كان انتصار ألب أرسلان بجيشه الذي لم يتجاوز خمسة عشر ألف محارب على جيش الإمبراطور دومانوس الذي بلغ مائتي ألف، حدثاً كبيراً، ونقطة تحول في التاريخ الاسلامي لأنها سهلت على اضعاف نفوذ الروم في معظم أقاليم آسيا الصغرى، وهي المناطق المهمة التي كانت من ركائز وأعمدة الإمبراطورية البيزنطية. وهذا ساعد تدريجياً للقضاء على الدولة البيزنطية على يد العثمانيين.
كما أنه كان بمثابة مفتاح دخول الأتراك للأناضول، وكذلك مهد للحروب الصليبية بعد ازدياد قوة السلاجقة المسلمين وعجز دولة الروم عن الوقوف في وجه الدولة العثمانية.
ألب أرسلان “الأسد الشجاع”
تولى ألب أرسلان زمام السلطة في البلاد بعد وفاة عمه طغرلبك، وكانت حدثت بعض المنازعات حول تولي السلطة في البلاد، لكن ألب أرسلان استطاع أن يتغلب عليها. وكان ألب أرسلان -كعمه طغرل بك- قائداً ماهراً مقداماً، واتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلع الى اخضاع أقاليم جديدة، وضمها إلى دولته.
كما كان متلهفاً للجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدولة المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيماً للجهاد، وحريصاً على نصرة الاسلام ونشره في تلك الديار، ورفع راية الاسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطي.
كيف استطاع الب أرسلان اشعال روح الحماسة بين جنوده؟
كان جيش الب ارسلان صغيرا إذ كان عدده خمسة عشر ألف إذا ما قورن بجيش القيصر الذي يبلغ عدده مائتي ألف جندي ويفوقه اسلحة وعتادا أسرع الب ارسلان بقواته الصغيرة واصطدم بمقدمه الجيش الرومي الهائل ونجح في تحقيق نصر يحقق له التفاوض العادل مع القصير غير أن القيصر رفض دعوة ألب أرسلان إلى الصلح والهدنة، وأساء استقبال مبعوثه؛ فأيقن ألب أرسلان ألاَّ مفرَّ له من القتال، بعد أن فشلت الجهود السلمية في دفع الحرب؛ فعمد إلى جنوده يشعل في نفوسهم رُوح الجهاد، وحب الاستشهاد، والصبر عند اللقاء.
لقد كان ألب أرسلان رجلاً صالحاً أخذ بأسباب النصر المعنوية والمادية، فكان يقرب العلماء ويأخذ بنصحهم وما أروع نصيحة العالم الرباني أبي نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي، في معركة ملاذكرد عندما قال للسلطان ألب أرسلان: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان. وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين.
فلما كان تلك الساعة صلى بهم، وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه، ودعا فأمنوا، فقال لهم من أراد الانصراف فلينصرف، فما ههُنا سلطان يأمر ولا ينهى. وألقى القوس والنشاب، واخذ السيف، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض وتحنط وقال: إن قتلت فهذا كفني
بداية نهاية الدولة البزنطية
تعد معركة “ملاذكرد” من أيام المسلمين الخالدة، مثلها مثل بدر، واليرموك، والقادسية وغيرها من المعارك الكبرى التي غيّرت وجه التاريخ، وأثّرت في مسيرته، وكان انتصار المسلمين في ملاذكرد نقطة فاصلة؛ حيث قضت على سيطرة دولة الروم على أكثر مناطق آسيا الصغرى وأضعفت قوتها، ولم تعد كما كانت من قبل شوكة في حلق المسلمين، حتى سقطت في النهاية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح.
وقعت بين السلاجقة بقيادة السلطان ألب أرسلان والبيزنطيين عام 1071 ذي القعدة463 هـ أنتصر فيها السلاجقة واسر الإمبراطور البيزنطي بيد السلاجقة وكانت هذه هي البداية انتهاء الدولة البيزنطية واندحارها بعد ولم يستطيع الامبراطور البيزنطي أن يخلص نفسه إلا بفدية كبيرة قدرها مليون ونصف من الديارات، وعقد الروم صلحًا مع السلاجقة مدته خمسون عامًا، واعترفوا بسيطرة السلاجقة على المناطق التي فتحوها من بلاد الروم. والبيزنطيين بقيادة إمبراطورها رومانوس ديوجينس.
(خاص-مرحبا تركيا)