• 29 مارس 2024

ثقافة المقاطعة في تركيا.. ماهي علاقة كوكا كولا بالانتخابات التركية؟

تعتمد العديد من الشعوب في مختلف أنحاء العالم على ثقافة مقاطعة منتجات شركة أو دولة أو قطاع ما؛ فهي ترى فيها نوعاً مهماً من أنواع العقوبات الحضارية التي لا تشمل القتل والعنف. وقد أثبتت التجارب الفعلية عبر الزمن صحة هذه النظرية إذ كبدت المقاطعات التي أعلنتها الشعوب خسائر فادحة لشركات ودول مختلفة. وهنا يمكننا أن نتذكر بوضوح المقاطعة التي فرضتها الشعوب العربية على المنتجات الدنماركية، وكان ذلك بعد أن قامت صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية بنشر صورة مسيئة للرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- بتاريخ 30 سبتمبر 2005، حيث ألحقت المقاطعة الإسلامية أضراراً كبيرة بالاقتصاد الدنماركي وخشيت الدنمارك من فقدان حوالي 11،000 عامل لوظائفهم نتيجة هذه المقاطعة.

إذاً فلا يمكننا الاستخفاف بثقافة المقاطعة بعد أن تعرفنا على حجم الضرر الذي قد تلحقه بالدول من خلال المثال السابق.

ثقافة المقاطعة في تركيا

كذلك هو الشعب التركي كبقية شعوب العالم يرى في المقاطعة سلاحاً فعالاً لفرض العقوبات أحياناً وللتعبير عن رأي أو طائفة ما أحياناً أخرى.

ولأن الفئة المتدينة تشكل الجزء الأكبر من التركيبة السكانية للمجتمع التركي فإن أول ما قد يخطر إلى الأذهان في هذا الموضوع هو مقاطعة المنتجات الداعمة لإسرائيل. فقد نشرت الصفحة الرئيسية لمنصة “حلال” التركية بتاريخ 4 نوفمبر 2014 قائمة مفصلة بأسماء الشركات الداعمة لإسرائيل في قطاعات مختلفة كالألبسة والأغذية وغيرها، ودعت الشعب التركي إلى مقاطعة جميع هذه المنتجات وقدمت لهم قائمة أخرى بأسماء الشركات البديلة التي يمكن الشراء منها.

السياسة عنصر رئيسي في المقاطعة

وإن كانت مقاطعة المنتجات الداعمة لإسرائيل تعتمد على الجانب الديني والإنساني لدى الشعب التركي إلا أنها لا تقتصر عليه. فقد فرض الشعب التركي مقاطعة أكبر وعلى نطاق أوسع على المنتجات الهولندية لأسباب سياسية بحتة تدور حول قرارات سياسية قمعية اتخذتها هولندا بحق تركيا؛ حيث ألغت هولندا برنامجاً لوزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في روتردام ثم ألغت إذنه في السفر.

وهنا دعت العديد من المنصات المختلفة بينها منصة “حلال” الشعب التركي إلى فرض مقاطعة صارمة على جميع أنواع المنتجات الهولندية في جميع القطاعات، وأصدرت القوائم التي تعرف المواطنين بالشركات الهولندية وتعطيهم البدائل عنها. وتسببت هذه المقاطعة بضرر لا يستهان به للاقتصاد الهولندي.

علاقة كوكا كولا بالانتخابات التركية

أما موضوع الانتخابات فهو معقد بعض الشيء. فأصوات الشعب التركي تتأثر بالدرجة الأولى بالعامل الديني؛ حيث تنتخب الأغلبية المتدينة حزب العدالة والتنمية الذي تراه حامياً للإسلام والمسلمين، بينما تلجأ الفئات العلمانية للتصويت لحزبي الشعوب الجمهوري والحركة القومية والأحزاب الأخرى بنسبة أخف. ولكن المعادلة ليست بسيطة إلى هذا الحد؛ فهناك شريحة متدينة واسعة تصوت للأحزاب العلمانية وشريحة علمانية ترى في حزب العدالة والتنمية حزباً سياسياً بحتاً يعمل على خدمة تركيا فتصوت له.

ولكننا هنا نتحدث عن “الحالة العامة” التي تتمثل في تأييد الأغلبية المتدينة لحزب العدالة والتنمية والأغلبية العلمانية للأحزاب العلمانية. وهذا ما ظهر بشكل واضح جداً في الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية؛ حيث أصدرت جبهة “لا” قائمة طويلة بأسماء شركات تركية محلية ضخمة وفرضت المقاطعة عليها لاتهامها بدعم الحكومة التركية، وكان بينها الشركات التالية:

PINAR

DOST

ÜLKER

TORKU

YİMPAŞ

BİM

والأمر نفسه يحدث لدى الجبهة الأخرى المؤيدة للحكومة التركية والتي تشكلها الأغلبية المتدينة. هذه الجبهة تقاطع مشروب كوكاكولا بشكل صارم للغاية. لا يشترونه أبداً وقد يهاجمون من يشتريه في بعض الأحيان. منهم من يلجأ لتحريمه ومنهم من يصفه بالمشروب الإسرائيلي ويتهم من يشتريه بدفع النقود لقتل المسلمين في فلسطين.

وقد قامت بعض بلديات إسطنبول كبلدية باشاك شهير بإيقاف تقديم كوكا كولا في المطاعم التابعة لها نظراً لعدم إقبال الشعب على شراءه. وانتشرت المقاطعة في المناطق ذات الأغلبية المتدينة كالفاتح، أيوب وباشاك شهير. هذه المناطق هي نفسها التي تصوت في الغالب لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات؛ ولهذا فحين نتحدث عن الانتخابات التركية أو عن مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل لا يمكننا تجاهل العامل الديني لدى الشعب التركي.

(براءة الفرحان – خاص – مرحبا تركيا)

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *