• 19 مارس 2024

النتائج السياسية المُتوقعة لعملية “غصن الزيتون” برؤية تركية

نشرت وكالة الأناضول تحليلاً معمقاً أعده الخبير في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، أيتون أورهان، حول النتائج المُتوقعة لما بعد عملية “غصن الزيتون” التي انتهت بالسيطرة على مركز بلدة عفرين، وطرد عناصر “ي ب ج” منها.

وقد أكّد التحليل على ارتفاع الرصيد السياسي لتركيا في عملية تسوية القضية السورية مستقبلاً، مبيناً أن موازين القوى في سوريا تغيّر بعد عملية “غصن الزيتون”.

بعد أن كسرت قوات عملية “غصن الزيتون” دفاعات الإرهابيين في المناطق السورية القريبة من الحدود التركية، بدأت العملية تأخذ وتيرة سريعة، وخلال مدة قصيرة تمّ تطويق مركز مدينة عفرين بمحافظة حلب السورية.
وبالتزامن مع تطويق مركز عفرين، انسحب إرهابيو “ي ب ك” من أرياف المنطقة باتجاه المدينة نفسها، وكان من المنتظر أن تنتقل العناصر الإرهابية إلى حرب شوارع في مركز عفرين، لكن حدث عكس ذلك، إذ لم يبد تنظيم “ي ب ك” أي مقاومة، وباتت المدينة وأريافها تحت سيطرة الجيشين التركي والسوري الحر.

والأحد الماضي، سيطرت القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر على مدينة عفرين مركز المنطقة التي تحمل الاسم نفسه، وجميع النقاط المحيطة بها من الشمال والشرق والغرب بعد طرد إرهابيي “ب ي د/ بي كاكا”، في إطار عملية “غصن الزيتون” التي انطلقت في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي.

وجرى الحديث عن البُعد العسكري لعملية غصن الزيتون بشكل مكثف، لكن الأهم من ذلك، هو كيفية انعكاس سيطرة قوات العملية على سير الأزمة في سوريا، وكيف سيكون تأثير كفاح تركيا ضدّ “ي ب ك” الإرهابي على المنافسة أو التعاون التركي الأمريكي في سوريا.

ولعل من أهم النتائج التي أسفرت عنها “غصن الزيتون” بالنسبة لتركيا، هي أن أنقرة أثبتت قدرتها على الردع العسكري، لأن العملية جرت في بقعة جغرافية أكثر تعقيدا ووعورة من البقعة الجغرافية التي جرت فيها عملية “درع الفرات”، كما أن عدد الإرهابيين الذين استهدفتهم غصن الزيتون، كان أكبر من الإرهابيين الذين كانوا مستهدفين في “درع الفرات”.

واستطاعت تركيا عبر “غصن الزيتون”، أن تُظهر للجميع قدراتها العسكرية، لتعزز بذلك موقفها من مكافحة “ي ب ك” في منبج والمناطق الواقعة شرقي نهر الفرات.

هزيمة “ي ب ك” الإرهابي أمام قوات غصن الزيتون وانسحاب عناصرها من مدينة عفرين دون أدنى مقاومة، من المتوقع أن تدفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى طرح السؤال التالي لنفسها: “كيف وإلى متى سندافع ونحمي عناصر هذا التنظيم؟!”.

وهذا الوضع الجديد سيجبر الولايات المتحدة إلى أحد الخيارين، إما أن تقدّم بعض التنازلات فيما يخص أزمة منبج لإرضاء تركيا، أو تقوم بتعزيز دعمها لعناصر “ي ب ك” الموجودين في منبج.

والاحتمال الأقوى أن تقدم الولايات المتحدة على الخيار الثاني المتمثل بتكثيف الدعم لعناصر “ي ب ك” في منبج، لأن واشنطن تدرك بأنها ستخسر التنظيم في حال فشلت في حمايته داخل منبج، خاصة أنها لم تتمكن من توفير الحماية له في عفرين، فالتنظيم يمكن أن يفكّر في الانحياز إلى صف إيران والنظام السوري في حال تمّ التوافق بين أنقرة وواشنطن على تسوية الوضع في منبج.

* استياء النفوذ العربي من “ي ب ك”

ومن جهة أخرى فإن عملية غصن الزيتون ستفسد العلاقة بين “ي ب ك” والشريحة العربية في منبج ومناطق شرقي نهر الفرات، لأن الاتفاق الحاصل بين التنظيم والمجموعات العربية المنضوية تحت مظلة ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية، مبني على أساس المصلحة وضمان أمن بعض العشائر العربية.

ومن المعروف للجميع أن “ي ب ك” لا يحظى بشرعية في المناطق ذات الأغلبية العربية، خاصة في منبج التي عُرفت منذ بداية الأحداث السورية (2011) بمعارضتها الشديدة للنظام.

