• 28 مارس 2024

لماذا الإقبال على المسلسلات التركية؟

حققت الدراما التركية، خلال السنوات الماضية، نجاحات عربية وعالمية، غير مسبوقة، حتى وصل عدد البلدان التي تبثها على شاشاتها 142 دولة.

 

واستندت الدراما التركية في تحقيق تلك النجاحات إلى عدة مزايا، بينها ما تحمله من مضمون، إلى جانب الإمكانيات التقنية والمزايا الطبيعية في البلاد.

 

ولعل أبرز ما يميّز المسلسلات التركية نقل أحداث التاريخ بالشكل الصحيح، وتقويم التحريف الذي تعرض له، وخاصة في المنطقة العربية التركية، فضلاً عن الحضارة الإنسانية، والتمدن والتطور والجمال الطبيعي.

 

وتعتبر المقومات السابقة، عناصر أساسية في المسلسلات الأكثر نجاحاً حالياً وبينها “قيامة أرطغرل”، و”الفاتح”، و”تحدث أيها البحر الأسود”.

 

وعرضت مسلسلات سابقاً أيضاً، تميزت بمشاهد ملفتة، جرى تصويرها في قصور تاريخية، وحفلت بمناظر طبيعية خلابة، فضلاً عن مدن ومناطق تركيا المتميزة بالجمال الطبيعي، والتقدم الحضاري.

– تاريخ عتيد

تعطش المشاهدين لمتابعة التاريخ من منظور حقيقي أحد أسباب نجاح الدراما التاريخية، حيث تكشف هذه الأنماط من الأعمال، الستار عن مراحل تاريخية مهمة، جهلت بها شعوب المنطقة.

 

فالمعروف أن التاريخ يسطّره المنتصرون، وهو ما حصل في المنطقة، بعد انتهاء الحربين العالميتين، فشوّه التاريخ للعلاقات بين الدول والمجتمعات، مما ساهم في تباعد شعوب المنطقة عن بعضها البعض.

 

وجاءت المسلسلات الحالية مثل “عاصمة عبد الحميد”، و”الكوت والعمارة”، و”قيامة أرطغرل”، والفاتح”، لتلقي الضوء على مراحل تاريخية وحقب متنوعة، لم تذكر في التاريخ الحديث.

 

ويعرض مسلسل السلطان عبد الحميد، حقبة تاريخية مهمة في العالمين العربي والإسلامي، حيث شهدت مطالب صهيونية بالحصول على حقوق في فلسطين والقدس، تصدى لها السلطان عبد الحميد الثاني بشجاعة، فيعرض لتلك الحقبة المهمة، التي تهم العالم العربي أيضاً.

 

كما أن مسلسل “الكوت والعمارة”، يستعرض مرحلة تاريخية شهدت آخر الانتصارات الإسلامية، حيث وقف العرب والأتراك والأكراد صفاً واحداً، ضد الاحتلال البريطاني، على الأراضي العراقية.

 

إلا أن التاريخ لم يذكر هذا النصر الإسلامي، الذي حصل في العصر الحديث، ويأتي عرضه في المرحلة الحالية، ليشكل ملحمة هامة تستنهض همم شعوب المنطقة، وتجعلهم يفخرون بتاريخهم.

 

وكذا الأمر في مسلسلي “قيامة أرطغرل”، و”الفاتح”، حيث تعرض جوانب مضيئة من التاريخ العثماني وحقائق، تعكس الواقع الحديث، الأمر الذي ساهم في انتشارها عربياً.

– حضارة إنسانية

المسلسلات التركية من جانب آخر، تعكس التطور الحضاري للإنسان في مختلف الأزمنة، وتواجه التشويه المتعمد، بأن الحضارة الإسلامية لم تهتم بالفنون والعلوم والهندسة والعمارة، وحتى الفلسفة.

 

فالمسلسلات التي تنقل التاريخ، تظهر الزعماء والسلاطين، متقنين لدينهم، بارعين بمختلف العلوم، ولديهم قدر جيد من التخطيط، وهو ما يظهر اهتمامهم بالعلم والثقافة.

 

كما أن هذه المراحل تشهد تشييد القلاع والقصور والجوامع والآثار الكثيرة، التي تعتبر تحفاً فنية قل نظيرها في العالم.

 

وكلها مشاهد تدل على تطور الذوق المعماري في العالم الإسلامي، وانتشار فن العمارة والمعماريين، الذين لقنوا الغرب دروسا في الفن والإعمار والهندسة.

 

ظهور شخصيات إسلامية معروفة، من مثل “ابن عربي” في مسلسل “أرطغرل”، له دلالة على خدمة العلم في الحضارة، والدور الإنساني الكبير في النهضة.

 

فابن عربي متصوف وعالم زاهد يوجه ويقدم النصح ويوثق به، نتيجة تقدير الجميع للعلم والعلوم.

 

كذلك تظهر المسلسلات الآلات والوسائل، التي يستخدمها الناس في تلك المرحلة، والتي تشكل فضولاً للمشاهدين، منها الأدوات العلمية، والمخططات والوثائق، والرسومات الهندسية.

 

وفي مراحل لاحقة، تكشف المسلسلات عن عظمة التخطيط للمعارك الكبرى، بالصناعة، والتخطيط، واخترق الحصون والأسوار.

 

وليس أكبر من دليل على ذلك، فتح مدينة إسطنبول في العام 1453م، مما يظهر همة عالية.

– تمدن وتطور

يضاف إلى ما سبق، نجاح الدراما التركية في أن تعكس الواقع المعاش حالياً، وتقديمها التراكم الثقافي الذي أدى إلى التمدن والتطور الحضاري الحديث لتركيا.

 

وعلى رأس المدن التركية تأتي إسطنبول، التي تستضيف معظم المسلسلات المصورة، عبر ما تقدمه من إمكانيات.

 

فمشهد الجسور المعلقة، والسفن العابرة لمضيق البوسفور، تمثل إبهاراً للجمهور وخاصة من العرب والأجانب، وتذهب بمخيلتهم إلى تمازج الطبيعة مع الخدمات المقدمة، التي استفادت من تطور العالم.

 

وكذلك الأمر فيما يتعلق بنمط من الحياة المعاصرة، حيث دخلت التقنيات في الحياة اليومية بشكل كبير، وهو ما يظهر في المسلسلات، بل يتم الاعتماد عليها في التقاط الصور والمشاهد.

 

ولا يمكن كذلك إغفال تشابه العادات والتقاليد التركية والعربية، ودورها في جذب الجمهور العربي.

 

فظهور الرموز الإسلامية من المساجد، ورفع الأذان، وتلاوة القرآن، فضلاً عن عادات الدفن والجنازات، كلها أمور تجتذب المشاهدين بشكل أكبر.

 

وبذلك نجحت المسلسلات التركية في تقديم التاريخ والحضارة والتمدن، وعكست الجمال الطبيعي لتركيا، مقدماً بالقالب الحضاري، رغم أن بعض الأعمال تعرضت لانتقادات بعدم الحياد، غير أنها في المجمل حققت نجاجات واسعة.

 

وعلى شاشات 142 دولة، وبقيمة تصدير بلغت نحو 350 مليون دولار، استطاعت المسلسلات التركية الوصول إلى العالم، وتحقيق نجاح ملحوظ خلال السنوات العشر الأخيرة.

 

وتزايد الطلب على الدراما التركية، لتحتل بذلك المرتبة الثانية عالمياً في تصدير المسلسلات، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وفق إحصائيات رسمية.

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *