في الرابع والعشرين من أبريل/ نيسان من كل عام، تحل ذكرى الأحداث التي وقعت بين عامي 1915 و1917،
وفيما يدعى الارمن ان هذه الاحداث اسفرت عن عن مقتل ما بين مليون إلى مليون ونصف شخص، وفق معلومات متضاربة، يؤكد باحثون من طوائف ودول عديدة عدم صحة هذه الحصيلة، فيما عمل باحثون عرب وأجانب مطولاً على دراسات مكثفة استنتجوا منها أن الدولة العثمانية بريئة تماماً من اي مجازر مفترضة بحق الارمن.
استند هؤلاء، في أبحاثهم، إلى وثائق ومستندات رسمية، غير أن دولاً غربية ترفض الإفصاح عن ذلك، لأسباب سياسية ودينية وعرقية.
كما أن أرمينيا، بحسب باحثين، تعمل على ابتزاز تركيا اقتصادياً وسياسياً، لذا دائماً تفتح هذا الملف إعلامياً.
المحرض الأساسي
في كتابه “الاحتكام إلى التاريخ”، يفنّد الأستاذ الدكتور ماجد الدرويش، باحث ومحاضر لبناني، وقائع احداث ١٩١٥، عبر وثائق ومستندات ودراسات أجنبية تؤكد جميعها أن تركيا بريئة والمحرّض الأساسي هي روسيا.
ويقول الدرويش للأناضول إن “شرارة هذه الاحداث بدأت في القرن التاسع عشر، عندما احتل الروس شمال منطقة الأناضول ودخل معهم آرمن، فسلّم الروس الحكم المحلي للأرمن، وارتكبوا مجازر شنيعة بحق الأكراد والأتراك معا”.
ولفت إلى أن “هذه المجازر سبقتها مجازر أخرى بحق المسلمين في اليونان والقفقاز ومناطق أخرى، هاجر منها المسلمون عندما احتلها الجيش الروسي”.
تقارير قناصل
نظرية الباحث اللبناني ليست نتيجة استلهام شخصي، بل نقلاً عن الباحث الأمريكي، جاستون ماكارثي، صاحب كتاب “الطرد والإبادة”، المبني على تقارير قناصل أجنبية في الدولة العثمانية، كانوا ينقلون أخبار مجازر الروس وأعوانهم الأرمن بحق المسلمين على مدار 100 سنة (1821 حتى 1922) في بلاد القفقاز.
وبحسب الأدلة الموثقة في كتاب ماكرثي، فإنه في العشرين من أبريل/ نيسان 1915، بدأ الأرمن في مدينة “وان” (ضمن نطاق الدولة العثمانية) بإطلاق النار على مخافر الشرطة ومساكن المسلمين، مع تقدّم الأرمن وتغلبهم على قوات الأمن العثمانية، وقد أحرقوا الحي المسلم، وقتلوا مسلمين وقعوا بين أيديهم.
نفّذ الأرمن “جرائم فظيعة” بحق الأتراك والأكراد في شمال شرق الأناضول، وحين انسحبت روسيا من هذه المنطقة، عقب الثورة البلشفية، ذهب مع الروس عدد كبير من الأرمن، فيما بقي آخرون، فتم الانتقام منهم ردا على التنكيل.
آنذاك، ووفق الدرويش، “وجدت الدولة العثمانية نفسها مجبرة على ترحيل الأرمن من شمال شرق الأناضول إلى الداخل، للحفاظ على حياتهم، حيث أرادت أن تحول بين هذا التقاتل”.
في تلك المرحلة، وتحديدا عام 1917، جرت عملية ترحيل الأرمن من جانب الدولة العثمانية، وسط ظروف صعبة جداً، حيث كانت تضرب العالم مجاعة كبيرة، فتوفي بعض الأرمن، بسبب الجوع والمرض، وليس كما يشاع بأن العثمانيين هم من قتلوهم.
لجنة أردوغان
لا يتهم الباحث والمحاضر اللبناني كل الأرمن بخيانة العهد، الذي أولتهم إياه الدولة العثمانية، التي رعتهم وعينت متصرفين من عرقهم، لكنه يتهم البعض منهم بخيانة الأمانة والتجسس لصالح الروس وقتل مسلمين، بينهم أكراد وأتراك.
ويلفت الدرويش إلى “مسألة مهمة تتعلق بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حيث نادى أكثر من مرة (مقابل رفض الطرف الأرمني) بتشكيل لجنة محايدة لدراسة الوثائق المتعلقة بهذه القضية، سواء كانت في الأرشيف العثماني أو البريطاني أو الأرمني أو الأمريكي، والقرار الذي تخرج به هذه اللجنة هو مستعد (أردوغان) لقبوله”.
ويتضمن كتاب “الاحتكام إلى التاريخ” معلومات كثيرة موثقة حول حقيقة احداث ١٩١٥، ويظهر من كان المعتدي الأول وكيف، وهو يقع في 158 صفحة، واعتمد كاتبه الباحث والمحاضر اللبناني على 19 مصدرا رسميا تاريخيا.
ويقول الدرويش إنه “بعد طبع النسخة الأولى منه، عام 2017، لاقى سخطاً واسعاً في الوسط اللبناني الأرمني، وحاول البعض أن يطلب مني سحبه من المكتبات اللبنانية، لكنني لم أفعل، لأنني أدرك تماماً أن الكتاب يشكل موسوعة تاريخية واقعية تعتمد على التوثيق، وليس العواطف، وهم يدركون ذلك، لذا خافوا من افتضاح أمرهم أمام الجيل الجديد”.
ويطلق الأرمن عادةً، عبر جماعات ضغط في مختلف دول العالم، دعوات إلى “تجريم” تركيا، وتحميلها مسؤولية مزاعم تعرض أرمن الأناضول لعملية “إبادة وتهجير” على يد الدولة العثمانية، إبان الحرب العالمية الأولى (1914- 1918).
وتؤكد أنقرة عدم إمكانية إطلاق صفة “الإبادة الجماعية” على تلك الأحداث، وتصفها بـ “المأساة” لكلا الطرفين.
وتقول تركيا إن ما حدث كان “تهجيرًا احترازيًا” ضمن أراضي الدولة العثمانية؛ بسبب عمالة عصابات أرمنية للجيش الروسي.
كما تدعو أنقرة إلى تناول الملف بعيدًا عن الصراعات والمصالح السياسية، وحل القضية عبر منظور “الذاكرة العادلة”، الذي يعني التخلي عن النظرة أحادية الجانب إلى التاريخ، وأن يتفهم كل طرف ما عاشه الآخر.