ومنذ فترة زمنية طويلة، تقوم شريحة من أهالي منبج بتنظيم مظاهرات ضدّ عناصر “ي ب ك”، ومن الممكن أن تشهد الفترة المقبلة الكثير من هذه المظاهرات، فالذين يرغبون في التحرك ضدّ التنظيم، ينتظرون الآن من تركيا أن تعلن موقفها حيال تطهير المدينة من هؤلاء الإرهابيين.

ومما لا شك فيه أن خسارة “ي ب ك” في عفرين يحمل أهمية كبيرة، لكن الأهم من ذلك، هو كيف خسر التنظيم، حيث أنه انسحب دون مقاومة وغابت عن عناصره إرادة القتال، وهذا الأمر قد يدفع عناصر “ي ب ك” وخاصة السوريين منهم، إلى التفكير في عدم تقديم أنفسهم كضحايا لتحقيق أطماع “بي كا كا” التوسعية في المنطقة.

ودليل ذلك أن عناصر “ي ب ك” السوريين في عفرين، فضّلوا الفرار وترك المدينة لقوات غصن الزيتون دون مقاومة، رغم أن قيادات “بي كا كا” وجهوا نداءات عدة وأكّدوا على ضرورة المقاومة في مركز المدينة.

*احتمال ازدياد التعاون التركي الروسي

توازنات القوى التي ظهرت في الشمال السوري مع عملية غصن الزيتون، قد تؤثر على سير العملية السياسية الرامية لحل الأزمة السورية.

فالجيش السوري الحر وبدعم من تركيا، بدأ ياخذ طابع اللاعب القوي في المناطق الشمالية، حيث أسست تركيا قبل أيام نقطة المراقبة السابعة في محافظة إدلب التي ستكون تحت سيطرة المعارضة مع انتهاء تأسيس نقاط المراقبة البالغ عددها 12.

وفور انتهاء تأسيس نقاط المراقبة في إدلب، ستكون المناطق الممتدة من مدينة جرابلس بريف حلب، إلى جسر الشغور بمحافظة إدلب، تحت سيطرة الجيش السوري الحر، وهذا التطور سيجبر نظام الأسد على تقديم بعض التنازلات في مسيرة الحل السياسي.

ومن المنتظر أن يكتسب التعاون التركي الروسي زخما بعد عملية غصن الزيتون، فالضغوط التركية ستزداد تدريجيا على مدينة منبج في حال لم تتمكن أنقرة وواشنطن من الوصول إلى اتفاق بشأنها؟

ومن المتوقع أن تحظى الخطوات التي ستُقدم عليها تركيا ضدّ “ي ب ك” بدعم روسي، لأن الأهداف المقبلة لتركيا في الداخل السوري، تتمثل في السيطرة على مناطق نفوذ الولايات المتحدة.

ومع خسارة تنظيم “ي ب ك” الإرهابي لمدينة عفرين، انتهى تماما الرابط العسكري الذي كان يصل التنظيم بروسيا، وبذلك بات التنظيم تحت حماية الولايات المتحدة، ويجب ألّا ننسى بأن “ي ب ك” يحمّل الروس جزءًا من المسؤولية لأن موسكو أعطت الضوء الأخضر لعملية غصن الزيتون.

وكل ما ذُكر آنفاً سيساهم في توتير العلاقات بين روسيا و”ي ب ك” من جهة، وتركيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، وبالتالي سيعزز التعاون بين أنقرة وموسكو.

صحيح أن عملية غصن الزيتون حظيت بدعم من روسيا، لكن هذا الدعم لم يصدر من حلفاء موسكو في الداخل السوري (إيران ونظام بشار الأسد)، بل يمكننا القول إن طهران ندّدت بمواقف موسكو حيال غصن الزيتون، ودليل ذلك محاولة دخول ميليشيات تابعة لإيران والنظام إلى عفرين لدعم “ي ب ك”، وربما جرت هذه الخطوة بعلم موسكو، لكن دون موافقتها.

ولعل الروس يرغبون من خلال تعزيز الوجود التركي في سوريا، تحقيق التوازن والحد من تعاظم قوة إيران في الداخل السوري.

* موازين قوى جديدة في الشمال السوري

من المتوقع أن تزيد نتائج عملية غصن الزيتون خلال الأيام القادمة، من قلق النظام السوري وإيران، فالجيش السوري الحر وتركيا أصبحا في موضع يخوّلهما زيادة الضغط على قوات النظام السوري في محافظة حلب.

اقرأ أيضاً

“غصن الزيتون” تُعزّز آمال السوريين بالعودة إلى أراضيهم

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *