خليل خالد بين كتب التاريخ و“مماتي” في مسلسل عبد الحميد الثاني
ترك مسلسل عبد الحميد الثاني انطباعاً ملفتاً عن شخصية خليل خالد الدبلوماسي والكاتب التركي، ولكن جرياً على عادة الأعمال الدرامية فقد ضُخِمَت بعض تفاصيل الشخصية وتم تجاهل بعضها الآخر. نأخذكم اليوم في جولة سريعة للتعرف على خليل خالد بك من المصادر التاريخية ومن كتبه ومؤلفاته، وذلك للراغبين بالحصول على معلومات ذات مصداقية بعيداً عن شطحات الدراما ومبالغات كتاب السيناريو.
جدلية الاسم في شخصية خليل خالد
يُتدَاوَلُ في صفحات الشبكة العنكبوتية أكثر من اسم لهذه الشخصية بعضها لا يصح على الإطلاق كخالد خليل أو خالد الخليل، لكن الأكثر شيوعاً حالياً هو خليل الخالد الخال وخليل خالد العثماني.
من هو خليل خالد الخال؟
هو الاسم الذي اشتهرت به شخصية خليل خالد في مسلسل عبد الحميد الثاني لذلك يحلو لمتابعي المسلسل إضافة لقب الخال لاسمه بحيث يصبح الخال خليل خالد أو خليل خالد الخال، ولكن عند رجوعنا للمصادر الرسمية لا نجد أي أثرٍ للقب الخال في اسمه.
من هو خليل خالد العثماني؟
هو الاسم الذي حمله خليل خالد خلال رحلاته خارج الدولة العثمانية، أما رسمياً فاسمه المشهور تاريخياً هو خليل خالد بك.
مولده ونشأته
وُلِدَ في أنقرة عام 1869 لعائلة متدينة ضالعة بالعلم الديني، فجده الشيخ عثمان وهبي كان من أكابر العلماء في بلاط السلطان محمود الثاني. فَقَدَ والده وهو في سن التاسعة، ليترعرع خليل خالد في كنف عمه محمد توفيق أفندي الذي أرسله إلى مدرسة الرشدية في أنقرة (ما يعادل المرحلة الإعدادية في نظامنا التعليمي الحالي).
عند تخرجه انتقل مع عمه إلى اسطنبول في سن الرابعة عشر وحاول هناك الانضمام للمدرسة العسكرية ولكن رفض عمه المطلق للفكرة ثناه عن ذلك، ليلتحق بمدرسة بيازيد الثانوية بعدها و يتابع دراسته بمكتب الحقوق. بعد التخرج شرع بالعمل في مطبعة أبو الضياء توفيق الصحفي الشهير آنذاك داخلاً معتركات الحياة الثقافية العثمانية من أوسع أبوابها وهناك أتيحت له الفرصة للاحتكاك بالعديد من المثقفين والمبعوثين الأجانب ومنهم صحفي بريطاني يعمل في جريدة التايمز سيغير مسار حياته لاحقاً.
خليل خالد ومعارضته للسلطان عبد الحميد الثاني
ربما سيستغرب الكثير من متابعي مسلسل السلطان عبد الحميد الثاني فكرة معارضة خليل لعبد الحميد، فبحسب المسلسل يظهر خليل خالد كأذن السلطان التي يسمع بها ويده التي يبطش فيها. ولكن بالعودة للمصادر التاريخية نجد أن خليل خالد بدأ حياته السياسية معارضاً للسلطان عبد الحميد، متأثراً بعاملين أساسيين:
- أحدهما شخصي يتعلق بمصادرة الدولة العثمانية في عهد عبد الحميد الثاني لأراضي عائلته التي سبق وأن منحها السلطان محمود الثاني لجد خليل خالد، وهو ما أوقعه في ضائقة مادية.
- أما العامل الثاني فاجتماعي ثقافي ناتج من انخراطه بطبقة المثقفين العثمانيين آنذاك الذين ما فتئوا ينتقدون النظام الشمولي للسلطان عبد الحميد.
هذا ما جعله تحت أنظار الاستخبارات العثمانية وزاد مخاوفه من الاعتقال ليضطر به الأمر أخيراً للاستعانة بصديقه الصحفي البريطاني للسفر إلى إنكلترا هرباً من عيون عبد الحميد وأملاً بمتابعة تحصيله العلمي هناك.
