بدأت الانتخابات البلدية التركية 2024 تستحوذ على اهتمام الوسط التركي مع اقتراب موعدها في شهر آذار/مارس المقبل، ومن الطبيعي بدء الحديث الجِدّي عن الانتخابات التي تلي في أهميتها الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وترسم جميعها مستقبل البلاد السياسي لسنوات مقبلة.
وفي الأيام القليلة المقبلة، سيتبيّن الخيط الأبيض من الأسود بشأن المرشحين، والتحالفات، وملامح المعركة في الانتخابات البلدية التركية.

يرى الكاتب والباحث في الشؤون التركية سمير العركي، أن حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية ليس محل شك أو نقاش، فنتائج الانتخابات البلدية التركية الأخيرة في مارس 2019، تعكس أرقامها اكتساحًا كبيرًا للحزب منفردًا، ولتحالف الجمهور الذي ضمّ الحزب ومعه حزب الحركة القوميَّة.
وقال العركي: “لكن هذه الأرقام انطفأ بريقها، بسبب خَسارة الحزب بلديات كبرى مهمة ذات رمزية كبيرة، وفي مقدمتها بلديات: إسطنبول، وأنقرة، وأنطاليا، وديار بكر، ومرسين، وأضنة وغيرها”.
وأوضح: “العنوان الأبرز لانتخابات مارس المقبل- والمتداول بشدة في تركيا الرسمية والشعبية- يتمحور حول قدرة حزب العدالة والتنمية على استرداد رئاسة بلديات كبرى، وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة؟”.
ما هي استراتيجية أردوغان لـ الانتخابات البلدية التركية 2024

تركت خسارة البلديات الكبرى أثراً سلبياً، وكان ذلك واضحاً وجلياً في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن رئاسة بلدية إسطنبول، ولن يزول ذلك الأثر إلا باستردادها مجدداً.
وأكد أردوغان في اجتماع لرؤساء فروع حزب العدالة والتنمية نهاية نوفمبر المنصرم، أن الهدف الرئيسي للحزب، هو استعادة إسطنبول، وأنقرة.
ومن خلال تتبع تصريحات أردوغان في الفترة الأخيرة، وتحركات حزبه يمكن رسم تصور كلي للإستراتيجية التي سيعتمدها خلال الانتخابات البلدية التركية 2024، وأبرز ملامح تلك الإستراتيجية:
1- اغتنام الفوز الكاسح الذي أحرزه تحالف الجمهور في أيار/مايو الماضي، والذي مكّنه من اقتناص أغلبية مقاعد البرلمان، ومنصب الرئاسة لدورة ثانية- بمنح تحالفه دفعة كبيرة في المدن الكبرى.
2- التركيز استغلال أخطاء رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ومنصور يافاش، خلال السنوات الخميس الماضية، بأفضل شكل ممكن، حيث فشل إمام أوغلو، في تأكيد جدارته بالمنصب؛ بسبب هوسه بحلم رئاسة الدولة، فاهتمّ بالدعاية لشخصه، على حساب مطالب سكان إسطنبول.
لذا تراجعت الخدمات، ولم ينجح مساعدوه في تسيير منظومة العمل داخل المدينة، مثلما كانت خلال رئاسة العدالة والتنمية.
3- تعزيز وتوثيق العلاقة في تحالف الجمهور مع الشريك الأهم وهو حزب الحركة القومية، حيث التقى أردوغان برئيس الحزب، دولت بهجلي، مؤخرًا في القصر الرئاسي.
ويرى الباحث والكاتب العركي، أن استمرار حزب “الرفاه من جديد”، الذي يترأسه فاتح أربكان، في التحالف محل شك، فالمؤشرات التي تأتي من الحزب، حتى الآن، تشير إلى احتمالية خوضه الانتخابات منفردًا.
أمّا حزب الدعوة الحرة “هدا بار”- وهو حزب كرديّ محافظ، والذي كان أبرز الأحزاب الصاعدة في انتخابات مايو الماضي- فالتقديرات أن يواصل صعوده في الانتخابات البلدية، حيث يحتاج إليه تحالف الجمهور لإحداث اختراق في كتلة الناخبين الأكراد في إسطنبول بصفة خاصة، وأيضًا ولايات الجنوب الشرقي.
تشير التقديرات الى أن حزب الدعوة الحرة “هدا بار”- وهو حزب كرديّ محافظ، والذي كان أبرز الأحزاب الصاعدة في انتخابات أيار/مايو الماضي، سيواصل صعوده في الانتخابات البلدية، حيث يحتاج إليه تحالف الجمهور لإحداث اختراق في كتلة الناخبين الأكراد في إسطنبول بصفة خاصة، وأيضًا ولايات الجنوب الشرقي.
كما يتمتع حزب “الدعوة الحرة” بوجود شعبوي واضح، بفضل نشاطاته المتعددة، وآخرها تفاعله الجيد مع العدوان الإسرائيلي على غزة، كما يتمتع الحزب بوجود كوادر شبابية فاعلة سواء على أرض الواقع، أم على مواقع التواصل الاجتماعي.
4- اختيار المرشحين الأكْفاء، وهذه هي النقطة الأهم، فالإعلان عن أسماء مرشحي الحزب – بحسب أردوغان- سيبدأ منتصف الشهر الجاري.
وما يشغل الرأي العام منذ فترة، هما مرشحا الحزب لرئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة، على وجه الخصوص.

بالنسبة لبلدية إسطنبول، يتم تداول اسم اسم وزير التخطيط العمراني السابق، مراد قوروم، فهو صغير السن، وله يد طولى في إعادة إعمار مناطق ضربتها كوارث طبيعية، وآخرها الولايات التي ضربها الزلزال المدمر في فبراير الماضي، حيث بدأ عملية الإعمار على الفور، قبل أن يستقيل للترشح لانتخابات البرلمان.
كما طُرح اسم وزير الصحة الحالي، فخر الدين كوجا، الذي أثبت نجاحًا واضحًا في التعامل مع أزمة جائحة “كورونا”، لكن تكوينه الأكاديمي قد لا يناسب طبيعة عمل البلديات.

ولكن يرى الكاتب حسب قراءته للمشهد، بأن الشخصية الأقرب إلى الترشح، هو توفيق كوكصو، الشقيق التوأم لسفير تركيا في قطر، محمد مصطفى كوكص.
وأوضح: “أثبت توفيق كفاءة كبيرة خلال رئاسته بلدية إسنلر بإسطنبول، كما أنه يشغل منصب رئيس مجموعة حزب العدالة والتنمية في مجلس بلدية إسطنبول، وسبّب إزعاجًا كبيرًا لأكرم إمام أوغلو، خلال السنوات الماضية، سواء من خلال المناقشات داخل مجلس البلدية، أم في وسائل الإعلام، كما أنه على دراية دقيقة بمشاكل إسطنبول وما تحتاجه من تطوير”.
أما في أنقرة، فتدور استطلاعات الرأي حول أسماء: مراد كوسه، وتورغوت ألتينوك، وهاكان هان أوزجان، وهي أسماء غير متداولة في وسائل الإعلام العربية.
استرداد إسطنبول وأنقرة ليس سهلاً
لن يكون طريق حزب العدالة والتنمية إلى استرداد بلديتي إسطنبول وأنقرة لن يكون مفروشًا بالورود، وقد يتجدد إخفاق انتخابات 2019 مرة أخرى، حتى في ظل تراجع شعبية إمام أوغلو، ومنصور يافاش، بحسب العركي.
وأوضح: “في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو الماضي، تفوق مرشح المعارضة، كمال كليجدار أوغلو، في الجولة الأولى، على أردوغان في إسطنبول بفارق حوالي 2%، وفي أنقرة بأكثر من 1%، ثم عاد في الجولة الثانية ليزيد الفارق في إسطنبول إلى أكثر من 3%، وفي أنقرة إلى حوالي 4%”.
كانت التوقعات تشير الى أن أردوغان سيكتسح إسطنبول، بسبب الأداء السيئ لأكرم إمام أوغلو، ولكن حدث العكس، حيث تفوق كليجدار أوغلو في بلديات تعد معاقل للمحافظين الأتراك، مثل: بلديتي أيوب سلطان في القسم الأوروبي، وأسكودار في القسم الآسيوي، حيث محل إقامة أردوغان نفسه.
ومع التأكيد على اختلاف معايير اختيار الناخبين من الانتخابات الرئاسية إلى البلدية، لكن هذه مؤشرات يمكن الاستئناس بها.
واختتم العركي: “وأخيرًا، فإذا كانت نتائج ولايات الأناضول نجحت في جبر التراجع الحاصل في المدن الكبرى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فإن الانتخابات البلدية التركية ستجرى على قاعدة: “ساعد نفسك بنفسك”
اقرأ أيضا: أفضل الجامعات التركية الحكومية والخاصة في 2024
اقرأ أيضا: الرئيس التركي: لن نسمح بضرب الرياضة