتاجها الدولة ويحتاجها الشعب، فأدى ذلك إلى مشكلة اقتصادية كبيرة، وارتفعت الأسعار ارتفاعاً كبيراً نتيجة الحصار.
وبينما كانت العاصمة تعاني من الحصار وفساد الإنكشارية والموظفين وتدخل النساء في شؤون الحكم وعجز الميزانية والهزائم المتوالية ، لم يكن حال الولايات بأقل سوءا، فقد اشتعلت الثورات في جميع الولايات التابعة للدولة.
الصدر الأعظم محمد باشا
بعد وفاة السلطانة الجدة مهابيكر كوسم في (1062هـ = 1651م) لم يكن عمر السلطان الصغير يسمح له بأن يتولى أمور الحكم، فقامت أمه “خديجة تارخان” بنيابة السلطنة، وكانت امرأة شابة راجحة العقل، ذات رأي وتدبير، شغلت نفسها بالبحث عن الأكْفاء من الرجال ممن ينهضون بالدولة التي بدأ الضعف يدب في أوصالها، بعد أن كثرت بها الفتن والمؤامرات، وأحدقت بها الأخطار من كل جانب. ووجدت السلطانة الأم الحل في محمد باشا كوبريلي، وهو ألباني الأصل قوي الشكيمة وصاحب شخصية قوية، وقبْل أن يتولى المنصب اشترط أن يكون مطلق اليد في الضرب على أيدي أصحاب مراكز القوى في الدولة، وسحق المؤامرات التي قد يدبرها بعض أهل النفوذ، وقبلت نائبة السلطنة هذه الشروط، وكانت هذه أول مرة في التاريخ العثماني التي يضع فيها وزير شروطًا لقبوله منصب الصدارة.
كيف أنقذ الدولة العثمانية
كان يتخد السلطان مراد الرابع قدوة له، كما كان ذا عزيمة حديدية لا تقهر، فقام بالانقضاض على مجموعة القاضي زادة وهم متطرفون دينيون، كما أمر بشنق بطريرك الروم بسبب ثبوت تخابره مع الروس وضلوعه في إثارة الفتن داخل الدولة العثمانية، وكذلك أمر بإعدام إباضة باشا المتهم بتسليم إحدى المدن للبنادقة، ثم وجه وجهه نحو الجيش الإنكشاري، فضرب على أيدي قادة الانكشارية وأعادهم إلى صوابهم وأفهمهم بأنهم جنود للدولة يدافعون عنها وليس لهم التدخل في شؤونها السياسية، فأعاد الأمن والهدوء إلى الدولة بذلك.
وكان لسياسته الحازمة وميله إلى الشدة والترهيب فيما يتصل بأمور الدولة أثره في انتظام أمور الدولة واستتاب أمنها، وأما على الصعيد الخارجي، فركز جهوده لفك الحصار الذي ضربته البندقية على الدولة، وهزمهم واستعاد مناطقا كثيرة بعد صراع مرير، وبعد ذلك بوقت قصير، شن حملة ضد أمير أردل المتمرد على الدولة العثمانية، وقهره وأجبره على الهرب، كما سجل ناجحات كبيرة في البلقان، بفتحه لقلاع أيوار وربطه أردل بالدولة العثمانية وانتصاره الرائع على الجيش الروسي، بالإضافة للهزائم التي ألحقتها قواته بالقوات النمساوية والألمانية والبندقية على طول الحدود العثمانية.
بالاضافة إلى أنه قام بتطهير الأجهزة الإدارية والعسكرية، .كما تبدت صرامته في المجال المالي، بحده من النفقات الزائدة عن الحد، وملاحقة المتلاعبين بالخزانة، وإلزام حائزي الإقطاعات العسكرية والزعامات بدفع ضريبة منتظمة، وفي عام 1661م تستعيد الخزانة توازنها من الناحية العملية، إذ تبلغ الإيرادات 593 ليرة عثمانية ذهبية بينما النفقات 580 ليرة ذهبية، وهو مايشهد على مجهود ضخم في مجال تصحيح الأوضاع، فاستعادت الدولة العثمانية إزدهارها العمراني والحضاري وقوتها العسكرية والسياسية، تحت إشراف الصدر الذي تابع بنفسه بناء المساجد والمدارس، وإصلاح دفاعات الدرنيل والقلاع العثمانية على طول الضفتين،
وفاته
وأغمض كوبرلي عينيه عن الدنيا، وهو مطمئن بعد أن سلم الحكم لأيدي أمينة، ستتابع الجهاد الذي أفنى عمره من أجله، بعد أن خلف وراءه إبنه فاضل أحمد باشا كوبرلي، الذي رباه تحت يديه، وحرص على تنشأته تنشأة عظيمة، فحقق تلك الأمور العظام، فتح قلعة نوهزل وفتح جزيرة كريت، ويظل أسماء أل كوبرلي، الأسرة التي خدمت الدولة العثمانية وحافظت على عظمتها لأكثر من قرنين، محفورة في سجل التاريخ.