تعكف فرق التنقيب في مدينة نيسا الأثرية بولاية آيدن غربي تركيا على إماطة اللثام عما يعرف بـ”الطريق المقدس” التاريخي في المدينة، التي يمتد تاريخها لأكثر من 2300 عام.
ورغم أن التنقيب فيها بدأ قبل نحو 120 عاما، إلا أن الجهود تنصب حاليا على إماطة اللثام عما يعرف بـ”الطريق المقدس” التاريخي، الذي يربط المدينة بمعبد “بلوتو وكوري”، والذي كان وجهة بارزة للحجاج الذين كانوا يقصدونه للشفاء في العصور القديمة.
وتقع مدينة نيسا التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفين وثلاثمئة عام، في منطقة سلطان حصار، وسط مشهد طبيعي يزخر ببساتين الزيتون، وعلى الطريق السريع الذي يصل بين مدينتي آيدن ودنيزلي.
كما تتميز المدينة بموقعها الجغرافي وتاريخها العريق الذي شهد تعاقب حضارات كبرى، ما جعلها إحدى أهم مراكز الحضارة القديمة وأكثرها تأثيرا.
وتُعرف نيسا بكونها مدينة مزدوجة، تتألف من قسمين يفصل بينهما نهر سريع الجريان، كان يشكل واديا عميقا يضفي طابعا جغرافيا فريدا على المدينة.
وتحتضن المدينة العديد من المعالم البارزة التي تجسد عراقة تاريخها، مثل ملعب الرياضات البدنية (الجمنازيوم)، والمسرح، والسوق المركزي (الأغورا)، ومعبد بلوتو وكوري.
كما تضم واحدة من أفضل المكتبات المحفوظة في منطقة الأناضول، ما يجعلها مركزا حضاريا وثقافيا مهما في التاريخ القديم.
*إرث للمستقبل
وبدأت أعمال التنقيب في نيسا منذ عام 1905، ولا تزال مستمرة حتى اليوم، إذ يشرف عليها حاليا البروفيسور سردار هاكان أوزتانر، الأكاديمي في كلية اللغة والتاريخ والجغرافيا بجامعة أنقرة في تركيا.
وبشأن أعمال التنقيب قال أوزتانز، في حديث للأناضول، إن الفريق يركز على دراسة نظام الشوارع والأزقة، بالإضافة إلى أسلوب تخطيط المدينة خلال العصور القديمة.
وأشار إلى أن هذه الأعمال تأتي ضمن مشروع “إرث للمستقبل”، الذي تدعمه وزارة الثقافة والسياحة التركية، حيث تركز الجهود الحالية على التنقيب في الشارع الرئيسي في الجزء الغربي من المدينة.
وفيما يتعلق بذلك الشارع، أوضح الخبير أنه “يبدأ من الجسر المركزي ويتجه غربا، وكان يُعد شريان الحياة للمدينة، حيث استخدمه الحجاج للوصول إلى معبد بلوتو وكوري، الذي كان موقعًا مقدسًا ومصدرًا للشفاء ومركزًا للعبادة في تلك الحقبة”.
وأوضح أن “هذا الطريق شكل محورا مهما للتنقل، ليس فقط لسكان نيسا، بل أيضًا للزوار القادمين من المدن المجاورة”.
وأكد أوزتانر أن فريقه أجرى 12 حفرة تنقيبية على طول الشارع، حيث كشفت الأعمال عن طبقات تربة بسماكة تصل إلى نحو مترين، تختلف سماكتها حسب طبيعة الموقع والانحدار.
تلك الطبقات، وفق الخبير، “تحمل آثارا متعاقبة تعكس فترات زمنية مختلفة على مدار ألفي عام”.
*قيمة تاريخية كبيرة في تركيا
وتابع: “يمكن اعتبار هذا الطريق المقدس بمثابة نظير للطريق الذي كان يربط بين ميليتوس وديديما غربي تركيا. وما نقوم به الآن هو إعادة إحياء هذا الطريق التاريخي الذي يربط بين نيسا ومعبد بلوتو وكوري”.
وبشأن ذلك المعبد، قال أوزتانز إن تاريخه يعود إلى الحقبة الهلنستية، ويقع على بُعد 4 كيلومترات غرب المدينة، ورغم أنه لم يُحافظ على أطلاله سوى القليل منها، إلا أن قيمته الأثرية والتاريخية تظل كبيرة”.
وعن أحدث الإنجازات لفريقه، أكد الخبير أنهم حققوا “هذا العام تقدما ملحوظا بالكشف عن نحو 100 متر من الجزء الغربي للشارع”.
وبخصوص السنوات القادمة، أضاف: “سنواصل أعمال التنقيب باتجاه الغرب، لأن هدفنا الأساسي هو تقديم تجربة استثنائية للزوار، بحيث يتمكنون من استكشاف نظام الشوارع والأزقة، والشعور بروح الحياة اليومية في العصور القديمة”.
وختم البروفيسور التركي حديثه بالقول: “نأمل أن تُسهم هذه الأعمال في إثراء فهمنا العلمي لهذه المدينة التاريخية، وكشف المزيد من التفاصيل حول الحياة الثقافية والاجتماعية التي ازدهرت فيها عبر الزمن”.
اقرأ أيضا: ترشيح 3 متاحف من تركيا لجائزة المتحف الأوروبي لعام 2025
اقرأ أيضا: تركيا.. المدن الأثرية تحت الأرض بكبادوكيا تستقبل 1.3 مليون سائح