شهد قطاع الزراعة في تركيا؛ العديد من التطورات في السنوات الأخيرة، فإلى جانب الإنجازات الكبيرة؛ واجه قطاع الزراعة العديد من التحديات، مثل مشاكل الجفاف ومشاكل التمويل الزراعي، وآخرها التداعيات السلبية لوباء كورونا.
في حدث هو الأول من نوعه؛ قامت مجموعة تركوفاز ميديا (Turkuvaz Medya Grubu) بالتعاون مع جريدة صباح التركية؛ بتنظيم القمة الأولى للمزارعين في تركيا 2021، تحت رعاية وزارة الزراعة والغابات، ومشاريع كوزا الذهبية، وبنك زراعات، واتحاد مصدّري بحر إيجة، وبمشاركة الجهات ذات الصلة بقطاع الزراعة في تركيا من القطاعين العام والخاص.
وكانت القمّة بمثابة رسم خارطة طريق لقطاع الزراعة في تركيا، ومن خلال ثلاث جلسات نقاشية عُقدت في القمة؛ تم الكشف عن رؤية ومستقبل الزراعة في البلاد، على لسان وزير الزراعة والغابات التركي؛ د. بكير باك ديميرلي، من خلال إجابته على عدد من الأسئلة التي طُرحت عليه من منظمي الجلسة النقاشية، وتناولت الجلسات عدد من القضايا الهامة مثل؛ آخر ما وصل إليه قطاع الزراعة في تركيا، والخطوات المتخذة في مواجهة آثار الوباء، والتدابير المتخذة بشأن سلامة الأغذية، والخطط المتوسطة والطويلة الأجل.
فيما يلي استعراض لأبرز تصريحات الوزير (ترجمة مرحبا تركيا)
قطاع الزراعة في تركيا خلال فترة الوباء
صرّح الوزير ديميرلي في معرض إجابته عن سؤال متعلق بأداء القطاع الزراعي في تركيا خلال فترة الوباء؛ بأن أنوار الزراعة في تركيا لم تنطفئ، على الرغم من المرور بأسوأ وباء في هذا القرن، وبأن الوباء كان بمثابة اختبار لتركيا.
اقرأ ايضا: تركيا تدخل موسوعة جينيس وتحقق انجازاً في مجال الاستدامة البيئية
اقرأ ايضا: بيرقدار وأقنجي التركيتين تغزوان أوروبا وتدب الرعب في قلوب المتربصين
وقال الوزير: “تم إفراغ ونهب أرفف الأسواق في أوروبا والولايات المتحدة والعديد من الدول الآسيوية، وعلى الرغم من وجود زيادة في الطلب تصل إلى 1500 % لبعض المنتجات، إلا أننا لم نواجه أي مشاكل.. خلال هذه الفترة، اتخذنا 106 إجراء، وأعطينا المزارع جواز سفر دبلوماسي، وكان يتنقل كما يشاء وينتج ويحصد ويزرع، كما قدمنا دعماً إضافياً للبذور مع دعم التجارة الخارجية.. لم يفوتنا موسم الزراعة الصيفي، وتحولت هذه الجهود إلى ميزة إضافية لكل من الاقتصاد والزراعة في تركيا والأمن الغذائي التركي”.

إجراءات في مواجهة مشكلة الجفاف
وعند سؤال الوزير عن الإجراءات التي اتخذت في مواجهة مشكلة الجفاف التي يواجه الزراعة في تركيا؛ بيّن أن عام 2020 شهد جفافا وكان هناك انخفاض بنسبة 50 % في هطول الأمطار، وأن العام الحالي شهد أيضاً انخفاض بنسبة 25 % في نظام هطول الأمطار مقارنة بعام 2020.
وأكد الوزير على أن استثمارات الري التي تمت بمجال الزراعة في تركيا خلال السنوات العشرين الماضية منعت من تحول الجفاف الجوي إلى جفاف زراعي، وهذا بفضل أنظمة التخزين الخاصة، كانت هناك مشكلة في المناطق المروية.
وحول الدعم المقدم للمزارعين العاملين بحقول الزراعة في تركيا، قال: “قدمنا دعمًا يصل إلى 151 ليرة للدونم الواحد لكل مزارع المتضرر من الجفاف.. مع مخزوننا وتدابير التجارة الخارجية لدينا، لن تواجه تركيا أي قصور في الأمن الغذائي”.
وأكد الوزير على أن استثمارات الري ستواجه مشاكل الجفاف المتكررة بفعل الاحتباس الحراري، حيث قامت تركيا بتسريع وتيرة هذه الاستثمارات.
وصرّح وزير الزراعة في تركيا بأن السنوات الأخيرة شهدت زيادة ميزانية الاستثمار في الري 2.5 مرة، وأضاف: “في الفترة المقبلة لن تواجه تركيا مشكلة، نحن نقدم دعم لموردي القمح، وسيستمر من الآن فصاعدًا ولن تكون هناك زيادات مفرطة في أسعار الخبز”.
الزراعة التعاقدية في سبيل دعم قطاع الزراعة في تركيا
بيّن الوزير أن 85 % من المنتجات الزراعية في العالم تتم عن طريق الزراعة التعاقدية (وفق هذه الصيغة يلتزم المزارع بتوريد كمية ونوع معين من منتج ما للمشتري في وقت محدد وفق عقد، على أن يدفع المشتري مقدماً جزء من ثمن المنتجات، ويتم تسوية باقي المبلغ عند تمام التسليم).
وصرّح وزير الزراعة في تركيا بأن مشروع قانون الزراعة التعاقدية معروض الآن على البرلمان، وشدد على ضرورة تبني تركيا لهذا النموذج في أسرع وقت ممكن، وتوقع أن يتحول 5 إلى 10 % من الزراعة في تركيا إلى الشكل التعاقدي فور صدور القرار، وقال الوزير: “تركيا من بين الدول العشرة الأوائل في العالم من حيث الإنتاج الزراعي، لكننا لسنا ضمن أفضل 25 دولة في العالم من حيث إنتاج الغذاء، وستكون الزراعة التعاقدية هي التطبيق الرئيسي لحل هذه المشكلة”.
الزراعة في تركيا بحالة اكتفاء ذاتي من البذور
وفي رده على الاتهامات الموجهة بأن تركيا تستود البذور الزراعية من الخارج؛ أجاب الوزير بأن تركيا لديها ما معدله 1000 شركة بذور، 940 منها شركة محلية، و42 شركة أجنبية و22 شركة محلية – أجنبية، بمعنى أن لو تم زراعة 100 فدان فإن 94 فدان منها مزروع ببذور تركية.
وصرّح الوزير بأن صادرات الزراعة في تركيا من البذور تبلغ قيمتها حوالي 162 مليون دولار، وأردف بالقول: “نحن بلد ناجح جداً في هذا الصدد، هناك مجالات يمكن من خلالها تحسين أنفسنا، نحن بحاجة إلى المزيد من العمل على تنمية بذور الخضار الجذرية، حيث نعتمد على استيراد بذور هذه الخضروات، ونحن نعمل مع مجلس البحوث العلمية والتكنولوجية في تركيا لإنتاج هذه البذور.. لا توجد مشكلة مع البذور في تركيا، بل على العكس نحن دولة مصدرة للبذور”.
الشباب والنساء ضمن خطط الزراعة في تركيا
تطرق الوزير لمشكلة أعمار القوى العاملة في الزراعة، وبين أن أعمار المزارعين في العالم آخذة في الازدياد، وأن متوسط عمر العاملين في تركيا هو 55، وأضاف: “نحن بحاجة إلى إقناع شبابنا بالبقاء حيث ولدوا، لهذا يجب إطعامهم حيث ولدوا، علينا أن نجعل من الشباب رواد أعمال، الشباب مدركون لأهمية الأرض، ومن المهم جداً أن يبقى النساء والشباب في أرضهم..”
وأكمل في ذات السياق حول تأثر مجالات الزراعة في تركيا خلال الفترة الماضية: “لقد كان الوباء فرصة لنا لشرح ذلك، فخلال هذه الفترة كان هناك من تعلم ولكنه فكر في الهجرة من المدينة، لذا قمنا باستغلال الفرصة وقمنا بإعداد أدلة استثمارية جادة، سنحفز المزارعين الحاليين على زيادة إنتاجهم وإشراك منتجين جدد بقطاع الزراعة في تركيا، والأهم من ذلك، أننا سندعم الشباب وريادي الأعمال، وليس فق أولئك الذين تجاوزوا سنًا معينة، ضمن نطاق مشروع (أيادي خبيرة – Expert Hands) الخاص بنا، نقدم منحة قدرها 100 ألف ليرة لأصحاب المهن الزراعية، كما نقدم دعماً إضافياً لمشاريع ريادة الأعمال الشبابية”.
حقيقة تحول تركيا إلى دولة مستوردة للغذاء
وحول ترديد المعارضة التركية لاتهاماتها بأن القش (العلف الجاف) يتم استيراده باستمرار؛ جاء رد الوزير بأن ذلك يمكن أن يتم إذا لزم الأمر، وأن تم بالفعل استيراد ألفي طن من القش، في المقابل تم تصدير 84 ألف طن، وعبر وزير الزراعة في تركيا بالقول:
“يزداد الإنتاج في تركيا كل عام، وهي دولة مصدرة صافية، يجب علينا زيادة الإنتاج أكثر، اليوم حتى الحبوب التي تستوردها المنشآت الصناعية لتعبأتها وإعادة تصديرها تشكل مشكلة لدى المعارضة..
ولإيضاح الفكرة بشكل أكبر؛ قال وزير الزراعة في تركيا: “دائماً ما نضرب مثلاً بالوضع في هولندا؛ التي تبلغ قيمة الواردات فيها 67 مليار دولار، لكنها تقوم بتصدير ما قيمته 100 مليار دولار، ولا يوجد لديهم معارضة كهذه.. في تركيا يمكنها استيراد منتجات معينة، طالما أننا مضطرون فلا مشكلة، يجب على تركيا زيادة إنتاجها بشكل مستمر، ولا توجد دولة في العالم تنتج جميع احتياجاتها”.
وأضاف الوزير بأنه قد تم كسر الأرقام القياسية لمنتجات قطاع الزراعة في تركيا، حيث كان هناك نمو مستمر في الزراعة لمدة 11 ربعاً متتالياً، ولا يوجد مزارع غير راضٍ عن أسعار الحبوب والشعير والمشمش والبندق.
وقال الوزير: “في عام 2020، نما قطاع الزراعة في تركيا بنسبة 4.8 % ووصل إلى أعلى معدل نمو في السنوات الثلاث الماضية، بينما زاد الإنتاج الزراعي بنسبة 20 % أي إلى 333.3 مليار ليرة، واستمر تصدّرنا في أوروبا.. وبلغ عدد الأبقار 18.2 مليون رأس مسجلة كأعلى مستوى في تاريخ الجمهورية التركية”.

تحدي ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية في تركيا
أكد الوزير على وجود مشاكل هيكلية في مجال الزراعة في تركيا، وأن عقود الزراعة التعاقدية هي التطبيق الرئيسي الذي سيحل هذه المشكلة، وأن هناك أيضاً ضرورة في تطبيق الزراعة الإلكترونية التي تضمن وصول المنتج إلى المستهلك بسعر أكثر استقرارا، في إشارة إلى أهمية ضبط السوق وتتبع عمليات البيع من الحقل وصولاً إلى الأزقة.
وحول ذات القضية صرّح الوزير بأن أسعار المواد الغذائية بشكل عام ترتفع نتيجة للتضخم وليست مسببة له، فإذا زاد مؤشر أسعار المدخلات، يرتفع سعر الغذاء أيضاً، وتتقلب أسعار المواد الغذائية من وقت لآخر، وبين أن الشتاء دائما ما يكون صعب في حين أن الصيف يكون أسهل.
الأمن المائي وتأثيره على الزراعة في تركيا
تركيا ليست فقيرة بالمياه، لكنها دولة تعاني من شح المياه، وفي سياق ذلك أكد وزير الزراعة في تركيا على حقيقة أن تصبح الدولة فقيرة بالمياه خلال العشرين سنة القادمة بسبب تأثير تغير المناخ، ولهذا السبب يتعين على تركيا تخزين الماء عند هطول الأمطار، وشدد الوزير على ضرورة الاستثمار في أنظمة التخزين، وبيّن أن خلال الفترة منذ تأسيس الجمهورية حتى عام 2002 تم بناء إجمالي 275 سداً، في حين وصل عدد السدود حتى الآن إلى إجمالي 875 سداً، من خلال استثمار 276 مليار ليرة تركية في بناء 600 سد، في الري في السنوات العشرين الماضية
واستدرك الوزير في حديثه عن الأمن المائي في قطاع الزراعة في تركيا: “لقد استثمرنا 41 مليار دولار في الري خلال السنوات الثلاث الماضية، فنظراً لأننا معرّضون للجفاف؛ سنقوم ببناء 150 سدا بحلول عام 2023، وسننهي 50 سدّاً منها بحلول نهاية هذا العام، وسنناقش المشاكل ومقترحات الحلول من خلال عقد مجلس للمياه بسبب الجفاف، وسنشارك نتائج المجلس مع رئيسنا”.

خطط الزراعة في تركيا والأمن الغذائي على المدى المتوسط والطويل
وعند سؤاله عن الخطط الاستراتيجية المتعلقة بالأمن الغذائي والزراعة في تركيا؛ أجاب الوزير: “في تركيا، يتم الحديث عن الزراعة كما يتم الحديث عن كرة القدم، يعتبر الأمن الغذائي من أهم القضايا في الزراعة، في السنوات العشرين القادمة ستزداد احتياجاتنا الغذائية بنسبة 50 %، وقمنا بإنشاء مجلس زراعي حول هذه المسألة في عام 2019، وجعلنا من نتائج المجلس خطة عمل…
وأكمل: “نحن في الوزارة نستمع وننزل إلى الميدان، خلال ثلاث سنوات من ولايتي زرت 81 ولاية ربما 5 مرات على الأقل، نحن نعمل على الاستماع لمشاكل المزارعين وحلها على الفور، ونحن منفتحون على تعلم أي شيء”.
اقرأ ايضا: الشواطئ النسائية في إسطنبول 2021
اقرأ ايضا: ازدهار العقارات في تركيا 2021 بمساهمة المستثمرين الأجانب
وصرح الوزير في ختام الجلسة بأن خارطة الطريق لقطاع الزراعة في تركيا على المدى المتوسط والطويل باتت جاهزة، وهناك خطط استراتيجية تمتد إلى 25 سنة، على أن يتم مراجعتها كل 5 سنوات.
ترجمة وإعداد: فاضل محمد ماهر الحايك