خليل خالد في إنجلترا
وطأت أقدام خليل خالد الأراضي الإنجليزية سنة 1894 ليقبل مباشرة على تعلم الإنجليزية وإتقانها. عمل لاحقاً في الترجمة والتدقيق اللغوي في صحيفة حريات، وفي هذه الأثناء بدأت علاقاته مع نظام عبد الحميد الثاني تتحسن ليتم تعينه أخيراً كقنصل ثاني في السفارة العثمانية في لندن. حيث أعد تقارير غاية في الأهمية عن الأطماع البريطانية في الدولة العثمانية وفي منطقة الخليج العربي تحديداً (خليج البصرة حسب التسمية الرسمية التركية) لكن خلافاً نشب بينه وبين السفير العثماني حال دون استمراره في عمله وأدى بالنهاية لعزله من منصبه.
عاد خليل خالد للاهتمام بالجانب الأدبي وتعرف على عدد من الكتاب الإنجليز المشهورين الذين ساعدوه على الالتحاق بجامعة كامبريدج عام 1902، حيث حصل على درجة الماجستير ثم اختير كمدرس في الجامعة ليصبح أول مدرس تركي في جامعة كامبريدج. وفي هذه الأثناء ساهم بفعالية بنشاطات المجتمع المسلم في إنكلترا حيث أطلق حملة لبناء مسجد في لندن وسافر لجمع التبرعات في رحلة طويلة زار فيها عدداً من البلدان منها مصر والسودان والجزائر، كما تفاعل مع قضايا الدول الإسلامية حيث حرض على مقاطعة الامبراطورية النمساوية والمجرية بعد ضمها للبوسنة والهرسك.
العودة إلى الوطن
استقال خليل خالد من وظيفته في جامعة كامبريدج وحزم حقائبه عائداً للوطن في أيلول سنة 1911، بعد أن عمّ جو من التفاؤل بإعلان الدستور وإطلاق الحريات في الدولة العثمانية. انخرط في العمل السياسي مجدداً وانتخب عضواً في مجلس المبعوثان (مجلس النواب العثماني) عن منطقة أنقرة، كما شغل منصب رئيس جمعية المعارف حيث لعب دوراً كبيراً في إصدار قانون التعليم الابتدائي الهادف لتعديل طرق التعليم المتبعة آنذاك. لكن ربيع الحرية هذا لم يطل كثيراً فبحلول شهر آب سنة 1912 تم حل مجلس المبعوثان. وعُزِل من جميع مناصبه.
خليل خالد ومسلمو الهند
أدرك ناظر الخارجية العثماني سعيد حالم باشا مدى الخبرة التي اكتسبها خليل خالد من عمله في بريطانيا سابقاً واطلاعه على تفاصيل الشأن الإنجليزي عن قرب، كما لاحظ بلاغته ومدى تأثيره على عامة الناس لذلك أصدر قراراً بتعيينه قنصلاً في بومباي بالهند (الرازحة تحت الاحتلال الإنجليزي آنذاك) ولاحقاً رقاه لمرتبة كبير المفوضين. التحق خليل خالد مباشرة بوظيفته الجديدة في حزيران 1913، وشرع مباشرة بالتقرب من مسلمي الهند، حيث قام بجولة واسعة شملت المدن والقرى الهندية المسلمة بحجة توزيع هدايا الخليفة للمساجد هناك.
عمل خلال جولاته ولقاءاته مع الأهالي على التقرب منهم واستمالة قلوبهم ولاقى في ذلك استجابة منقطعة النظير إذ كانت المظاهرات الحاشدة تخرج لاستقباله وتوديعه أينما حل وأينما ارتحل. هذا ما أثار حفيظة السلطات الإنجليزية التي رأت فيه واحداً من أكبر ممثلي فكرة الجامعة الإسلامية (الفكرة التي أرساها ووضع قواعدها السلطان عبد الحميد الثاني) وأكثرهم تهديداً لمصالحها فعملت على استبعاده والتخلص منه، ونجحت في استصدار قرار من الخارجية العثمانية باستدعاء خليل خالد إلى اسطنبول. لتقوم بعدها مباشرة باعتقال كل من كان له صلة مع خليل خالد من النشطاء المحليين.
وداعاً للسياسة
انتهت مسيرة خليل خالد السياسية بعد عزله من قنصلية بومباي، حيث غاب تماماً عن مشهد الأحداث أثناء الحرب العالمية الأولى، يعرف عنه في تلك الفترة سفره لألمانيا سنة 1915، واشتغاله بالصحافة لفترة من الوقت حتى نهاية الحرب وعودته إلى تركيا، حيث عمل هناك مدرساً في كلية الشريعة في دار الفنون (جامعة اسطنبول حاليأً) ومدرساً للغة الإنجليزية في الكلية الحربية.
