يُعد نظام إدارة المعارك ADVENT، الذي طوَّرته HAVELSAN، من أبرز ركائز هذا التطور، لا سيما أن هذا النوع من الأنظمة لا يُنتَج على نطاق واسع سوى في عدد محدود من الدول والشركات الدفاعية.
شهدت الصناعات الدفاعية التركية خلال السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في مجال إنتاج وتصنيع المنصات البحرية، ولم يقتصر هذا التقدم على تصنيع المنصات فحسب، بل امتد ليشمل تصميم وتطوير الأنظمة القتالية، وكان من أبرز النماذج على ذلك ما تقدمه شركة HAVELSAN.
وفي مارس/آذار الماضي، وقّعت HAVELSAN اتفاقية مع قيادة القوات البحرية التشيلية، يجري بموجبها تزويد فرقاطتين من أسطول البحرية التشيلية بنظام ADVENT SYS، وذلك ضمن مشروع شامل لتحديث المنصتين. ومن المتوقع أن يُستكمل تنفيذ المشروع خلال أربع سنوات، إذ سيُدمج النظام في كلتا السفينتين بما يضمن توافقاً تاماً مع الأنظمة والأسلحة الموجودة على متنهما.
ومع انضمام تشيلي إلى هذا المشروع، تصبح الدولة التاسعة التي تعتمد على نظام ADVENT SYS ضمن منصاتها القتالية البحرية.
ADVENT نظام متكامل لإدارة المعارك، صُمم لتلبية متطلبات الحرب الحديثة، ويرتكز على مفهوم العمليات الشبكية، كما يتميز ببنية قوة مهام متعددة تتيح للوحدات البحرية تنفيذ المهام المشتركة بكفاءة ومرونة.
وقد جرى تطوير هذا النظام بالتعاون الوثيق بين HAVELSAN وقيادة القوات البحرية التركية، ليكون أول نظام إدارة معارك يُصمم خصيصاً لتلبية احتياجات البحرية التركية.
يشمل النظام جميع مراحل العمليات القتالية؛ من تقييم التهديدات ودعم اتخاذ القرار وتحديد الأهداف، إلى التحكم بالأسلحة وإدارة أجهزة الاستشعار، ما يعزز من كفاءة القيادة والوعي التكتيكي على مختلف المستويات.
ويمتاز ADVENT بواجهاته البصرية السلسة، وقدرته العالية على التكامل، وبنيته البرمجية المتطورة، ما يجعله حلاً متقدماً من حيث الأمن السيبراني، والمرونة التشغيلية، والكفاءة العملياتية.
أهمية النظام ودوره في تعزيز القدرات البحرية
حول أهمية نظام ADVENT ودوره الحيوي في تعزيز كفاءة القوات البحرية، يشير الباحث في الصناعات الدفاعية والبحرية كوزان سلجوق أركان، في حديثه إلى TRT HABER إلى أن امتلاك المعلومات في حد ذاته لا يكفي، بل إن تحليل هذه المعلومات بدقة، ومشاركتها عند الحاجة مع أنظمة أخرى، هو ما يصنع الفرق الحقيقي في ميدان العمليات.
في السياق ذاته، توضح شركة HAVELSAN أن نظام ADVENT “ليس مجرد نظام تقليدي لإدارة المعارك، بل هو نظام متكامل وشامل. ففي حين تكتفي الأنظمة التقليدية بتحسين أداء السفينة بشكل منفرد، يذهب ADVENT إلى ما هو أبعد، إذ يعمل على دمج قدرات جميع المنصات المرتبطة به بفاعلية ودقة، ما يتيح تنفيذ عمليات قتالية مشتركة بشكل منسق ومترابط”.
ويضيف أركان موضحاً: “تخيّل أن طائرة مسيّرة في الأجواء تلتقط صورة ما، يتيح النظام للسفينة الوصول إليها بسلاسة، بل ويمكن أيضاً دمج وحدة برية في هذا التسلسل إذا لزم الأمر، مما يفتح الباب أمام تواصل وتكامل مختلف المنصات المتوفرة لديك، سواء بحرية أو جوية أو برية”.
ويشير أركان إلى أن هذه الخاصية تتيح للسفينة التحرر من الاعتماد الكلي على مستشعراتها الذاتية، حيث تصبح قادرة على تلقي بيانات مباشرة من أنظمة أخرى بعيدة، ما يوفّر صورة عملياتية أكثر وضوحاً ودقة.
ويختم أركان بالإشارة إلى أن مفتاح التفوق في ميدان القتال يكمن في القدرة على اكتشاف العدو مبكراً وتشخيصه بسرعة، مؤكداً أنه “كلما زادت سرعة هذه القدرة ودقتها، ازدادت قوة اليد العسكرية وقدرتها على امتلاك زمام المبادرة”.
عدد قليل من الدول
بدأت شركة HAVELSAN العمل على تطوير نظام إدارة المعارك ADVENT في عام 2010، ودخل النظام الخدمة الفعلية في عام 2019، حسبما ورد في موقع الشركة الرسمي. ويُستخدم النظام اليوم في أكثر من 85 منصة، موزعة على 9 دول في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.
في هذا السياق، يشير كوزان سلجوق أركان، الباحث في الصناعات الدفاعية والبحرية، إلى أن الصناعات الدفاعية التركية تجاوزت مستوى تقنياً متقدماً، قائلاً: “لقد تخطّينا مرحلة الاكتفاء بإنتاج السفن، أو الاعتماد على أنظمة الرادار والحساسات التقليدية لجمع البيانات. نحن اليوم قادرون على رصد البيانات المتدفقة من البحر أو الجو بشكل لحظي، وربما سنتمكن قريباً من جمع بيانات مباشرة من أعماق البحر عبر مركبات غير مأهولة تحت الماء”.
ويؤكد أركان أن تركيا، بفضل نظام ADVENT الذي طوّرته HAVELSAN بالتنسيق مع قيادة القوات البحرية التركية، باتت من قلة قليلة من الدول التي تمتلك القدرة على تطوير نظام قتالي متكامل باستخدام إمكانات وطنية بالكامل.
ويضيف: “نحن اليوم من بين الدول النادرة التي طوّرت نظاماً قتالياً يعمل على أساس بنية مركزية قائمة على الشبكات (Network-Centric Warfare)، وهو ما يعكس مستوى النضج التقني الذي وصلت إليه الصناعات الدفاعية التركية”.
كما يلفت أركان الانتباه إلى أن تركيا لا تكتفي بتجهيز سفنها بأنظمتها الدفاعية، بل أصبحت تُصدّر هذه الأنظمة إلى سفن بُنيت خارج أراضيها، موضحاً: “على سبيل المثال صدّرنا نظام الدفاع الجوي القريب Gökdeniz إلى الفلبين، ونعلم الآن أن HAVELSAN صدّرت نظام ADVENT SYS إلى تشيلي، وهذا يشير بوضوح إلى المدى الذي بلغته الصناعات الدفاعية والبحرية التركية على المستوى العالمي”.
3 نسخ
طوّرت الشركة ثلاث نسخ من النظام تتوافق مع طبيعة المنصات والمهام المطلوب تنفيذها، وراعت في تصميمها قدرة هذه النسخ على التكامل الكامل في ما بينها.
أولى هذه النسخ هي ADVENT ROTA، والمخصصة للأنظمة غير المأهولة. يلعب هذا النظام دوراً فعّالًا في تنفيذ مهام الاستطلاع، والمراقبة، والدوريات البحرية بشكل ذاتي (أوتونومي). وقد صُمم على أنه نُسخة مشتقة من نظام ADVENT SYS، ويستخدم نفس بنى البيانات وبنية الاتصال، ما يُتيح له العمل بكفاءة مع محطات التحكم الأرضية المتنقلة (YKİ)، ويوفر كذلك إمكانية تبادل الأوامر والبيانات مباشرة بين المنصات المأهولة (البحرية، البرية، الجوية) المزوّدة بـADVENT SYS وبين الأنظمة غير المأهولة.
النسخة الثانية من النظام هي ADVENT UFUK، وهي تُعنى بتقديم خدمات الأمن البحري وتعزيز الوعي الظرفي في البيئة البحرية، وتمثل نظاماً متكاملاً للقيادة والسيطرة وإدارة المعلومات والاستخبارات. وقد صُمّم النظام بحيث يُمكن تشغيله من أكثر من مركز تشغيل، وبشكل احتياطي متزامن.
ويجمع النظام البيانات من مجموعة واسعة من المستشعرات العضوية المنتشرة على امتداد الساحل، بما في ذلك:
رادارات المراقبة البحرية، ورادارات المراقبة الساحلية، ورادارات الملاحة، وأنظمة الدعم الإلكتروني، وأنظمة التعريف الصديق/العدو (IFF)، وأنظمة تتبع الطائرات المدنية (ADSB)، وكاميرات كهروضوئية (OTS)، وبالإضافة إلى أنظمة القيادة والسيطرة وإدارة المعلومات المختلفة.
أما النسخة الثالثة، فهي ADVENT MARTI، وقد صُممت خصيصاً للطائرات والمروحيات. وتقدم تكنولوجيا متقدمة تُعزّز قدرات المراقبة الحية، والوعي الظرفي، والقيادة والسيطرة.
وبوصفه نظام إدارة معارك جوياً، صُمِّم ADVENT MARTI ليتوافق مع متطلبات مجموعة من المنصات، مثل: طائرات الدوريات البحرية، وطائرات المراقبة الجوية، المروحيات، بالإضافة إلى الطائرات المسيّرة (الدرون).
