اجتمع في إسطنبول التركية، العشرات من الصحفيين والكتاب والإعلاميين من فلسطين وتركيا، ومن مختلف دول العالم، في ندوة نظمتها دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية حملت عنوان “صراع الإعلام من أجل الحقيقة في حرب غزة: عنف وتضليل ورقابة”.
وتواصل إسرائيل منذ نحو أربعة أشهر على التوالي حرب الإبادة على قطاع غزة مكاناً وسكاناً، ووسط مساع مستمرة منها لتحوير الحقائق وكتمها، من خلال حرب مفتوحة تشنها على الإعلاميين والصحفيين في غزة هم وعائلاتهم، وحتى هذه اللحظة استشهد أكثر من 120 صحفياً وإعلامياً.
وبموازاة القتل والاستهداف، تنشط إسرائيل ومن خلفها وسائل إعلام وجهات غربية في ملاحقة وتكميم أفواه الصحفيين حول العالم، في ما يشبه “محاكم التفتيش” راح ضحيتها عشرات الصحفيين والإعلاميين الذين فقدوا وظائفهم نتيجة لمواقفهم وسعيهم لنقل حقيقة ما يجري في غزة.
في ظل هذه الحرب على الحقيقة، اجتمع العشرات من الصحفيين والكتاب والإعلاميين من فلسطين وتركيا، ومن مختلف دول العالم، في ندوة نظمتها دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية حملت عنوان “صراع الإعلام من أجل الحقيقة في حرب غزة: عنف وتضليل ورقابة”، أقيمت في إسطنبول واستمرت على مدار يومي 26-27 يناير/كانون الثاني الماضي، وتناولت نضال الصحفيين والإعلاميين في القطاع وخارجه لنقل الحقيقة ومواجهة سياسات القتل وتكميم الأفواه الإسرائيلية.
وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، أكد رئيس دائرة الاتصال بالرئاسية التركية فخر الدين ألطون، أن “استراتيجية إسرائيل القائمة على استهداف الصحفيين باتت واضحة، وهدفها منع انتشار الحقائق”، لافتاً إلى أن “نسبة مقتل الصحفيين في غزة هي الأعلى على مستوى العالم”.
وأشار ألطون إلى أن دائرة الاتصال في الرئاسة تعمل على “كشف الأكاذيب الإسرائيلية”، معبراً عن امتنانه لـ”عشرات الصحفيين (الفلسطينيين في غزة) الذين يحاولون الاستمرار في مهامّهم لإيصال الحقيقة”.
وأضاف ألطون أن “الدول الغربية تتعامل مع المسألة بنفاق ومعايير مزدوجة”، مشيراً إلى أن “فرنسا حظرت بيع كتاب يتّهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، فأين حرية التعبير؟!”.
أصوات من غزة في ندوة إسطنبول
وشارك في الندوة التي أقيمت في إسطنبول، صحفيون وإعلاميون استعرضوا شهاداتهم حول السياسة الإسرائيلية المتبعة في طمس الحقيقية عبر استهداف الصحفيين والإعلاميين في غزة.
وقال الصحفي مصطفى حسونة، مصور وكالة الأناضول الذي خرج من غزة مؤخراً، إن “إسرائيل تتبع سلوكاً ممنهجاً في الهجوم على الصحفيين، وذلك لإدراك إسرائيل أنهم (الصحفيون) من ينقل إلى العالم حقيقة ما تقوم به في غزة، لذلك هم يريدون إسكاتهم”.
وأشار حسونة لـ TRT عربي، إلى أنه “شهد في غزة ما يقرب من 5 حروب منذ عام 2009، لكنه لم يشاهد هذا النوع من الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل، وتستهدف فيه الصحفيين والمدنيين”.
وقالت سمية أبو عيطة، المحررة في قناة TRT عربي، التي تمكنت من دخول قطاع غزة مع بدء الحرب الإسرائيلية، إن إسرائيل تعمدت استهداف الصحفيين وقتلهم.
وبكلمات امتزجت فيها العبرات استذكرت أبو عيطة “كثيراً من أصدقائها الصحفيين، الذين مضت معهم الأيام الطويلة، وفقدتهم في هذه الحرب، أو تعرضوا هم لفقدان كثير من أهلهم وعائلاتهم بالكامل، وكثير منهم فقد بيته”، وخرجت من غزة ولا تدري ماذا يفعل أصدقاؤها هناك.
وعادت أبو عيطة لتؤكد إنسانية الصحفي الفلسطيني وضرورة توفير الحماية له خلال ممارسة عمله.
الإعلام التقليدي وتحدي الموضوعية
واطلع المشاركون في الندوة التي أقيمت في إسطنبول، على أداء وسائل الإعلام الغربية والعالمية في تغطية الأحداث، وأشار عدد منهم إلى غياب الموضوعية والانحياز الواضح لإسرائيل وروايتها للأحداث على حساب الرواية الفلسطينية.
ويقول السفير الفلسطيني في تركيا الدكتور فايد مصطفى الذي شارك في الندوة، إن “الاحتلال نجح في ترويج روايته للأحداث خلال الساعات الأولى للعدوان عبر ما يمتلكه من أدوات تأثير في وسائل الإعلام العالمية”.
ويضيف السفير مصطفى: “هذا الأمر جرى التغلب عليه بفضل الشجاعة الإعلامية للإعلاميين الفلسطينيين الموجودين في الميدان، الذين نقلوا وينقلون بشكل مباشر كل ما يجري على الأرض”.
ويؤكد على ضرورة الاستمرار في العمل بأقصى طاقة ممكنة؛ لأنه عدونا أيضاً، لا يتوقف ولا يتورع عن استخدام الكذب والتشويه، فعلينا أن نستمر في جهدنا الإعلامي، والمحافظة على من يؤمن روايتنا ومحاولة تغيير الموقف الذي لا يزال يتردد في هذا الشأن.
وأرجع الإعلامي عزام التميمي، انحياز جزء من وسائل الإعلام الغربية إلى “الذهنية الغربية المتأصلة فيها العنصرية، التي لا ترى في هذا الآخر الفلسطيني كفواً له، لذلك لا يستحق أن يتعاطف معه حتى لو كان مظلوماً، وهو يدرك أننا مظلومون، هم ليسوا جهلة بالحقيقة، إنما هم لا يرونا نستحق أن يتعاطف معنا في مظلوميتنا”، بحسب TRT عربي.
وأكدت الإعلامية الفلسطينية روان الضامن، أن “الإعلام الغربي ليس واحداً، هناك المستقل منه، الذي كثيراً ما ساعد في نقل الرواية الفلسطينية”.
وتضيف الضامن: “ومع ذلك هناك أصوات غربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمشروع الغربي، ومن الصعب جداً أن تسمح بأي شيء يتعلق بالرواية الفلسطينية أن يكون جزءاً من هذا المضمون”.
جيل جديد وأدوات حديثة
أظهرت الحرب في غزة قدرة وسائل التواصل الاجتماعي وقوتها على خلق مسارات بديلة عن وسائل الإعلام التقليدية وخطها التحريري المتزمت، ونجحت وسائل الإعلام البديلة في فرض الرواية الفلسطينية للأحداث.
ويشير الناشط والمخرج الإسباني ديفيد سيغارا، إلى أن “احتكار نقل الرواية قد انتهى، والرواية الإسرائيلية تعرضت للانكسار، وذلك بسبب أمرين، الأول: إن وسائل الإعلام في الجنوب العالمي أصبحت أكثر قوةً عما كانت عليه”.
ويبيّن سيغارا، أن الأمر الثاني يتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي اللامركزية والمستقلة، التي رغم أن خوارزمياتها تعمل على التقليل من الأصوات المؤيدة للفلسطينيين، إلا أن جميع البيانات تقول إنهم يفشلون تماماً.
ويوضح الدكتور عزام التميمي أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي امتد كذلك إلى وسائل الإعلام التقليدية التي أظهرت تحسناً طفيفاً في التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام التقليدية، بسبب أن وسائل التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار، وعندما جرى ذلك اضطرت هذه المؤسسات إلى التجاوب مع الأحداث، لكن يظل خوفهم ورعبهم من اللوبي الصهيوني قائماً.
ويؤكد التميمي أن العالم “يتغير والسابع من أكتوبر/تشرين الأول غيّر مجرى التاريخ، وسوف نشهد تحولاً جذرياً، مثل الذي شهدناه في فيتنام عام 1968، ومثل الذي جرى في جنوب إفريقيا منتصف الثمانينات، وأظن أن التكنولوجيا الحديثة سوف تساهم في ذلك”.
وتنوعت فئات المشاركين في الندوة التي أقيمت في إسطنبول، وكان واضحاً مشاركة طلبة الإعلام والصحافة من الجامعات التركية، بعد أن حرصت الجهات المنظمة على مشاركتهم وحضورهم، وتفاعل الطلبة مع مداخلات المشاركين، وظهر الاهتمام عليهم في متابعة ما يطرح من قضايا وشهادات.
وتقول الطالبة في قسم الإعلام والتلفزيون في جامعة إسطنبول، بيزا بينجي، إن صحفيي غزة شكلوا لها مصدراً للإلهام، وبفضلهم “عرفنا ما يجري هناك، فهم أصبحوا لنا عيوناً في غزة”.
وتضيف بينجي لـTRT عربي: “كطالبة تسعى إلى أن تكون مخرجة أو صحفية، استفدت كثيراً من المداخلات والنقاش القائم، وقطعت عهداً مع نفسي على أن أعمل على نقل الحقيقة ما دمت حية”.
بدورها تقول حميرة أتا، الطالبة في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة السلطان محمد الفاتح بـ إسطنبول، إنها أدركت “مجدداً أن الإعلام الغربي الحليف لإسرائيل يعمل على تغطية الحقائق وتشويهها، كما أدركت الجهد الكبير الذي يبذله الصحفيون من أجل أن تصلهم الصورة النهائية لما يحدث”.
وأضافت حميرة: “الصحفيين النساء والرجال في غزة، قدموا أداءً كبيراً ومؤثراً، وهذا الأمر دفع إسرائيل إلى قتلهم من أجل تغطية نقل الحقيقة وإخفائها”.
اقرأ أيضا: الجيش الإسرائيلي من مناطق بمحافظتي غزة والشمال
اقرأ أيضا: الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب إلى 27 ألفا و19 شهيدا