وفاة خليل خالد
استمر بوظيفته التعليمية حتى سنة 1930 عندما أحيل على التقاعد بالتزامن مع إصابته بمرض السل. توجه بعدها إلى مصر ليقيم فترة هناك بغرض الاستشفاء بعدما نصحه الأطباء بأن جو مصر الدافئ سيحسن من حالته الصحية، ولكن وضعه لم يتغير كثيراً وأحسّ بدنو أجله ففضل العودة وقضاء آخر أيامه في المدينة التي ملكت عليه قلبه في اسطنبول. لتوافيه المنية عقب وصوله لإسطنبول مباشرة في 29 آذار 1931 وليدفن في مقبرة مركز أفندي.
فكره ومؤلفاته
تظهر السمة الوطنية بشكل واضح في أفكار خالد خليل بك ومؤلفاته، كما يلحظ القارئ في كتبه عاطفة دينية صادقة وأخرى قومية تركية متأثرة بالمد القومي الهائل آنذاك. كما يظهر بوضوح سعة اطلاعه في جميع آثاره، إذ أجاد العربية والفرنسية والإنجليزية إجادةً كاملة بالإضافة إلى اطلاعه على الألمانية والفارسية والأوردية، كما زار معظم بلاد العالم الإسلامي فضلاً عن الدول الأوربية. كل هذا هيأ له أرضيةً ثقافية صلبة جادت علينا بمؤلفات غزيرة غاية في الأهمية، نذكر منها:
- كتاب يوميات تركي: كتبه بالإنجليزية ويتحدث فيه عن عادات وتقاليد العثمانيين، كما يتطرق للجو السياسي آنذاك، ويتعرض فيه للسلطان عبد الحميد ببعض عبارات الانتقاد.
- كتاب الإنجليز والترك فوبيا: يتطرق في هذا الكتاب للحملات التشويهية التي تطال المسلمين والأتراك في بريطانيا، يدرس فيه المجموعات واللوبيات المعادية للوجود الإسلامي ويبرز الدور الكبير الذي يلعبه بعض رجال الدين المسيحيين إلى جانب اليهود المتأنجليزين في إذكاء مشاعر العداء للإسلام. ترجم كتابه للعربية والأوردية والفرنسية والإنجليزية.
- كتاب ذكريات الجزائر: كتبه عقب زيارته للجزائر ويدرس فيه الوضع العام في الجزائر ونظرة الجزائريين لمسألة الخلافة وللعلاقات العربية التركية. يظهر في الكتاب حزنه البالغ بسبب سياسات الفرنسة وعمليات طمس الهوية الثقافية التي تنتهجها السلطات الاستعمارية هناك.
- كتاب العرب والترك: نشره بالعربية والتركية، تناول فيه العلاقات العربية التركية التي كانت مثاراً للجدل في مطلع القرن العشرين، ناقش فكرة الخلافة العربية وقضية اللغة العربية والمطالبات بجعلها لغة رسمية، كما خلص إلى أن انفصال الأتراك والدول العربية لن يعود بالخير على كلا الشعبين بل سيتيح للدول الاستعمارية فرصة توسيع مناطق نفوذها على حسابهم.
بالإضافة للمذكور أعلاه ترك خليل خالد ما يزيد عن عشر مؤلفات أخرى فضلاً عن ترجمته للعديد من الكتب الأجنبية.
بعد هذه الإطلالة السريعة على شخصية خليل خالد بك، هل تعتقدون أن مسلسل السلطان عبد الحميد وفق في عرضه للشخصية بهذا الشكل؟
الأسئلة الشائعة
من مثّل شخصية خليل خالد مسلسل عبد الحميد الثاني؟
مثل شخصية خليل خالد في مسلسل عبد الحميد الثاني الفنان التركي الشهير جوركان ايغون والمعروف عربياً باسم “مماتي” على اسم شخصيته في مسلسل وادي الذئاب.
هل التقى خليل خالد السلطان عبد الحميد فعلياً؟
لا يوجد أي دليل تاريخي يثبت التقاء خليل خالد السلطان عبد الحميد، إذ أنه طيلة فترة دراسته وعمله في مطلع شبابه كان معارضاً للسلطان ثم سافر للخارج لاحقاً وعاد بعد عزل السلطان بعدة سنوات. لذلك لا يرجح لقاؤه به أبداً.