يصعب تذكر مدينة إسطنبول التركية من دون ذكر قصورها التاريخية ذات الطابع المعماري المميز، والتي حملت أسرار السلطنة العثمانية، قبل أن تتحول إلى مزار سياحي جاذب
لا تعكس القصور التاريخية في مدينة إسطنبول التركية البذخ الذي عاشه السلاطين العثمانيون فحسب، بل تُدلّل أيضاً على مستوى الرفاهية والتطور والتميز العمراني الذي اعتبره كثيرون سابقاً لعصره وقتذاك. ويكشف فتح القصور أمام الناس بعضاً من أسرار الحكم والتفاوت بين حياة السلاطين والرعايا.
فتحت تركيا قصور سلاطينها أمام الشعب والسياح. وكثيرة هي العبر التي يمكن استخلاصها، منها أنه لا دوام لملك أو حاكم. وبعيداً عن العبر، فإن لهذه القصور وقعا كبيرا على الناس.
وتشير مصادر رسمية تركية إلى أن القصور التراثية والتاريخية كانت من أكثر الأماكن إقبالاً من قبل السياح المحليين والأجانب عام 2024. وبحسب بيان صادر عن مديرية القصور الوطنية، فإن عدد زوار القصور الوطنية في عام 2024 ارتفع بنسبة 20% مقارنة بالعام السابق، من 7 ملايين و261 ألفاً و241 إلى 8 ملايين و709 آلاف و27 سائحا.
واستقبل قصر توب كابي، أكبر قصور مدينة إسطنبول ومركز إقامة سلاطين الدولة العثمانية لأربعة قرون، 4 ملايين و683 ألفا 250 شخصاً عام 2024، فيما استقبل قصر دولمة باهجة، الذي كان بمثابة المركز الإداري الرئيسي للسلطنة العثمانية منذ عام 1856 وحتى 1922، مليوناً و384 ألفا و383 شخصاً في العام نفسه.
أما قصر يلدز، الذي افتتحه الرئيس رجب طيب أردوغان في 19 يوليو/ تموز عام 2024، فاستقبل 447 ألفاً و586 زائراً محلياً وأجنبياً. كما زار 649 ألفاً و460 سائحاً قصر بيلرباي الواقع في منطقة بيلرباي (المعروفة رسمياً باسم الحدائق المتقاطعة) على الجانب الأناضولي من مضيق البوسفور.
وزار قصر كوجوكسو الصيفي في إسطنبول، الواقع في حي كوجوكسو في منطقة بيكوز على الشاطئ الآسيوي للبوسفور بين قصر الأندلوسيار وجسر السلطان محمد الفاتح، 203 آلاف و133 شخصاً. وبلغ عدد زوار متحف رسم القصور الوطني 512 ألفا و674 زائراً.
كما نال قصر أنقرة قسطه من الزوار، وبلغ عددهم 188 ألفاً و471 شخصاً عام 2024، بعد فتح أبوابه أمام الزوار. أمر يبرّره الدليل السياحي وصاحب شركة “ياشام” محمود ألتن باش، برغبة الأتراك ربما قبل السياح في معرفة موجودات القصور والتعرف إلى نمط حياة السلاطين والرؤساء بعد تأسيس الجمهورية عام 1923.
ويقول لـ “العربي الجديد”، إن برنامج زيارة القصور متوفر لجميع المجموعات السياحية التي تزور إسطنبول، وخصوصاً قصري توب كابي ودولمة باهجة، مشيراً إلى أن تركيا تستخدم بعض القصور العثمانية حتى اليوم. ويلفت إلى أن الكثير من زيارات الوفود الرئاسية تتم في قصر دولمة باهجة، معتبراً ذلك رسالة يوجهها الرئيس التركي تهدف إلى إبراز حضارة تركيا ونهضتها.
وفي ما يتعلق بالإقبال السياحي، يقول إن الزوار غالباً ما يركزون خلال زيارتهم القصور على نمط حياة السلاطين، والمستوى المعيشي والأدوات والحجرات، وكيفية توزع الأجنحة، وكيفية إدارتها من قبل السلطنة، والمقتنيات النادرة في تلك الفترات، بالإضافة إلى الطابع العمراني الفريد للقصور وحدائقها المطلة على البوسفور أو إسطنبول أو المقاهي وأماكن الترفيه وغير ذلك.
إذاً، يعد قصر توب كابي الأكثر شهرة، وحاملاً لأسرار السلطنة العثمانية، لكونه بقي مركز حكم الدولة العثمانية على مدى أربعة قرون، عدا عن كونه مقراً للسلاطين، وكانت جميع الأقاليم تشير من خلاله إلى السلطان، وعرف باسم “الباب العالي”.
بنى القصر محمد الفاتح (1460 – 1478) على تلّةٍ تطل على القرن الذهبي وبحر مرمرة وعدة نقاط على مضيق البوسفور. ويضم مباني عدة وأفنية ومئات الغُرف. وعرف أولاً باسم القصر الجديد، ووصل عدد المقيمين فيه إلى 4000 شخص، ثم تمّ تحويله إلى متحف بعد إعلان الجمهورية عام 1924، نظراً لما يضم من كنوز عثمانية ثمينة.
وفي الغرفة الخاصة في متحف القصر، أثر النبي أو العهدة الشريفة وهي مجموعة من المتعلقات الشخصية الخاصة بالنبي محمد، تحتفظ بها السلطات التركية.
وثاني قصور إسطنبول ومن بين أكثرها شهرة هو قصر دولمة باهجة الواقع على ساحل مضيق البوسفور المطل على شمال بحر مرمرة، في مدينة بشكطاش، وكان بمثابة المركز الإداري الرئيسي للإمبراطورية العثمانية منذ عام 1856 وحتى 1922. كما كان مقر سكن وإقامة الرئيس التركي الأسبق مصطفى كمال أتاتورك، الذي توفي فيه سنة 1939.
وتعد ملامح القصر مميزة، وقد شارك في بنائه مهندسون معماريون بارزون من أوروبا بالإضافة إلى آخرين من الإمبراطورية العثمانية. ويظهر ذلك في هندسة الحدائق المميّزة المحيطة بالقصر والمجموعات النباتية التي جُلبت من مختلف أنحاء العالم.
وهناك قصر “يلدز” الذي يتكون من عدد كبير من الأجنحة والدور، وبني في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكان مقراً للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني في إبريل/ نيسان 1877، باعتباره أكثر أمناً، وأطلق عليه اسم “يلدز ساراي هومايون”. وطوال فترة حكمه الذي استمر 33 عاماً، اتخذ القصر شكله الحالي.
وبعد هذه الفترة وتأسيس الجمهورية التركية، استُخدم المكان مقراً عسكرياً قبل أن يُحول إلى متحف ويصبح ملكاً لوزارة الثقافة والسياحة التركية، ويتم افتتاحه للزيارات بعد إجراء الترميمات اللازمة. ويعود سبب شهرة المكان لتميز موقعه في منطقة بشكطاش على تلة يلدز المطلة على مضيق البوسفور، وتعتبر الحديقة حالياً متنزهاً ومتنفساً متميزاً داخل مدينة إسطنبول.
أما قصر بيلار بيه، فيصنّف لدى العثمانيين قصرا صيفيا إذ بني في القرن التاسع عشر ليكون مقراً صيفياً للسلاطين العثمانيين. يتميز بتصميمه المعماري الرائع والحدائق الخلابة التي تحيط به. من جهة أخرى، يحملُ القصر قصة حزينة، حيث سُجن فيه السلطان عبد الحميد وعائلته مدة ست سنوات حتى وفاته، ويُقال إنه نحت جزءاً من أثاث القصر بيديه.
ومن القصور الصيفية أيضاً، قصر أهلامور الذي سمي هكذا تيمناً بأشجار الزيزفون المنتشرة بكثافة فيه. ويتكوّن من مبنيين، الأول وهو المبنى الرئيسي مخصص للمراسم، بينما الثاني مخصص لموكب السلطان الذي كان خاصاً بالأسرة الحاكمة.
وثمة قصور مدهشة ببنائها وإن كانت صغيرة المساحة أو أنها لم تحظ بشهرة كونها لم تكن مراكز حكم بل أماكن ضيافة واستجمام، مثل قصر كوجوكسو، الذي كان يستخدمه السلاطينِ العثمانيون للإقامات القصيرة أثناء النزهات ورحلات الصيد.
يقع القصر في حي كوجوكسو في منطقة بيكوز على الشاطئ الآسيوي للبوسفور بين قصر الأندلوسيار وجسر السلطان محمد الفاتح.
وهناك قصر جراغان العثماني السابق، الذي بات فندق خمس نجمات تابعا لسلسلة فنادق كمبنسكي، وأنشأه السلطان عبد العزيز، ويقع في مدينة إسطنبول في الضفة الأوروبية على مضيق البوسفور، بين بشكطاش وأورطاكوي.
ونختتم زيارة قصور إسطنبول بقصر الخديوي، ويقع في بلدة بيكوز من الشق الآسيوي لمدينة إسطنبول، وبُني عام 1907 من قبل المعماري الإيطالي ديلفو سيميناتي، وبأمر من خديوي مصر عباس حلمي باشا، الذي عاش فيه مع عائلته بعد عزله بقرار من السلطان محمد رشاد الخامس أثناء إعلان مصر استقلالها عن الدولة العثمانية.
يحتوي القصر على أول مصعد يعمل بالبخار في تركيا آنذاك، وعرف حينها بتلك الميزة، كما تحيط بالقصر حديقة كبيرة تحتوي أنواعاً عدة من الورود والأشجار. وبعد مغادرة الخديوي المدينة عام 1930، اشترت بلدية إسطنبول القصر، لكنه لم يُستخدم كثيراً في السنوات ما بين 1937 وحتى 1982، وتعرض للتخريب والضرر، وجرى ترميمه عام 1982. وبعد سنتين من عملية الترميم، تم تحويله إلى فندق ومطعم ومقهى.
المصدر: العربي الجديد
اقرأ أيضا: تركيا.. مركز بالان دوكان للتزلج قبلة للسياحة الشتوية