• 29 مارس 2024
 كمال كاربات.. رحيل مؤرخ الدولة العثمانية

كمال كاربات.. رحيل مؤرخ الدولة العثمانية

يعد كاربات من أبرز المؤرخين وأعلمهم بتاريخ تركيا والدولة العثمانية، ولد صاحب “المجتمع العثماني” عام 1925 في مدينة “بابا داغ” الرومانية، التابعة آنذاك للدولة العثمانية، ونشأ في هذه المدينة متعددة الأديان والثقافات، وهو ما أثر على تكوينه بطبيعة الحال، هاجر أهله بعد ذلك إلى الأناضول والتحق بكلية الحقوق بجامعة إسطنبول، ثم أتم ماجستير العلوم السياسية في جامعة واشنطن، وانتقل لإتمام الدكتوراه بجامعة ريمنجتن وأسس فيها قسمًا لدراسة التاريخ العثماني.

 

بدأ ولع صاحب “الدولة العثمانية والعالم” بالتاريخ منذ صغره، وكان شاهدًا على بداية عصر تأسيس الجمهورية التركية ولكن بحساسية المؤرخ، قام كاربات بدراسة التاريخ العثماني والأمريكي والروسي وتاريخ الشرق الأوسط، ونُشرت له 130 مقالة بحثية و16 كتابًا في أكثر من 20 لغة، ويروي عن نفسه قصة اهتمامه الكبير بالتاريخ، إذ يقول:

“كنتُ شاهدًا على محاولات تشويه المسلمين الأتراك من جميع الجوانب، ولم أكن أستطيع تفهم هذا الأمر، لم أتحمل المقولات المسيئة للمسلمين الأتراك، ومن أجل تغيير ذلك، أقسمت على العمل في التاريخ وحافظت على هذا القسم طوال حياتي”.

 

وإلى جانب كونه من أبرز المؤرخين الذين تناولوا التاريخ العثماني بشكل عام، فهو أيضًا من أبرز الذين خاضوا في تفاصيل المرحلة الشائكة من تاريخ الدولة العثمانية، أي فترة حكم عبد الحميد الثاني، آخر سلطان عثماني مارس الحكم فعليًا، ويُصنّف كتابه “تسييس الإسلام” الذي صدر عام 2004، على أنه أفضل الكتب التي تناولت عهد السلطان عبد الحميد الثاني، حيث لفت كاربات الأنظار حول أفكاره عن عبد الحميد والمبادئ التي قامت عليها الدولة التركية بعد انهيار الدولة العثمانية.

 

إذ رأى صاحب “تحديث الدولة العثمانية” أنه ينبغي التعامل مع السلطان عبد الحميد وفق شروط زمنية محددة، ويؤكد أن عبد الحميد قد فعل ما ينبغي فعله وفق هذه الشروط، وأن سياساته الأساسية من بعد عام 1880 اعتمدت على تقوية المجتمع من الداخل، ووفق كمال كاربات، فإن عبد الحميد هو من وضع أساسات الحداثة التركية، إذ يقول:

“قام عبد الحميد بعمل كل ما ينبغي فعله لوضع أساسات الحداثة في دولته، من المدرسة حتى الجيش، كان مطلعًا على العالم ومن أجل أن تقوم الدولة على قدميها ويصبح المجتمع قويًا، فعل عبد الحميد كل ما بوسعه، وبشكل عام، كان ناجحًا في ذلك، وقد فعل ذلك عن طريق المؤسسات التي انتقلت بعد ذلك إلى عصر تأسيس الجمهورية، وقامت الجمهورية بتقويتها، واستمرت في تركيا حتى اليوم”.

 

ويعتقد صاحب “تاريخ الديمقراطية التركية” أن أكبر خطأ لعبد الحميد – ظل يُتَّهم به خلال المئة سنة اللاحقة – هو جلبه للاستبداد، فكان الحاكم المطلق للدولة من قصر يلديز، وهو ما لا يمكن تبرئة السلطان منه، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه في عهد السلطان عبد الحميد، تم ترسيخ فكرة “الوطن غير القابل للانقسام” في أذهان أجيال عديدة، من خلال افتتاح المدارس الجديدة.

 

ففي وسط ثمانينيات القرن التاسع عشر، افتتح عبد الحميد مدارس حديثة لتعليم الأجيال العلوم الجديدة إلى جانب تنشئة هذه الأجيال على معرفة اللغة العثمانية، وقام بتفعيل جميع الأدوات التي تجعل هذه الأجيال مرتبطة بأصولها، وتبنى سياسة إحياء الذكريات التي تغذي مفهوم الوطن وتمنح هويّة للتقاليد الاجتماعية، فكان يسلط الأضواء على ذكرى أشخاص وأحداث تاريخية ملهمة، مثل إحيائه  لذكرى الغازي “أرطغرل” وفتح القسطنطينية بعد مئات السنين.

 

ذكر كاربات في أكثر من موضع أن عبد الحميد الثاني تعرض للكثير من الاتهامات عبر التاريخ، إلا أنه عاد مؤخرًا كالنجم اللامع المسيطر على المواضيع التاريخية السياسية، وأن نسيانه لفترة طويلة ثم إعلاء شأنه مرة أخرى، يدل على الجهل بالتاريخ داخل المجتمع، ولذلك، يتساءل كاربات: كيف تكون شخصية سياسية “حقيرة” في فترة زمنية معينة ثم تصبح شخصية “بطولية” في فترة زمنية أخرى؟

 

كما يرى صاحب “التاريخ العثماني وتركيا اليوم” أن عبد الحميد صُوِّر على أنه شخصية تاريخية سيئة ممن عزلوه، ثم من الكماليين، وتأثر المجتمع بهذا التصوير، ويُرجع ذلك إلى أن المجتمع التركي يتحرك وفق العواطف وليس المعطيات التاريخية، ولذلك يرفض كاربات المقارنات التي تُعقد بين السلطان عبد الحميد الثاني والرئيس أردوغان، ويصفها بالركيكة والمُسيَّسة، التي تعود إلى ضعف الوعي السياسي في تركيا والشرق الأوسط.

 

ويتساءل كاربات: كيف يمكن مقارنة عصر مليء بالحروب مثل عصر عبد الحميد، بعصر مليء بالتهديدات مثل عصر أردوغان، التي مهما تعاظمت لن تصل إلى حدة المخاطر التي تشكلها الحروب المستمرة؟  

 

شغل كاربات العديد من المناصب، من بينها عضوية جمعية “الأبحاث التركية”، التي ترأسها بعد ذلك، كما أسس جمعية “آسيا الوسطى”، وكان عضوًا أيضًا في “اتحاد الأبحاث العثمانية والتركية”، إلى جانب عمله في أبرز الجامعات العالمية، كجامعة نيويورك ومونتانا وهارفارد وكولومبيا وواشنطن وأنقرة.

 

كما حصل صاحب “تاريخ السياسة الخارجية التركية” على العديد من الجوائز الدولية والمحلية، كجائزة استقلال رومانيا، وجائزة جامعة ويسكونسن ماديسون، بالإضافة إلى جائزة الشرف الجمهوري، التي يحصل عليها أصحاب الإنجازات المعتبرة في تركيا، كما حصل على العضوية الشرفية لمؤسسة تاريخ الأتراك.

 

ومن أبرز الآثار التي تركها كمال كربات: “القومية وميراث العثمانيين في الشرق الأوسط” و”الهيكلية القومية والهجرات في عهد الدولة العثمانية” و”السياسة والعسكر في عهد الدولة العثمانية” و”تركيا وآسيا الوسطى”.

 

المصدر –  نون بوست

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *