• 29 مارس 2024

هل سلمت تركيا محكوماً عليه بالإعدام لنظام السيسي؟

ينتشر منذ يومين في وسائل الإعلام العربية خبر حول تسليم شاب يحاكم بتهمة الإعدام، بل صدر بحقه حكم بالإعدام، قسرًا من تركيا إلى نظام السيسي. وقد قدمت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الموالية للسيسي على وجه الخصوص الواقعة في صورة من التخويف استنادًا إلى فكرة أنّ تركيا أصبحت تتعاون مع السيسي وأنّ معارضي النظام المصري سيقبض عليهم ويرحلون أينما كانوا. وبطبيعة الحال فإن هذه الرسائل لا تغفل إضافة عبارات وقحة ومتحذلقة توصي من بالخارج بالعودة إلى مصر قبل فوات الأوان بعدما أصبحت تركيا مكانًا غير آمن لهم.

 

وكأنّ نظام السيسي طلب ترحيل هذا الشاب المحكوم عليه بالإعدام، فسارعت تركيا بالقبض عليه وترحيله إلى القاهرة.

 

لكن لا شك أنّ ثمة شيء مثير للتساؤل، ألا وهي أنّ هذا الشاب كان قد وصل إلى تركيا قبل نحو 24 ساعة من ترحيله، فمتى وكيف طالب النظام المصري بترحيل هذا الشاب عن طريق التواصل مع السلطات التركية استنادًا إلى حكم محكمة لتقيّم أنقرة هذا الطلب وترحل الشاب المصري قائلة “خذوا هذا المتهم افعلوا به ما تشاءون”؟

 

في الحقيقة فإنّ صور القبض على ذلك الشاب في المطار وإجباره على ركوب الطائرة تبين لنا أننا أمام وضع لا يمكن قبوله على الإطلاق. لكن هل الوضع كما يحكونه لنا؟ وهو ما دفعنا للبحث في أصل المسألة.

 

تعتبر تركيا من أولى الدول التي ترد على ذهن الناس حول العالم للجوء إليها اتقاء لشر الضغوط والظلم والمحاكمات الظالمة التي يتعرضون لها في بلدانهم. واليوم هناك أكثر من 5 ملايين شخص لجؤوا إلى تركيا بسبب الظروف القاسية في بلدانهم مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا وميانمار وأفغانستان وتركستان الشرقية وغيرها من الدول. ومن جانبها تسعى تركيا بشرف لتحمل مسؤولية كلّ هذه الأعداد ومشاكلها بالرغم من أنها تواجه مشاكل وأعدادًا أكثر بكثير من التي تواجهها دول أوروبا، وذلك من أجل رعاية حقوق اللاجئين.

 

وبطبيعة الحال لكلّ دولة قدرة معينة على استقبال اللاجئين، بيد أنّ تركيا تضغط كثيرًا على قدرتها هذه. كما أنها مرتبطة كذلك ببروتوكولات أمنية تستند إلى بعض المعاهدات الدولية مثل الإنتربول، وفي الوقت نفسه فإن دخول الأراضي التركية مبني على قواعد معينة وإجراءات متعلقة بالتأشيرة. فتركيا ليست الدولة التي يستطيع أي أحد دخولها كما يشاء في حين عدم امتلاكه لتأشيرة دخول سارية.

 

وبالرغم من ذلك تبذل تركيا جهودًا خاصة للتعامل مع قضايا اللاجئين القادمين من بعض الدول التي يتعرض فيها الناس لانتهاكات حقوق إنسان ممنهجة.

 

تعيش مصر اليوم في ظل ظروف انقلاب عسكري لا يحترم أبدًا الشرف الإنسانيّ أو يعترف بحق الناس في محاكمة عادلة، كما أنه يزيد من ضغوطه وانتهاكاته لحقوق الإنسان يومًا بعد يوم. ولقد شهد العالم أجمع على إصدار إحدى المحاكم المصرية حكمًا جماعيًّا بالإعدام خلال نصف ساعة فقط على أكثر من 800 شخص دون محاكمة أو حتى السماح لهم باستخدام حقهم في الدفاع عن أنفسهم. ولهذا فإنه لا توجد أدنى قيمة لأي حكم إعدام يصدر بحق شخص من جانب السلطات المصرية. فالمرء يفسر هذا الأمر للوهلة الأولى على أنه علامة على محاولة النظام في مصر لتصفية المعارضين بحجج واهية لا أساس لها، وليس على أنه جريمة ارتكبت فعلا على أرض الواقع.

 

ولهذا السبب لا ولم تسلم تركيا أحدا أصدر نظام السيسي بحقه حكما بالإعدام أو أي حكما قضائيا آخر.

 

أضف إلى ذلك أن الجميع صار يعلم أن النظام المصري الانقلابي يسيء استغلال إمكانيات الإنتربول عن طريق وضع بعض المعارضين السياسيين على قوائم البحث والإحضار بعدما يلصق بهم تهما عاديا وليس تهما سياسية. ولهذا فإن النشرات الحمراء التي تسلمها مصر للإنتربول لا قيمة لها. وفي الواقع فالجميع يعلم جيدا أن النظام المصري يفسح المجال للمواطنين الأتراك المنتسبين إلى تنظيم غولن الإرهابي أو أي مواطني تركي آخر مطلوب القبض عليه تحت أي تهمة حقيقة أخرى.

 

يحاكم الكثير من الأشخاص في مصر بتهم وحجج واهية، غير أن السلطات المصرية لم تفتح حتى تحقيقا واحدا، ناهيكم أصلا عن دعوى قضائية، منذ مذبحة رابعة التي ارتكبت قبل 6 سنوات بعدما قتل 3 آلاف شخص بقسوة وجمعت جثثهم وهي مكبلة داخل خيام الميدان لتحرق. فعن أي عدالة نتحدث؟

 

وفي ظل هذه الظروف لا يمكن أبدا أن تفكر تركيا في تسليم أي مواطن مصري إلى مصر لصدور حكم إعدام أو أي حكم آخر بحقه.

 

إذن، كيف أجبر المواطن الصري محمد عبد الحفيظ على ركوب طائرة القاهرة بالرغم من أنه صادر بحقه حكم بالإعدام؟

 

بحسب المعلومات التي حصلت عليها من مدير إدارة الهجرة في تركيا، فقد وصل عبد الحفيظ يوم 16 يناير إلى تركيا في رحلة ترانزيت من مقديشو إلى القاهرة، لكنه بدلا من أن يركب طائرة القاهرة ذهب عند الساعة 7:19 إلى نقطة الجوازات وأراد دخول تركيا، لكنه لم تكن لديه تأشيرة دخول صالحة. وأما التأشيرة الإلكترونية التي كانت معه فقد استطاع الحصول عليها بعدما أدخل سنه بشكل خاطئ، وهو ما جعل هذه التأشيرة مزورة أو غير صالحة. وبعد أن أخبره الموظف المختص بأنه لن يستطيع الدخول، كان من الطبيعي واتباعا للإجراء المتبع في مثل هذه الحالات إجباره على ركوب الطائرة التي أتى عليها أو إرساله إلى القاهرة آخر نقطة في رحلة الترانزيت.

 

وبحسب المعلومات التي أدلى بها مسؤولو إدارة الهجرة، فإن ذلك الشخص لم يتقدم بأي طلب في إطار لوائح الحماية الدولية. وبما أنه لم يتقدم بطلب كهذا، فقد تم توجيه لإعادته من حيث أتى أو إلى القاهرة حاملا صفة “مسافر غير مقبول”. أما إذا كان قد تقدم بطلب كهذا فكان سيتم توقيفه في المطار إلى حين يبت في طلب إعادته.

 

لكن دعونا نطرح سؤالا هنا: لماذا لم يتقدم عبد الحفيظ بطلب الحماية الدولية في حين أنه محكوم عليه بالإعدام؟

 

فليس هناك إمكانية أن يعلم مسؤولو المطار في إسطنبول أي شيء عن الحالة الخاصة له إن لم يدلي هو بأي معلومات عنها. لكن هل يمكن أن ننسب قصورا للمسؤولين كأن يكونوا عجزوا عن التفسير الصحيح للمقاومة التي أظهرها عبد الحفيظ؟

 

هل كان عبد الحفيظ يريد سرد حالته لكنه عجز عن ذلك بسبب حاجز اللغة؟

 

هل كان على أي حال يجب تكبيله وإرساله إلى الطائرة قسرا؟

 

يجب إيجاد أجوبة عن كل تلك الأسئلة. وأشهد شهادة حقة أن مدير إدارة الهجرة السيد عبد الله أياز يتعامل دائما بإنسانية متناهية مع كل المهاجرين الذين يقعون في مشاكل كبيرة. وقد أخبرني بأن هذه الواقعة أزعجت وزير الداخلية سليمان صويلو كثيرا، ولهذا فإنه يتابع عن كثب التحقيق الذي أصدر تعليماته بفتحه.

 

وآمل ألا تتكرر مثل هذه المشاهد التي لا تستحقها تركيا التي تميزت، عن جدارة واستحقاق، في العالم أجمع بسياساتها الإنسانية.

 

مقالة لـ “ياسين أقطاي” على يني شفق بالعربية

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *