• 28 أبريل 2024

قام الحكم العثماني على نظام السلطان الذي يرسل و”لاته” وبشاواته” إلى البلدات التي تقع تحت حكمه. ووفقاً للمواثيق التاريخية المختلفة، فإن بعض الولاة كان فاساداً، وبعضهم كان صالحاً صنع للبلد الذي حكمها نهضة كبيرة. وخير مثال على هؤلاء المصلحين، خير الدين التونسي أو خير الدين باشا الذي يرصد حياته ومسيرته في الحكم الصحفي التونسي، عائد عميرة، مشيراً إلى أنه أحد أبرز رجال الخلافة العثمانية في تونس في القرن التاسع عشر، وأقام اصلاحات عظيمة دفع بعض التونسيين يُطلقون عليه “أبو النهضة التونسية”.

عام 1837، قدم خير الدين إلى تونس وهو في سن السابعة عشر من عمره، حيث حط الرحال في قصر حاكم البلاد آنذاك البيه أحمد باشا، بعدما اشتراه من سيّده تحسين بك القبريصي، فأقام عنده وحمل اسمه وفتح له أبواب العلم والسياسة والمناصب، فتمكن خير الدين باشا من تعلم الفنون العسكرية والسياسية والتاريخ، كماتعلم

ويعود تاريخ ولادة خير الدين إلى سنة 1820، في قرية جنوب شرقي جبال القوقاز لأسرة تنتمي إلى قبيلة أباظة الشركسيّة. وتقول بعض المراجع التاريخية إنه أُسر في مرحلة مبكرة من طفولته بعد مقتل والده في معركة عثمانية ضد الروس.ثقافة واللغة الفرنسية بشكل جيد على حد ما يبيّنه عميرة في مقاله “خير الدين باشا،

أبرز رجال الإصلاح العثمانيين”.

 

عقب أسره في هذه المعركة، بيع خير الدين بسوق الرقيق في إسطنبول حيث اشتراه القاضي العسكري الذي يدعى تحسين بك القبريصي ورباه تربية خاصة، ما مكّنه من يكون فطنا وذو ذكاء كبير، غير أنه نشأ كعبد مملوك تحت سيده.

بعد ثلاث سنوات من قدومه تونس، التحق خير الدين بالجيش التونسي برتبة “بمباشي” أي “قائد الخيالة”، ورقي في سلم الرتب العسكرية، حتى وصل إلى رتبة أمير الأمراء أي جنرال سنة 1852 بحكم ثقة الباي فيه وفراسته.

سنة 1857، وعقب رجوعه من فرنسا، عُين خير الدين وزيراً للحربية، ثم اعتزل العمل الرسمي عام 1862، وعكف لسنوات على قراءة كتب السياسة والفكر، وفي سنة 1871 عاد خير الدين للمشهد السياسي رئيسا للجنة مراقبة المالية، وبعد عامين عين رئيسا لوزراء تونس.

ظل خير الدين رئيساً لوزراء تونس حتى 1877، حيث استقال من منصبه وغادر إلى إسطنبول، وشغل هناك منصب رئيس ﻟﺠﻨﺔ ﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﺎﻟﻲ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ ﺃﻥ ﻋﻴَّﻨﻪ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ “ﺻﺪﺭ ﺃﻋﻈﻢ للدولة” أواخر سنة 1878، وقد استقال من هذا المنصب عام 1879، ونال عضوية مجلس الأعيان في العام نفسه واحتفظ بها حتى وفاته عام 1890.

عدم دراسته في المدرسة الحربية التي أنشأها أحمد باي في مارس 1840 بباردو، لإصلاح الجيش والإدارة وتمكين البلاد من أسس التحديث، كغيره من المماليك من أمثال الجنرال حسين والجنرال رستم، لم يمنعه من الانكباب بمفرده على الدراسة، فأصبح يتقن التركية، فضلا عن كلّ من اللغة العربية واللغة الفرنسية، كما تلقى العلوم الشرعيّة واللغويّة من علماء معهد الزيتونة في تونس.

ومثّلت رحلته الأولى إلى العاصمة الفرنسية باريس سنة 1846، بداية التحوّل في حياته، حيث مكّنته هذه الرحلة من اكتشاف العالم الغربي ومؤسساته عن كثب. وفي رحلته الثانية إلى هناك التي دامت ثلاث سنوات بين 1853 و1856، تعرّف خير الدين إلى أسس الحضارة الغربية الحديثة وخاصة قيام النظام السياسي على المؤسسات الدستورية والتنظيم الإداري المحكم.

نادى خير الدين باشا بالتجديد الفقهي عبر الاجتهاد، وألحّ في توفير الحريّة للمجتمع، باعتبارها منفذًا هامًّا لاجتثاث التخلّف، وعرف عن خير الدين دعمه للمبادرات الإصلاحية وحثه على العدل والمساواة بين المواطنين وإصلاح أنظمة الحكم، وقد نادى بمقاومة الدكتاتوريّة لكنه ظل متمسكا بنظام الخلافة.

وركّز خير الدين على ضرورة الأخذ بالمعارف وأسباب العمران الموجودة في أوروبا، حيث عمل على النهوض بالتعليم ونشر الوعي، فقد أسس المدرسة الصادقية نسبة إلى الباي محمد الصادق وأدخلها فيها تدريس العلوم الحديثة إلى جانب علوم الدين واللغة العربية كما طور التعليم في جامع الزيتونة وأنشأ المكتبة العبدلية.

جامع الزيتونة في تونس

فضلا عن عمله الفكري، حاول خير الدين القيام بإصلاحات أخرى منها تحسين ميناء حلق الواد، وإنشاء مصنع بخاري للسفن وتعزيز شبكة الطرق للربط بين مختلف مناطق تونس، وسن تشريعات تخدم الإصلاح والتطور.

كان خير الدين باشا محبا للإصلاح حيث أيد وثيقة عهد الأمان التي صدرت عام 1857، والتي أقرت مساواة التونسيين في الحقوق، وساهم عام 1861 في وضع قوانين المجلس الأكبر (مجلس الشورى) المكون من ستين عضوًا وتولى رئاسته.

اقرأ أيضاً

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *