• 29 مارس 2024

التعليم و المدارس في حكم الدولة العثمانية

أرتبط التعليم في الدولة العثمانية بالدرجة الأولى، كما هو الحال في جميع الدول الإسلامية ، بالمدارس الدينية، التي أقيمت بادئ الأمر في المساجد أو ملحقة بها ( الكتاتيب) ، وبمرور الزمن أنشأ للتدريس مبانٍ مستقلة. حيث يرجع تاريخ إنشاء أول مدرسة عثمانية مستقلة إلى سنة 1331م عندما تأسست مدرسة في مدينة إزنيق قرب بورصة العاصمة القديمة للعثمانيين. وقد أنشئت المدارس العثمانية بهدف تخريج عاملين في المؤسسات القضائية والدينية كالقضاة والمدرسين والمفتين، وكان المستوى التعليمي في هذه المدارس عالياً جداً لما تمتع به مدرسوها من كفاءة عالية في العلوم الدينية. ناهيك عن العلوم الدينية فقد كان يتم تدريس العديد من المواد في ذلك الوقت كالفلسفة والمنطق، والرياضيات، والفلك، والهندسة والتاريخ.

 

تاريخ إنشاء المدارس في الدولة العثمانية:
شهدت الدولة العثمانية مدراس أخرى غير دينية منها مدارس السراي التي أنشئت لتعليم أولاد العائلة العثمانية ، وإعداد موظفين للعمل في السراي، والمدارس العسكرية لإعداد ضباط عسكريين وموظفين لدوائر الدولة، ومدارس الموظفين التي أنشئت لإعداد موظفين من غير الأتراك وعلى وجه الخصوص من الأسرى والمماليك للعمل في دوائر الدولة، وأخيراً المدارس الأهلية ومنها مدراس الصبيان. وبعد أن توجهت الدولة نحو الغرب عند سعيها إدخال الإصلاحات في مرافقها المختلفة قامت بإنشاء مؤسسات تعليمية على الطراز الحديث في عهد السلطان محمود الثاني (1809-1839م) منها المدرسة الطبية عام 1827م ثم المدرسة الحربية العسكرية، حيث كان التعليم تابعاً للمشيخة الإسلامية وفي عهد السلطان محمود الثاني فصلَ عنها سوى المرحلة الابتدائية فقد كانت المشيخة الإسلامية تشرف عليه إشرافاً تاماً والتي تأثرت بنظام الدولة السلجوقية التي وضعها نظام الملك في توفير رجال العلم للإدارة والقضاء (1)، غير أن التعليم الحديث لم يدخل الدولة العثمانية إلا بعد صدور فرمان التنظيمات عام 1839م، حيث بدأت المدارس الأجنبية بالتغلغل بشكل كبير وكمثال نأخذ فلسطين

حيث بلغ عدد المدارس فيها في العهد العثماني على النحو التالي :

( المدارس الرسمية في فلسطين حتى نهاية العهد العثماني لجميع الطوائف (776) مدرسة منها: 413 مدرسة عربية إسلامية، و250 مدرسة مسيحية، و113مدرسة يهودية، وهذه الإحصائيات تشير بوضوح إلى أن الدولة العثمانية سمحت لجميع الطوائف بممارسة حقها في التعليم لا كما يشاع عنها) .(2)

وفي اسطنبول افتتحت لأول مرة المدارس المتوسطة المسماة بالمدارس الرشدية عام 1847م ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات وتتضمن مناهجها ( العلوم الدينية ، اللغة العثمانية الإملاء ، الإنشاء، القواعد الفارسية والعربية ،التاريخ العام ،التاريخ العثماني ، الجغرافيا ، الحساب ، مسك الدفاتر ، الرسم ) التي أصبحت تشكل أساساً للدخول إلى المدارس المتقدمة. وأعقبها إنشاء مدارس ذات مراحل مختلفة ومنها مرحلة التعليم الإعدادي. وفي عام 1869م أصدرت الدولة العثمانية قانون التعليم العام المسمى معارف عمومية ( نظامنامة سي ) .(3)

وفي رأي الباحث أنّ تغلغل التعليم الأجنبي في الدولة العثمانية كان نتيجة صدور قوانين الإصلاح في جميع الولايات، وذلك عن طريق الإرساليات التبشيرية التي أصبحت أدوات للمطامع السياسية وسبباً في الانقسام، لأنها حاولت نشر الديانة المسيحية، وبذلك فإنها أضرت دينياً ووطنياً وثقافياً بالتعليم العربي الإسلامي في مجتمعنا العربي لأن المدارس الأجنبية لم تكن خاضعة لمراقبة وزارة المعارف العثمانية ولذا لم تكن الدولة العثمانية راضية عن النشاط التعليمي الأجنبي والإرساليات التبشيرية لدرجة أنها لم تعترف بالمدارس الروسية الأرثوذكسية إلا في عام 1902م.

التعليم الجامعي في الدولة العثمانية:

أما التعليم الجامعي في الدولة العثمانية فقد بدأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على شكل مكاتب عالية وكليات مستقلة غير مرتبطة بجامعة، وهذه المكاتب هي:

1. مكتب “ملكيه شاهانه:

أي المدرسة المدنية السلطانية: وهي أول مدرسة عثمانية مدنية عالية، تأسست في 12 شباط 1859م في استانبول لإعداد موظفين لاستخدامهم في المؤسسات المدنية للدولة وكانت مدة الدراسة فيها سنتين ثم أصبحت أربعاً في سنة 1867م. وكان يدرس فيها: التاريخ والجغرافية والرياضيات والاقتصاد والسياسة والقانون الدولي العام وأصول الدفتر والمحاسبة واللغة الفرنسية. وألحقت هذه المدرسة في 6 أيلول 1915م بكلية الحقوق التابعة لدار الفنون.

2. المدارس الطبية:

وأقيمت أول كلية للطب في الدولة العثمانية في سنة 1826م لإعداد أطباء عسكريين للعمل في القوات المسلحة. وكان اسمها عند بداية تأسيسها “طبخانهء عامرة أي دار الطب العامرة” وفي سنة 1836 تحولت لمدرسة طبية مدنية لجعلها تماثل الكليات الطبية الغربية. أما أول كلية أقيمت لإعداد أطباء مدنيين للعمل في المستشفيات المدنية فهي “مكتب طبيهء ملكية أي المدرسة الطبية المدنية، وتأسست في اسطنبول في سنة 1867م وكانت مدة الدراسة فيها في البداية خمس سنوات ثم ارتفعت إلى ست فسبع.

واستمرت حتى أواخر سنة 1908 حيث أدمجت مع الكلية الطبية العسكرية. ثم انفصلت عنها وألحقت في 4 آذار 1915م بكلية طب دار الفنون، وتوسعت بعد إلحاق مدرستي الصيدلة وطب الأسنان بها.

3. مكتب حقوق شاهانه:

أي مدرسة الحقوق السلطانية: وأقيمت لإعداد كوادر للمحاكم التي تأسست على الطراز الغربي بعد التنظيمات. والمعروف أن النشاط التدريسي العثماني في هذا المجال بدأ مع قوانين ونظامات درسخانه سى أي دار تدريس القوانين والأنظمة، التي أقيمت في تموز 1870م. وفي سنة 1874 افتتح مكتب علم الحقوق ضمن مكتب غلطه سراي السلطاني، واثر غلق هذه المدرسة أقام ناظر العدلية احمد جودت باشا في 17 حزيران 1880م مدرسة الحقوق السلطانية، وظلت هذه المدرسة تابعة لوزارة العدلية حتى سنة 1885 حيث ألحقت بوزارة المعارف، وأصبحت مدة الدراسة فيها أربع سنوات، وفي سنة 1900 ألحقت بدار الفنون. والمواد الأساسية التي كانت تدرس فيها هي: العدلية، قانون الجزاء، القانون الدولي، أصول الفقه، القانون التجاري البري.

4. مدرسة الهندسة المدنية:

أقيمت في سنة 1867 لتغطية احتياجات الدولة إلى مهندسين مدنيين بعد أن كان يتم إعداد المهندسين في مهند سخانه همايون أي دار الهندسة السلطانية. وفي سنة 1874 ألحقت بدار الفنون، وأطلق عليها فيما بعد اسم ” مدرسة الطرق والمعابر”. وأعيد تنظيم المدرسة في 3 تشرين الثاني 1883م تحت اسم مدرسة الهندسة المدنية وأصبحت الدراسة فيها تتم على مرحلتين: الإعدادية ومدتها ثلاث سنوات والعالية ومدتها أربع سنوات. وفي سنة 1908م ألحقت بوزارة النافعة (الإعمار) وسميت بمدرسة المهندسين العالية.

5. مدرسة الزراعة والبيطرة:

وأقيمت لإعداد فنيين في مجال الزراعة والبيطرة، وأمدها أربع سنوات. وفي سنة 1894 انفصل عنها قسم البيطرة والحق بمدرسة البيطرة المدنية.
أما أول محاولة لإقامة مؤسسة شاملة للتعليم العالي بنظام الجامعة في الدولة العثمانية فبدأت في أواسط القرن التاسع عشر وعلى وجه الخصوص بعد انفتاح التعليم العثماني نحو الغرب، فأقيمت أول مؤسسة من هذا النوع خارج نطاق المدارس الدينية التقليدية سميت “دار الفنون”، خطط لها أن تعنى بتدريس العلوم المختلفة، وذلك في سنة 1846م. ويبدو أن الحكومة العثمانية كانت تسعى إلى جعل هذه الدار على غرار الجامعات الأوربية فاستقدمت المعمار الايطالي فوساتي من ميلانو وكلفته بإقامة مبنى فخم لها يتكون من ثلاثة طوابق تضم 125 غرفة، غير أن بناء هذا المبنى استمر لفترة زمنية طويلة ولم ينته إلا في سنة 1865م.

 

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *