لا زالت الاقتصاد التركي يواجه العديد من التحديات ليدخل في عام 2024 بتركة مثقلة بهذه التحديات نتيجة للعديد من المعوقات، بالرغم من المراتب المتقدمة لـ الاقتصاد التركي نتيجة تطوير تركيا لقطاع الخدمات، الذي يحتوي على 155 نشاطاً مختلفاً، ويعتبر أحد أهم الاتجاهات الاقتصادية الحديثة بالنظر إلى الحصة التي يستحوذ عليها في ميدان العمل ومساهمته في الإنتاج الإجمالي.
معوقات الاقتصاد التركي
- انزلاق الليرة التركية إلى مستوى قياسي بلغ 32.38 ليرة تركية مقابل الدولار الوان 11 لتصل خسائر العملة إلى %36% بعدما واصلت انخفاضها البطيء والمطرد في الأشهر الأخيرة من عام 2023 بوتيرة ملحوظة.
- ارتفاع معدلات التضخم لتصل إلى 70% مع بداية عام 2024، مقارنة بتوقعات سابقة أكثر تفاؤلاً عند 58% ، ووسط ترجيحات ببلوغه %36% بنهاية 2024 مقارنة بتوقعات سابقة عند 33% ، وصولاً إلى 14% بنهاية 2025 على أساس سنوي.
- بالمقارنة مع عام 2022، ارتفعت تكاليف رواتب الموظفين والشحن والخدمات اللوجستية والطاقة والتمويل في عام 2023 بنسب كبيرة على أساس الدولار، وصلت إلى 236%، وهو ما يتوقع استمراره في العام الجاري 2024، لذا وجهت الحكومة التركية بضرورة مراقبة موازنة 2024 عن كثب والحرص على توازن حجم الأعمال والربحية من أجل تحقيق الأهداف في البنود الحيوية، والعمل على تطوير حلول بديلة لتكلفة التمويل التي ارتفعت مع زيادة وتيرة التغيرات الاقتصادية والسياسية، مما يتطلب نهجاً أكثر استباقية في تحديث الاستراتيجيات والأهداف على أساس هذه التغيرات.
- احتلت أخطار هجرة الكفاءات التركية المرتبة الأولى على قائمة الأخطار التي تواجه الحكومة التركية في عام 2024 ، حيث كشف إحصاء الهجرة الخارجية لعام 2023 الصادر عن معهد الإحصاء التركي (TUIK) ارتفاعاً قياسياً في أعداد المهاجرين من تركيا بنسبة 62.3% مقارنة بالعام السابق، مقابل انخفاض عدد المهاجرين إلى تركيا من الخارج بنسبة 33.2%. وبناءً على احصاءات المعهد الصادرة مطلع العام الجاري 2024، فقد بلغ عدد المهاجرين إلى خارج تركيا 466,914 شخصاً، بأكثر ذكورية بلغت 55.7% مقابل 44.3% من الإناث. وما يجعل من هذه الهجرة أم 12 خطورة هو أن الفئة العمرية للمهاجرين الأتراك كانت بين 25-29 عاماً، بنسبة %15.8، تليها الفئة العمرية الممتدة بين 20-24 عاماً ، بنسبة 12.8%، فيما بلغت نسبة المهاجرين من الشباب دون 45 عاماً 61.8%. لذا فإن خطر أرقام ونسب الهجرة التركية يأتي في قمة المخاطر التي تواجه واقع ومستقبل الاقتصاد التركي.
- ارتفاع أخطار الصراعات الإقليمية والمشاكل المحيطة بتركيا، التي احتلت المرتبة الثانية في قائمة الأخطار التي واجهت تركيا في عام 2023 مقارنة بالمرتبة الرابعة في عام 2022. وبالتالي فإن استطلاع البنك المركزي التركي يبدي تخوفاً من أن التوتر في المنطقة، المستمر منذ 11 عاماً في شكل احتلال أو حرب أهلية، قد يستمر لعدة أعوام الأخرى، ليؤثر سلباً على الاقتصاد التركي.
- تحديات خطر الكوارث الطبيعية، التي تؤثر سلباً على الاقتصاد التركي وتتجاوز أخطار الصراعات الإقليمية في عام 2024. ومن المعروف أن الزلزال الذي ضرب عدداً من الولايات التركية في 6 فبراير 2023 ، وتمركز في كهرمان مرعش، بلغت قوته 7.7 و 7.6 درجة على مقياس ريختر، وأثر على 11 مقاطعة مع فقدان 45089 شخصاً حياتهم نتيجة لذلك. كما أوضح تقرير الأضرار الصادر عن البنك الدولي أن الزلزال أحدث أضراراً مادية مباشرة تقدر بما يعادل 4% من إجمالي الناتج المحلي.
- علماً بأن تركيا اكتشفت مؤخراً كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في البحر الأسود، وصل مقدارها إلى 540 مليار متر مكعب، إلا أنها لا زالت تعاني من عدم توفر مصادر الطاقة البديلة والرخيصة، حيث تستورد تركيا ما يقارب 75% من احتياجاتها من الطاقة، وهذا يوثر بشكل سلبي على الاقتصاد التركي من خلال تأثيره على ميزان المدفوعات والرصيد الاحتياطي من العملات الأجنبية، والذي يؤثر بدوره على أسعار صرف العملة.
الخارطة المستقبلية لـ الاقتصاد التركي
المواجهة التحديات المذكورة أعلاه، تبنت تركيا بعد انتخابات 2023 خطة اقتصادية جديدة، تأكيداً لسعيها الحثيث لجعل الاقتصاد التركي مقاوماً لجميع أنواع الصدمات من خلال
الانضباط المالي والإصلاحات الهيكلية، مؤكدة على بدء التحول من السياسات التقليدية إلى المعايير الدولية المعتمدة على مبادئ الشفافية والاستشراف والموثوقية. وكشفت الإدارة الاقتصادية الجديدة عن البرنامج الاقتصادي متوسط المدى للفترة ما بين عامي 2024 و 2026، والذي تم الإعلان عن تفاصيله في سبتمبر من العام الماضي 2023، راسماً الخارطة الاقتصادية للبلاد في السنوات الثلاث القادمة.
وبناء على هذا البرنامج الاقتصادي الجديد من المتوقع أن يحقق الاقتصاد التركي معدل نمو بنسبة 4% هذا العام 2024، وانخفاض معدل التضخم إلى %33% نهاية العام. كما توقع أن يصل عجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي نحو 6.4%، على أن يبلغ معدل البطالة 10.3%. ويهدف البرنامج إلى أن تصل الصادرات التركية إلى 267 مليار دولار نهاية 2024 ، وقيمة الواردات إلى 372.8 مليار دولار .
ونتيجة لهذه الخطوات الإيجابية أشاد تقرير صندوق النقد الدولي بهذا البرنامج مؤكداً تحقيق الاقتصاد التركي نمواً في نهاية عام 2023 بنسبة 4.2% ، مع تراجع معدل التضخم السنوي إلى 65%.
كما توقع التقرير أن يحقق هذا النمو نسبة %4% في عام 2024. إلى جانب ذلك رفعت وكالة “ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني مطلع عام 2024، نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني لتركيا من مستقرة إلى إيجابية، عند “B”، مع التأكيد على ضرورة انخفاض العجز المزدوج.
وتأتي هذه التقارير في ظل قيام البنك المركزي التركي في نهاية عام 2023 برفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 40%، مما أدى لارتفاع إجمالي احتياطاته إلى 136.5 مليار دولار، وهو أعلى مستوى على الإطلاق. كما ارتفعت إجمالي احتياطيات الذهب بمقدار 225 مليون دولار ليبلغ نحو 45.5 مليار دولار.
وتزامناً مع هذه الخطوات الإيجابية، أعلنت وزارة المالية التركية إلى أن النصف الأول من هذا العام قد يشهد ارتفاعاً في التضخم، لاسيما بعد الإعلان عن زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة %49% في يناير من العام الجاري 2024. كما أكدت الوزارة أن قيمة الاحتياطي الأجنبي لدى المركزي التركي ستزداد وسيتم العمل على إنهاء آلية حماية الودائع بالليرة التركية، ليبدأ التحسن في خفض عجز الحساب الجار وترسيخ الانضباط المالي، مع تعزيز أساس النمو المرتفع والمستدام.
ويشير الخبراء إلى أن عجز الموازنة سيكون الموضوع الأكثر أهمية في العام الجاري 2024 من منظور الاقتصاد الكلي، نظراً للتكلفة العالية التي نتجت عن الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في فبراير من عام 2023، والتي قدرت بأكثر من 100 مليار دولار وفقاً للعديد من تقارير المؤسسات المالية المحلية والعالمية، إذ ستتقل أعمال البناء ومشاريع التحول الحضري التي تقوم الحكومة بتنفيذها كاهل الموازنة العامة.
وبناءً عليه اتجه المركزي لتنفيذ سياسة التشديد النقدي، مما نتج عنه ارتفاع معدل سعر الفائدة من 8.5% إلى 42.5%، بخلاف السياسة التي انتهجها المركزي مؤكداً أن حل مشكلة التضخم لن يتأتى إلا من خلال خفض معدلات الفائدة، متبنيا مبدأ الفائدة سبب والتضخم نتيجة، وذلك على عكس ما ينادي به ويدافع عنه غالبية الاقتصاديين الأتراك. وتشير الخطوات التي يتخذها المركزي، وعلى رأسها استمراره في رفع معدلات الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة، إلى استمرار السياسات النقدية المتشددة في عام 2024، وهو ما يسعى المركزي من خلاله إلى كبح جماح التضخم وصولاً به إلى المعدل المستهدف وهو %5% على المدى الطويل.
المصدر: مكتب فواز عبد الستار العلمي للاستشارات في مجال التجارة الدولية
اقرأ أيضا: ماهي مقومات الاقتصاد التركي لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي؟
اقرأ أيضا: دول مجلس التعاون الخليجي تستعد لمفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا